Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 154-154)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الغَمِّ } صرفكم فأثابكم ، ثم أنزل ، ولفظ ثم كان فى الترتيب وزادت بالتراخى ولكن ذكر لفظ بعد لتأكيد النعمة ، ومدة الغم لعظمه كأنها طويلة ، فالتراخى لذلك ، مع أن فيها ما يسيغ لفظ ثم من التراخى ولو بلا شدة لخروجها عن الاتصال ولك جعل التراخى معنوياً لعظمة الأمنة المذكورة فى قوله { أَمَنَةً } أمنا ، وقيل الأمن مع زوال سبب الخوف والأمنه مع بقائه مفعول أنزل { نُّعَآساً } بدله الاشتمالى أى نعاساً بها ، أو عطف بيان على جوازه فى النكرات ، ولا بأس به ، أو أنزل عليكم نعاساً حال كونكم ذوى أمن أو آمنين ، ككامل وكملة ، أو مفعول من أجله ، ونعاساً مفعول على أن الأمن يكون على من وقع عليه ويكون لمن أوقعه فاتحد فاعله وفاعل الإنزال ، أو هو مصدر بمعنى الإيمان ، وهو جعلهم آمنين { يَغْشَى طَآئِفَةَ مِّنكُمْ } قال ابن عباس رضى الله عنهما : آمن الله المؤمنين بنعاس يغشاهم ، وإنما ينعس من يأمن ، والخائف لا يأمن ، فالمنافقون بقوا على الخوف فلم ينعسوا قال طلحة والزبير بن العوام : غشينا النعاس فى المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ، ثم يسقط فيأخذه ، فهم يميلون بالنعاس تحت الدروع والدرق ، وتسقط السيوف من أيديهم وهم قائمون ، ويأخذونها جازمين بالنصر ، آمنين من الاستئصال لصحة إيمانهم ، وقيل : ناموا عمداً ، إذ علموا أن القوم ذاهبون إلى مكة ، وقد خاف صلى الله عليه وسلم أن يحاصروا المدينة ، فأمرهم بالصبر إن حاصروا ، وأمر رجلا فذهب فرآهم سراعا إلى جهة مكة ، فناموا { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ } هم المنافقون ، لم ينزل عليهم نعاساً ولا ناموا باختيارهم ، أوقعتهم أنفسهم فى الحزن خوفاً عليهم ، أو جعلتم فى أمر مهم وهو نجاتهم إن شكوا فى نبوته صلى الله عليه وسلم ، وإنما حضروا للغنيمة ، والجملة مبتدأ وخبر ، وأجيز أن يكون قد أهمتهم الخ نعتاً ، ويقدر الخبر معكم أو منكم ، والواو للحال على كل حال { يَظُنُّونَ بِاللهِ غيْرِ الحقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ } كظن الفرق الجاهلية أو أهل الملة الجاهلية ، أو الظن المختص بالجاهلية ، كقولك حاتم الجود ، وذلك أنهم ظنوا أنه لا ينصر وأنه قتل مع أنه لا يموت حتى بنصر ، وأنه غير نبى ، وغير مفعول به وظن مفعول مطلق ، والمفعول الثانى محذوف ، أى واقعاً ، وغير الحق أنه لا يموت صلى الله عليه وسلم ، أو أنه غير نبى ، ولاجملة خبر ثان لطائفة ، أو نعت ثان له أو حال { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ } الذى وعد الله ورسوله من الظفر والنصر ، استفهام إنكار ، أو تقرير أو تعجب ، أولما كثر القتل فى الخزرج قال ابن أبىٍّ : ما لى أمر مطاع ، ولو أطاعنى محمد ولم يخرج لم يكن هذا القتل ، فالأمر شأن الشورى ، فالاستفهام للنفى فزيدت من ، والجملة تفسير ليظنون { مِن شَىْءٍ } أى نصيب { قُلْ إنَّ الأَمْرِ كُلْهُ لِلهِ } يفعل ما يشاء ن لأن له القضاء ، أو ما أصاب المسلمين صورة غلبة والأمر الحقيق غلبة الله وأوليائه