Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-39)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُنَالِكَ } فى هذا المكان المجازى ، وهو ثبوت الرزق لها بلا حساب من الجنة فى غير أوانه ، والولد للعجوز أو فى المكان الحقيقى ، وهو المحراب إذ دخله ، أو الزمان فإن هنا قد يطلق عليه تبيه بولادة العجوز وثبوت الرزق من الجنة ، وفواكه فى غير أوانها إلى أن هذا من جملة الأزمان المفتوحة للخوارق ، وإلى أن الولد كالثمرة والنبات ، وإلى أن الله يقدر أن يرزق له وهو كبير ولدا من امرأة عاقر كبيرة ، خرقا للعادة كذلك ، وذلك التنبه لا يقتضى الغفلة الخارجية عن منصب النبوة ، لأنه تنبه فوق علم وتنبه فى حق خصوص نفسه ولا يعترض قياسا الولد من عاقر إلى الثمار باستبعاده الولادة عند التبشير بها ، لأنه نسى هذا القياس باستعظام البشارة ، ولأن من أحب حصول شيءى جدا يجب تصوره وأحواله ولو عرفها { دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } كأنه قيل ما دعاؤه ، فقال الله { قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيَّبَةً } مباركة صالحة عابدة { إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ } وليس تقديم هنالك للحصر ، بل على طريق الاهتمام برتبة الرزق فى غير معتاده ، وهذا قابل ، لأنه أخر الدعاء إلى السحر أو الجمعة أو نحو ذلك ، وروى أنه اغتسل وصلى ودعا جوف الليل ، وإن قلنا ، هنالك ذلك المكان الحقيقى أو الزمان قلنا دعا فيه ، ودعا بعد ، فلا حصر ، أو التقديم للحصر ، باعتبار دعاء دعَا به فى ذلك غير دعاء آخر أخره ، وعن الحسن قال ، يا رازق مريم ثمار الصيف فى الشتاء وثمار الشتاء فى الصيف ، هب لى من لدنك ذرية طيبة ، والذرية الطيبة من يستحق من ولده إرث العلم والنبوة وسمع الدعاء إجابته ، لأنها من لازم السمع وسببه ، واختار لفظ رب إشارة إلى آثار التربية المناسة للولد المطلوب ، دعا ثلاثا هده ، وإنى وهن العظم منى ، ولا تذرنى فردا ، وبين كل واحدة والأخرى زمان ، وقيل بمرة وفرق فى ذكرها ، ويدل على ذلك الفاء فى قوله : { فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ } أى جنسهم للصادق بالواحد الذى هو جبريل المنادى ، فلو حلفت لتلبسنَّ الثياب لبررت بواحد ، أى وصل إليه البداء من جنس الملائكة لا من جنس آخر ، وسماه ملائكة تعظيما ، أو المراد فناداه بعض الملائكة أو شبه الواحد بالجماعة بجمعه ما لهم من الخصال ، أو نادوه كلهم ، وهو غير محال ، ولو لم يتعارف ، أو جبريل بالنطق وغيره بالحضور والرضا ، فيكون عَلَى هذا من عموم المجاز { وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى } نفلا ، ليدعو عقبه ، قيل يصلى يدعو { فِى المِحْرَابِ } محرابه ، وقيل محراب مريم ، وهو ما مر ، أو هوالمسجد أو بمعنى أشرف ، وضع فى المسجد ، وذكر قائما مع يصلى مبالغة ، إذ يكفى ذكر الصلاة ، لأنها فى قيام أصالة ، ولأن طول القيام أفضل من كثرة الركعات على الصحيح ، والجملة حال من المستتر فى قائم ، أو خبر ثان ، أو حال ثانية { أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } لفظ عجمى عبرانى ، وأنت خبير بأن العبرى قريب من العربى ، فهو مشعر بالحياة ولو كان لا تصرف له ، وقد قيل ، اسمه حيا ، وزاد الله له حرفا من حروف بسارة زوج إبراهيم ، فهى سارة ، وهو يحيى ، وقيل عربى منفول من المضارع ، لأن الله أحيا به عقم أمه ، أو لأن الله أحيا قلبه بالإيمان أو بالعلم والحكمة اللذين يؤناهما ، أو لأن الله يحيى به الناس من الضلال ، أو لأن الله سبحانه علم أنه يموت شهيداً ، والشهداء أحياءً عن ربهم