Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 194-196)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ رَبَّنَا } متعلق بتوفنا { وَءَاتِنَا } عطف على توفنا { مَا وَعَدتَّنَا } من الرحمة والفضل والثواب { عَلَى رُسُلِكَ } على ألسنة رسلك ، أو على تصديق رسلك والاقتداء بهم ، أو منزلا على رسلك ، وذلك هو الجنة { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ } سألوا الموعود لأنهم لا يدرون بِمَ يختم لهم ، بل لو كانوا على يقين من السعادة ، يكون الدعاء تعبداً أو تضرعاً واستزادة من الفضل ، ولا سيما ما لا يدرى وقته كالنصر ، ففيه ذلك مع الاستعجال ، وقد يحسب الإنسان أنه يحسن صنعا ويبدو له عند موته أو فى القيامة ما ليس فى حسابه ، فسألوا أن لا يخزيهم أى لا يفضحهم الله تعالى ، أى أن يوفقهم ويبقيهم على الخير ظاهراً وباطناً ، فذلك حكمة الدعاء بنفى الخزى بعد قوله وآتنا ما وعدتنا ، فإن المثاب لا عقاب عليه ، فالمدعو به أولا الثواب ، وثانياً العصمة مما يحبط العمل ، وأيضاً الخزى عذاب للروح ، ولا عذاب ولا خزى بعد إيتاء ما وعدوا ، بل مما وعدوا عدم الخزى ، وذلك تلهف منهم وشدة حرص ، كما أنه يجوز أن يراد بالخزى إدخال النار مع أمتهم منها بإيتاء ما وعدوا تلهفاً كذلك ، وإنما دعوا مع علمهم بالسعادة تعبدا أو تذللا وخضوعا ، كقوله تعالى : { رب احكم بالحق } [ الأنبياء : 112 ] أو لأن الوعد لهم على الأعمال ، فهم يطلبون التوفيق إليها ، أو لأن الموعود النصر ، ولا يدرون وقته ، فهم يدعون باستعجاله { إِنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ } الوعد بالبعث ، وإثابة المؤمن ، وإجابة الداعى ، وفسره ابن عباس بالعبث ، أى ليجزوا خيراً ، وأصله مطلق الوعد ، والمراد هنا الخير ، ولا مانع من العموم فى الخير والشر ، والذى لهم هو الخير ، وهو مصدر ميمى غير مقيس ، والياء عن واو للكسر قبلها ، قال جعفر الصادق : من حزبَه أمر ، أى كَرَبَه ، فقال خمس مرات ، ربنا ، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال اقرأوا ، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً ، إلى قوله : إنك لا تخلف الميعاد . وعن الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم كما قال الله جل وعلا ، وقال موسى : يا رب مرة ، فأجابه الله ، لبيك ، فعجب فقال : يا رب إلىَّ هذا خاصة ؟ قال : لكل من يدعونى بالربوبية ، قال عطاء والحسن : ما من أحد يقول ثلاثاً يا رب إلا نظر الله إليه ، ونزل فيهم وفى قوله أم سلمة ، وهو كالدعاء يا رسول الله ، ذكر الله الرجال دون النساء قوله : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ } دعاءهم { رَبُّهُمْ } أعطاهم مطلوبهم ، وإما أجاب فقد يكون كذلك ، وقد يكون بمعنى إعطاءالجواب ، كقولك : قد سمعت كلامك ، أو سأنظر ، أو لا أفعل ما تطلب ، فهو أعم من الاستجابة { إنِّى } بأنى ، بباء التصوير ، أو التعدية ، أو السببية أى بسب استمرار صلتى على عدم تضييع الأعمال إلا لمن ضيعها بنفسه كما قال { لآَ أُضَيِعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْْ أُنثَى } متعلق باستجاب ، أو بحال محذوف من اسم الله ، أو من الهاء ، أى مخاطباً لهم بأنى بكسر الطاء أو مخاطبين بفتحها بأنى ، ذكر الغالب أو أدخل الخنثى فى أحدهما على أنه عند الله أحدهما لا قسم ثالث { بَعْضُكُم مِّن بَعْضِ } الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر ، أو كبعض ، فأنتم سواء فى الجزاء بالأعمال وترك إضاعتها فإن كون كل من الآخر لتشعبهما من أصل واحد ، ولفرط الاتصال بينهما ، ولانفاقهما فى الدين والعمل يستدعى الشركة والاتحاد فى الجزاء وترك الإضاعة { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } ما كانوا فيه ، بلد ، وشرك وأحباء ، وأقارب ، وأصهار لوجه الله إلى المدينة ، دار السلام ، وأهله ، وإلى الحبشة ، وأصل الهجرة الترك والإعراض { وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ } بالتضييق عليهم ، لا قهراً على الخروج ، وهذا أولى من كونه تفسيراً لهاجروا { وَأُوذُوا فِى سَبِيلِى } راجع إلى أوذوا ، وإلى إخرجوا ، وإلى هاجروا ، شبه التضييق بنحو الشتم بالإخراج لجامع الضرر وسماه إخراجا استعارة أصلية ، واشتق منه أخرج على التبعية { وَقَاتِلُوا } من كفر بالله { وَقُتِلُوا } فى سبيل الله ، وقدم الأول لا للترقى ، لأن القتال قبل المقتولية ، ولأن كونك قاتلا لكافر أفضل من كونك مقتوله ، وقد قتل صلى الله عليه وسلم رجلا كافراً ولم يقتل ، والكلام على التوزيع ، لأن منهم من قاتل ولم يقتله المشركون ، ومنهم من أخرج ولم يقاتل ، ومنهم من هاجر ولم يقاتل ، ومنهم من قاتل ولم يهاجر { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } لا أعاقبهم عليها ، فلا يرى لها أثر عقاب ، فذلك تكفيرها ، أى سترها ، أو لأمحونها من اللوح المحفوظ ، ومن صحفهم ، ومن حفظ الملائكة ، ودواوينهم ، ويكتب بدلها حسنات ، والصغائر تغفر باجتناب الكبائر لقوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون … } [ النساء : 31 ] الخ ، وبه قالت المعتزلة ، وقيل بالقربات كما فى نحو حديث من الوضوء إلى الوضوء ومن الصلاة إلى الصلاة ، إلى أن قال لمن اجتنب الكبائر ، وبه قال قومنا ، ومن ذلك حديث صوم عرفة كفارة سنتين ولا تكفر الكبيرة بالقربات ، لأن الكبيرة لو كفرت بالقربات لم تكن التوبة واجبة ، وقد قال الله تعالى : وتوبوا إلى الخ وأُجيب عن قوله تعالى : إن الحسنات الخ ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " أتبع السيئة الحسنة تمحها " ، بأن الحسنات ، والحسنة التوبة ، ويجمع بأن بعض الصغائر يكفر بالقربات وبعضها بمجرد اجتناب الكبائر أو بتكرر التكفير عليهن مبالغة باجتناب الكبائر وبالقربات ، أو يجعل الزائد حسنات له ، وأقول السيئات هنا يعم الكبائر والصغائر ، ذكر الله عز وجل أنه لا يعذبهم بذنوبهم لأنهم تابوا ، وقُبلة الأجنبية كبيرة مسا ، وكبيرة نظراً ، وغفر الله للصحابى الفاعل لها لتوبته لا لكونها صغيرة { وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً } اسم مصدر مؤكد للجملة قبله ، وليست نفسه ، أى أثيبهم ثواباً ، أى إثابة ، أو حال كون الجنة ثوابا ، أى مثاباً بها ، أو مفعول مطلق لأدخل ، لأن الإدخال إثابة ، والثواب اسم مصدر بمعنى الإثابة ويضعف جعله حالا من هاء أدخلنهم ، بمعنى قولك حال كونهم ثوابا أى مثابين بها { مِّنْ عِندِ اللهِ } أى من عندى ، ومتعلقة أثيب محذوفاً ، وهذا المحذوف نعت ثوابا ، أو متعلقة ثوابا ، أو يتعلق بثابتا نعت لثواب ، أو ذلك من عند الله ، فهو خبر لمحذوف على جهة التعظيم والشرف لقوله { وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } مثل قوله حسن المئاب ، والثواب الجزاء ، أخبرنا الله أن عنده خزائن الجزاء على الطاعات ، وأنه قادر عليه ، وقال عمر بعد بكائه رقة : يا رسول الله أنت رسول الله فى جهد وقد أثر حصير سريرك فى وجهك ، وكسرى وقيصر فى رخاء ، وهما كافران ، وقال بعض المسلمين : إن أعداء الله فيما نرى من الرخاء ولين العيش وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزل قوله تعالى : { لاَ يَغُرَّنَّكَ } الخطاب لكل من يصلح له ، أوله صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، قال قتادة : ما غر نبى قط حتى قبضه الله ، يقال غره بما يستحسنه فى الظاهر ، ثم يجده عند التفتيش ، أو يظهر بلا تفتيش على خلاف ما يحبه ، والمعنى لا تغتر بتقلب الذين كفروا ، فوضع السبب وهو الغر موضع المسبب ، وهو الاغترار ، وأسنده إلى فاعل الغر ، وهو التقلب ، وذلك مجاز أو كناية ، وهما أبلغ من الحقيقة ، ولا شك أن فعل ما يغتر به أحد سبب للاغترار ، والاغترار مسبب ، فالغر فعل الغار ، والاغترار مطاوعة ذلك الفعل ، فكل واحد غير الآخر ، فلا يعترض بأن الغارية والمغرورية متضايقان ، والمتضايقان لا يكون أحدهما سبباً للآخر ، بل فى درجة واحدة ، حتى القطع والانقطاع إذا اعتبرت كسب كل جزء على حدة واعتبرته بتوجيه النفس إلى حصول القطع لم يكونا فى درجة { تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا } كاليهود وأهل مكة والنصارى { فِى البِلاَدِ } بالتجر والحرث فى سعه وحظ ، والأصل لا يغرنك الذين كفروا بتقلبهم ، فذكر السبب أيضاً مكان المسبب .