Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 26-27)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلِ اللَّهُمَّ } منادى ، والميم عوض عن أصل حروف النداء ، وهو يا ، ولكونه حرفين ياء وألف شددت الميم فتكون حرفين ، وخصت الميم لشبهها بالواو التى هى حرف علة كثرت زيادتها ، وتكون مع الألف حرف نداء فى الندبة ، وقلت فى غيرها ، ولأنها أخت الياء التى هى بعض يا { مَالِكَ المُلْكِ } كله ، يتصرف فى الأشياء بما يشاء ، إيجاد وإعداما ، وإماتة وإحياء ، وتعذيبا وإثابة ، وتنبئة وإرسالا ، وغير ذلك ، على الإطلاق بلا مشاركة ، وزعم بعض أنه النبوة ، وقيل ، المال والعبيد ، وقيل ، الدنيا والآخرة ، وقيل ، المعنى مالك الملوك ووراثهم ، كما جاء ، " أنا الله مالك الملوك ، ومالك الملك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدى ، فإن العباد أطاعونى جعلهم عليهم رحمة ، وإن هم عصونى جعلتهم عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسب الملوك ، ولكن توبوا إلىّ أعطفهم عليكم " ، ونصب مالك على النداء ، وقيل على التقية لله ، إذ محله النصب ، وهو قول المبرد والزجاج ويبحث فيه بأن اتصال الميم به شبهه باسم الصوت واسم الفعل ، وخالف سائر المركبات التى تنعت كسيبويه فإن حرف البناء فيه قبل الميم وهو الهاء المضمومة ، وضمة النداء تشبه حركة الإعراب ، قيل ، ولو نعت لكان بعد النعت ، لأنها عوض حرف النداء ، وهو لا يكون وسطاً { تُؤْتِى المُلْكَ } المعهود فى الأذهان ، وهو بعض الملك العام ، أو تؤتى الملك العام المذكور ، أو العام المذكور ، أى بعضه { مَن تَشَآء } من عبادك { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ } المعهود في الأذهان ، أو العام المذكور ، أى بعضه { مِمَّن تَشَآءُ } منهم ، قال البيهقى وابن جرير " إنه صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، وأخذوا يحفرون ظهرت فيه صخرة عظيمة لم تعمل فيها المعاول ، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره ، فجاء ، فأخذ المعول منه ، فضربها ضربة صدعتها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، حتى لكأن مصباحا فى جوف بيت مظلم ، فكبر وكبر معه المسلمون ، فقال : أضاءت لى منها قصور الحيرة ، كأنها أنياب الكلاب ، أى بياضا وصفرة ، وانضماما وتمايزا بشرافات ، ثم ضرب الثانية فقال ، أضاءت لى منها القصور الحمر من أرض الروم ، لأنها بالآجرّ ، ولقدمها ، ثم ضرب الثالثة ، فقال أضاءت لى منها قصور صنعاء ، وأخبرنى جبريل بأن أمتى ظاهرة عليها كلها فأبشروا " ، فقال الكافرون : ألا تعجبون ، يمنيكم ويعدكم الباطل ، ويخيركم أنه يرى من يثرب قصور الحيرة وأنها تفتح لكم ، وإنما تحفرون الخندق من الخوف ، فنزلت الآية : قل اللهم مالك الملك ، وبسطت الحديث فى شرح النونية : @ تيمم نجدا فى تلهفه الجانى يؤم رسول الله للإنس والجان @@ ولما فتح مكة ذكر أنه سيفتح الله الروم والفرس له ، فقال بعض المنافقين : يكفيه مكة والمدينة ، وأما فارس والروم فهم أبعد شىء أن ينالهما فقيل : نزلت الآية فى هذا متأخرة عن زمان الحفر ، والخندق معرّب كُندة ، قيل وأنياب الكلاب ذم لهم وإهانة لما لهم ، والمراد بالكافرين المنافقون بإضمار الشرك كما صرح فى رواية بالمنافقين ، والمراد بالنزع ترك الإعطاء من أول ، كقولك : ضيق فم البئر ، أى احفره ضيقا ، أو مطلق الترك فيشمل النزع بعد الإعطاء وعدم الإعطاء من أول فهو من عموم المجاز ، أو على ظاهره ، على أن الملك الثانى النبوة ، والرسالة بعض الملك العام ، أو معهود ذهنا ، والثالث عهد الثانى ، أى تنزع النبوة والرسالة من بنى إسرائيل ، وتؤتاها العرب ، ولا ضعف فى وصف هذا بالنزع والنقل ، بل جاء مثله فى أحاديث ، أو أريد الترك من أول ، نعم إطلاق الملك على النبوة مجاز يجتاج لقرينة تخصها لكن قد فسر بذلك قوله تعالى : { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } [ النساء : 54 ] ، والنزع بالموت و الجنون والمرض ، وإزالة إبراهيم الكتاب والحواس وتلف الأموال ، وقوة النزاع ، ومن المسلم للكافر ، ومن الكفر للمسلم ، ومن كافر لكافر ، ومسلم لمسلم ، ومن عادل لجائر أو عادل ، أو منه لعادل أو جائر { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بإيتاء الملك كالنبى والمؤمنين { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بنزعة ، كفارس والروم