يرزقون { مُصَدِّقاً بِكَلِمةٍ مِّنَ اللهِ } هى الإنجيل أو التوراة ، أو كلاهما ، تسمية للكل باسم الجزء ، وقيل . الكلمة حقيقة فى القليل والكثير ، أو هو عيسى ، وهو أولى ، لقوله بكلمة منه اسمه المسيح ، سماه كلمة لأنه وجد يكن المعبر به عن توحيد الإرادة لا بأب ، فذلك بشارتان ، بشارة بيحيى وبشارة بعيسى عليه السلام ، أو لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله عز وجل ، أو لأنه عز وجل بشر به مريم على لسان جبريل ، أو لأنه عز وجل أخبر الأنبياء أنه سيخلقه بلا أب ، ولما خلقه قال ، هذه الكلمة التى وعدت ، ويحيى أول من آمن بعيسى ، وهو أكبر من عيسى بستة أشهر ، قالت أم يحيى لمريم ، أجد ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك ، يخر براسه إلى جهة بطنك ، وذلك من جملة قوله ، مصدقاً بكلمة ، وقيل ، أكبر منه بثلاث سنين ، وقيل بخمس سنين ، وقيل ، ولد بعد رفع عيسى بقليل ، وقيل ، قتل قبل رفع عيسى ، ولا يصح ما قيل من أن الاتفاق أنه ولد قبل عيسى ، ومريم ولدت عيسى بنت ثلاث عشر سنة ، وقيل ، بنت عشر ، ويقال ، بين ولادة يحيى والبشارة بمريم زمان مديد ، ولا يلزم ذلك ، والدعاء والحكمة يتصوران ممن يشاء الله ولو طفلا { وَسَيِّداً } رئيسا فى العبادة والورع والعلم ، وفائقاً فى أنه ما هم بسيئة ، عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم : " كل ابن آدم يلقى الله بذنب يعذبه الله به أو يرحمه ، إلا يحيى بن زكريا " ، رواه ابن أبى حاتم وابن عساكر ، ساد قومه وفاقهم بذلك ، والكرم وحسن الخلق والتُّقى والعلم والرضا بقضاء الله سبحانه ، وعدم الحسد وسائر صفات الخير { وَحَصُوراً } مانعاً لنفسه من النساء منعاً عظيما فى نفسه وكثرته ، مغالبا لنفسه ، أو خلقة وطبعا ، والأولى أنه قادر عليهن مانع لنفسه ، وعدم القدرة عليهن نقص يجب تنزيه الأنبياء عنه ، واستدل الشافعية بذلك على فضل العزوبة على التزوج . وذلك فى تلك الأمة ، والأصل بقاؤه ، والأصل عدم النسخ ولا سيما مع قوله ، فبهداهم اقتده وليس كذلك ، بل نص الحديث على فضل النزوج لهذه الأمة إى آخر الزمان إذا فسد ، قال أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربعة لعنوا فى الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة ، رجل جعله الله ذكراً فأنث نفسه وتشبه بالنساء ، وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال ، والذى يضل الأعمى ، ورجل حصور " ، ولم يجعل الله حصوراً رجلا تحصر بعد يحيى ، وكلا الحديثين ، صريح فى أن حصورا مانع نفسه من النساء ، وهو قادر ، فما يذكر أن ذكره كهدية الثوب أو كنواة ، أو كالأنملة ، أو كقذاة إن صح عنه صلى الله عليه وسلم كناية عن عدم اشتغاله بنكاح كمن صفته ذلك ، وهو عيب ، والماقم مقام مدح ، لا يكفى فيه ، أنه غير عيب ، فكيف وهو عيب ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا فإنى مكاثر بكم الأمم " ، أو مانعا لنفسه عن غير الطاعة من الشهوات ولو مباحة ، ومن الملاهى ، يدعوه الصبيان في صباه للعب فيقول ، ما للعب خلقت ، رواه ابن عساكر عن معاذ مرفوعا ، وعبد الرزاق عن قتادة موقوفا { وَنَبِياً } مستقلا ، وليس من أمة عيسى ، أو منها كما دل له مصدقاً بكلمة ، وإذ قلنا إنها عيسى ، كلوط هو من أمة إبراهيم نبى { مِّنَ الصَّالِحِينَ } من ذريتهم ، أو من جملتهم ، والأول أمدح ، والصالح من قام بحقوق الله وحقوق العباد ، وقيل من ترك الصغائر والكبائر ، والمراد الصغائر المنفرة ، وإلا فقد قال الله عز وجل : { كلا لما يقض ما أمره } [ عبس : 23 ] ، إذ لا يخلو أحد من تقصير .