Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 105-106)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا } عما لا يحل لهم التفرق عنه ، بأن فارقوه كلهم { وَاخْتَلَفُوا } فيما لا يحل الخلاف فيه ، بأن خالف بعضهم الحق ، والمراد الفريق المبطل الخالف للمحق ، أو تفرقوا بالعداوة واختلفوا بالأديان ، أو تفرقوا بالتأويلات الفاسدة ، واختلفوا بنصر كل فريق مذهبه ، وإبطال مذهب غيره ، أو تفرقوا بأن رأس كل واحد فى بلد ، واختلفوا بدعوى كل أنه المحق { مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ البَيِّنَاتُ } كاليهود والنصارى ، خالفوا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن فخالفت اليهود النصارى بإثبات الجسمية لله عز وجل ، وقولهم بالأربعين فى النار ، وخالفتهم النصارى بدعوى أن المبعوث الأرواح وحدها ، وقالوا : لن يدخل الجنة الآية ، وكل خالف الآخر فى نبيه وكتابه ، وكالقائلين من هذه الأمة الإجابية بما لا يجوز الخلاف فيه ، كرؤية البارى ، وكون صفاته غيره وإثبات الجوارح بلا كيف . وقد اختلف المجوس على سبعين فرقة ، واليهود على إحدى وسبعين ، والنصارى على اثنتين وسبعين ، وهذه الأمة على ثلاث وسبعين كلهم فى النار إلا واحدة ، قيل : من هى يا رسول الله ؟ قال : " من عَلَى ما أنا عليه اليوم وأصحابى " ، وروى أحمد عن معاوية ، أن أهل الكتاب عَلَى اثنتين وسبعين وأمتى عَلَى ثلاث وسبعين . وعن أنس ، بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ، وأمتى على اثنتين وسبعين ، ويجمع بين الروايات بأ ، الافتراق تارة على كذا وتارة على كذا ، وأما الاختلاف فيما لا يجوز فيه من الفروع للمجتهدين من الصحابة ومن بعدهم فلا بأس به ، بل هو رحمة ، كما جاء الحديث بمعناه ، أخرجه الطبرانى وغيره ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : " من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن أخطأ فله أجر واحد " ، أخرجه الطبرانى أيضاً عن ابن عباس بسند ضعيف ، ورواه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن عمرو بن العاص ، وذكر القاسم بن محمد ، أن اختلاف أصحاب محمد رحمة لعباد الله تعالى ، أخرجه البيهقى وابن سعد ، وأخرج أيضاً عن عمر بن عبد العزيز : ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا ، لو لم يختلفوا لم تكن رخصة { وَأُولَئِكَ } المتفرقون ، والمختلفون { لَهُمْ عَذَابَ عَظِيمٌ } فكيف تكونون مثلهم ، وعلق بلهم ، أو باستقراره قوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ } أو بعظيم على أنه قيد العظيم باليوم تلويحاً بأنه قبله كأنه غير عظيم ، وذلك لأنهم يرون وجوه أعدائهم بيضاء وجوه أعدائهم فيغتاظون مع أن عذاب جهنم يستصغر إليه عذاب القبر وغيره ، واذكر يوم تبيض وجوه { وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } وهو يوم القيامة ، ابيضاضاً واسوداداً حقيقين ، وأما الفرح والحزن فلا زمان لهما يوسم أهل الحق ببياض الوجه والبدن كله والصحيفة والنور بين أيديهم ، وأهل الباطل بسواد الوجه والبدن كله ، والصحيفة ، والظلمة من كل جهة ، والغبرة والقترة والبسور ، وذلك هو الصحيح عندى ، وعليه الجمهور ، لأنه الواقع والحقيقة ولا دليل يصرف عن ذلك ، لا ما رجح بعض من أن الابيضاض كناية عن البهجة والسرور والإسفار والضحك والاستبشار ، والاسوداد كناية عن الحزن وأثره والخوف ، ولو كانت الكناية فى الجملة أبلغ ، وخص الوجه بالذكر لأنه أول ما يتلقى وأشرف الأعضاء ، والابيضاض والاسوداد وقت البعث من القبور ، أو وقت قراءة الصحف ، أو وقت رجحان الحسنات والسيئات ، أو عند قوله تعالى : وامتازوا ، الآية ، أو وقت يؤمر كل فريق باتباع معبوده أو فى كل ذلك شيئاً فشئياً حتى يتما { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ } فيقال لهم ، أكفرتم ، أو فيلقون فى النار ويقال لهم أكفرتم ، والاستفهام توبيخ للكافرين وتعجيب للسامعين { بَعْدَ إيَمانِكُمْ } يعنى إيمانهم يوم السبت بربكم ، والخطاب للكفار كلهم ، أو جعل حالهم لظهور حجج الإيمان إيماناً ، أو الخطاب لليهود والنصارى ، كفروا به إذ بعث بعد اعترافهم به قبل بعثه ، أو للمرتدين ، أو لهم خصوصا ، وللكفار عموماً ، وقال الحسن ، هم المنافقون بإضمار الشرك بعد الإيمان باللسان ، وعن على أهل البدع { فَذُوقُوا العَذَابَ } أمر إهانة بالشروع فى أول العذاب ، ولا يزال يزداد ، أو أمر تسخير بأن تذوق العذاب كل شعرة وكل جزء من أبدانهم ، شبه العذاب بشىء يذاق { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } بسبب كونكم تكفرون ، أو عوضه .