والمشركين من العرب وغيرهم ، واليهود والنصارى بالقتل والجزية أو تعز من تشاء فى الدنيا بالنصر والتوفيق ، أو بهما فى الدنيا والآخرة ، وتذل من تشاء فيهما بعدم النصر أو بعدم التوفيق ، أو بهما أو تعز من تشاء فى الدنيا أو الآخرة ، أو فيهما ، وتذل من تشاء كذلك { بِيَدِكَ الخَيْرُ } والشر ، دنيا وأخرى ، وخص الخير بالذكر لأنه مرغوب فيه وأنسب بما نزلت فيه الآية من ملك الحيرة والروم واليمن ، ولأنه مقضى بالذات والشر بالعرض ، ولأنه أنسب بالخطاب المراد به الجلب باللين { إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } ومن قدرته ما فى قوله تعالى : { تُولِجُ } تدخل { الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ } بإدخال ما ينقص من أحدهما فى الآخر ، ولا حصر فى الآية ، فلا يشكل يوم الاستواء وليلته ، ولا استياؤهما دائما عند خط الاستواء ، والمعتبر الغالب ، وقيل الإيلاج تعقيب كل بالآخر ، والقادر على ذلك قادر على أن ينزع الملك من الأقوياء الكثيرين عددا ومالا وبدنا كالروم وفارس ، ويعطيه الأفلاّء الضعفاء فى ذلك ، وقدم الليل لتقدم الظلمة على النور { وَتُخْرِجُ } أى تنشىء { الْحَىِّ } كالإنسان ونحوه ، والطائر ونحوه ، والحوت { مِنَ المَيِّتِ } كالنطفة لسائر الدواب والإنسان ، وكالبيضة للطائر والحية ونحوهما ، وكالماء للحوت والجراد الخارج من البحر ، أو تنشىء الحى وتميته { وَتُخْرِجُ المَيْتَ } كالنطفة والبيضة { مِنَ الْحَىِّ } أو تخرج المسلم من الكافر ، والكافر من المسلم ، فالإسلام كالروح ، والكفر كسلب الروح ، قال الله جل وعز : { أو من كان ميتاً فأحييناه } [ الأَنعام : 122 ] وهو حق ، إى أن الآية سيقت للإستدلال ، والكافر لا يعتبر بهذا ، أو كل ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز ، أو حملا على عموم المجاز ، فتخرج النطفة من الحيوان ، والنخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والطيب من الخبيث ، والخبيث من الطيب ، والعالم من الجاهل ، والجاهل من العالم ، والذكى من البليد ، والبليد من الذكى " لما خلق الله آدم أخرج ذريته ، فقبض قبضة فقال : هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي ، وقبض قبضة فقال : هؤلاء أهل النار ولا أبالي فخلطهم أهل الجنة وأهل النار ، فيخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر ، فذلك قوله تعالى : وتخرج الحى من الميت " ألخ رواه ابن مرويه عن سلمان مرفوعا { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسابٍ } أى رزقاً واسعاً ، فى الدنيا والآخرة ، أو فيهما ، أو بغير استحقاق وبلا بتعة . وقد يكون التوسيع فى الدنيا استدراجا ، وكثيراً مايوسع على الأبله والمجنون والطفل ، ويضيق على الحادق المحتال . @ لو كان بالحيل الكثيرُ وجدتنى بأجل أسباب السماء تعلقى لكن من رزق الحجا حرم الغنى ضدان مفترقان أى تفرق ومن الدليل من القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق @@ روى الديلمى " أنه قال على عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما أمر الله تعالى أن تنزل فاتحة الكتاب وآية الكرسى ، وشهد الله ، وقل اللهم مالك إلى قوله بغير حساب تعلقن بالعرش وقلن : يا رب ، بهبطنا إلى دار الذنوب ، وإلى من يعصيك ، فقال الله تعالى : وعزتى وجلالى ، لا يقرؤكن عبد عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه ، أى بتوفيقه للتوبة ، وإلا نظرت إليه بعينى المكنونة فى كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له فى كل يوم سبعين حاجة ، أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من عدوه بنصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت " قال معاذ بن جبل : " شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ديناً كان علىّ ، فقال : يا معاذ ، أتحب أن يقضى دينك ؟ قلت : نعم ، قال : قل ، اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شىء قدير ، رحمان الدنيا والآخرة رحيم ما تعطى منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ، اقض عنى دينى ، فلو كان عليك ملء الأرض ذهباً قضاه الله " ، رواه ابن أبى الدنيا ، ورواه الطبرانى ، لكن إلى بغير حساب ، والباء متعلق بترزق بمعنى مع ، أو بمحذوف حال من ضمير ترزق ، كأنه قيل ، غير محاسب ، بكسر السين ، أو مِنَ مَن ، كأنه قيل : غير محاسب بفتحها .