بالعافية بعد ، وبالحجة ، فإن حزب الله هم الغالبون { يُخْفُونَ فِى أَنفًسِهِم } من التكذيب { مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } ويظهرون طلب النصرة ، وفسر ذلك بقوله { يَقُولُونَ } فى أنفسهم أو بعض لبعض خفية { لَو كانَ لَنآ مِنَ الأَمْرِ } من الاقتداء برأينا فى عدم الخروج إلى العدو ، وفى البقاء فى المدينة ، فنقتلهم إذا جاءونا فيها كما اعتدنا ، أولو كان لنا مما وعد محمد من النصر ، ومن قوله إن الأمر كله لله وأوليائه { شَىْءٍ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } فى أحد ، ولو أخذ برأينا لم نقتل فى المدينة ، لكن لم يؤخذ فخرجنا فقتلنا { قُل } للمنافقين والمرتابين ، وقيل للمنافقين ، وأو لهما وللمؤمنين { أَوْ كُنتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ } ومنازلكم فى المدينة وما يليها ولم تخرجوا كما خرجتم { لَبَرَزَ } ظهر بالخروج إلى أحد { الذَِينَ كُتِبَ عَلْيْهِمُ } فى اللوح المحفوظ أو قدر { القَتْلَ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } مصارعهم لا يقدرون ألا يخرجوا إلى أحد ولا على أن يموتوا فيه ، لقضاء الله ذلك ، وقضاؤه لا يختلف ، أو لو كنتم فى بيوتكم لبرز المؤمنون فيقتلون وَلا يتخلفون كما تخلفتم ، وسمى المصرع مضطجعا تشبيها بموضع الرقاد لجامع لزوم المكان ، وعدم التصرف فيه ، فذلك استعارة تبعية ، لأن اسم المكان الميمى يتضمن حدثاً ، ولا يصح ما قيل من أنه اعتبر المضجع بمعنى موضع الامتداد لحي أو ميت ، فهو حقيقة ، لأن الميت لا يمتد بنفسه بل ولا بغيره ، لأَن من يضعه فى قبره ، يضعه كما هو ، لا يحدث له مدَّا ولا يزيده ، وأيضا لا نسلم أن المضجع لا يختص بمد النوم { وَلِيَبْتَلِى اللهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ } لبرز لنقاذ القضاء وليبتلى ، أو لكيلا تحزنوا وليبتلى ، أو فعل ذلك القتل فى أحد ليبتلى ، أو لبرز لمصالح كثيرة وليبتلى ، وابتلاء الله ما فى الصدور إظهاره ما فيها من إخلاص أو نفاق يظهر بالجزاء مرة وبالوحى أخرى فى خير أو شر ، كقوله تعالى : { يوم تبلى السرائر } [ الطارق : 9 ] ، والصدور القلوب ، تسمية للحال باسم المحل ، فإن القلب كزائد حادث متدل فى الصدرن أو تسمية للجزء باسم الكل ، وذكر القلوب تفنن بعد ، والتمحيص للاعتقاد والإيمان ، ولا يقال آمن بصدره ، وينسب للصدر الشرح ، كما فى مواضع من القرآن وعبارة بعضهم ، القلب مقر الإيمان ، والصدر محل الإسلام ، والفؤاد مشرق المشاهدة واللب مقام التوحيج { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ } من السرائر يخلصه من الوساويس ، من الشك والارتياب بما يربكم من عجائب صنعه ، فى إلقاء الأمنة وصرف العدو وإعلان المنافقين ، أو يصفى ما فى قلوبكم من تبعات المعاصى بتكفيره بما أصابكم ، وعن ابن عباس ، الابتلاء والتمحيص واحد { وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } فيجازى عليها ولا يحتاج إلى ظهورها ، وإنما أظهرها ليتميز المنافق من المؤمن بالقلوب صاحبة الصدور ، والمعنى بما فى القلوب التى فى الصدور كأنها مالكة للصدور ، أو عليم باعتقادات صاحبة الصدور .