Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 40-41)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ رَبِّ } لم يخاطب الملك المبشر له إعظاما لله عز وجل بإلغاء الوسائط { أَنَّى } كيف أو من أين { يَكُون لِى غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِى الْكِبَرُ } تسع وتسعون سنة ، أو اثنتان وتسعون سنة ، أو خمس وثمانون ، أو خمس وسبعون ، أو سبعون أو ستون ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما مائة وعشرون { وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ } وكبيرة السن ، ثمان وتسعون ، وأصل العقر القطع فاعل للنسب كلإبن ، وذلك استبعاد بالنسبة إلى العادة مع إيمانه بقدرة الله على ذلك ، واستعظام وتعجب أو استفهام حقيقى ، يا رب أتردنى وإياها إلى الشباب وتزيل عقمها أم تبقينا على حالنا ، وتزيل عقمهما ، أم ترزقنى الولد من إمرأة شابة ، وقيل ، استفهم الولد بالتبنى أم من الصلب ، وفيه ، أنه سأل من الصلب ، فلعله ذهل لعظم الأمر ، وهذا كله يتصور مع دعائه الله فى الولد لا منافيه لما مر ، وأما ما قيل ، إنه دعا فيه قبل بشارته بأربعين عاما أو ستين ، فقال : أنى يكون لى الخ فبعيد جدا ولا سيما مع ظاهر التعقيب فى قوله عز وجل : فنادته الخ وأجابه الله عز وجل بأنه يبقيهما على حالهما من الشيخوخة ويولدهما كما هو المراد فى قوله تعالى { قَالَ } جبريل ، أو الله ، وهو أنسب بقوله ، قال : رب أنى يكون لى غلام ، بل يتعين { كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآء } أى الأمر كذلك ، أى يخلق الله منكما غلاماً وأنت شيخ فان ، وزوجك عجوز عاقر ، واحتج على ذلك بقوله الله يفعل ما يشاء ، لا يعجزه شىء ، أو يخلقه منكما وأنتما كذلك بحالكما ، أو شأن الله كذلك ، فبينه بقوله : يفعل ما يشاء ، أو يفعل ما يشاء مثل ذلك ، قيل : كان بين البشارة وولادة يحيى زمان مديد ، لأن سؤال الولد والبشارة فى صغر مريم ، ووضعه بعد بلوغها ثلاث عشرة سنة ، هى زمان حملها بعيسى ، وقيل : حملت عيسى بنت عشر سنين ، ولما تاقت نفسه للولد المبشر به قال ما ذكر عنه فى قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّى ءَايَةً } علامة على حملة لأزيد شكراً ، وأفرح ، فقوله : أنى يكون لى الخ بمعنى أتلد مع بقاء شيخوختنا ، أم بالرد إلى الشاب ، وأيضاً من استبعد الشىء يدهش بحصوله ، وبقول : من أين وكيف هو ، وأيضاً بشر بيحيى ولم يعلم أمن صلبه أو بالتبنى ، وايضاً من يرغب فى شىء يلتذ بتكرير الإجابة إليه ، أو نسى الإجابة لطول مدتها على ما مر ، أو قال له الشيطان عند سماع البشارة ، إن هذا الصوت من الشيطان ، ومراده أن يريه آية فلا يكون من الشيطان ، فلهذه الأوجه ساغ أن يقول ، أنى يكون الخ ، والوحى لا يلتبس بكلام الشيطان ولو فى مصالح الدنيا والولد { قَالَ ءَايتُكَ } الآية التى تطلب على حملة { أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ } لا تقدر أن تكلمهم ، قهرا من الله ، ولو أردت تكليمهم ، وهو أنسب ، لكون آية وأوفق لما فى مريم ، كما روى ابن جرير وابن ابى حاتم أنه ربا لسانه حتى ملأفاه ، واحترز بالناس عند ذكر الله ، فإنه ينطق لسانه به ، يبعد أن عدم التكلم كناية عن الصوم ، وكانوا إذا صاموا لم يتكلموا ، ويبعد أن خرس لسانه عقوبة ، إذ طلب الآية بعد تبشير الملائكة من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وهو مردود { ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } بلياليها ، كما قال ثلاث ليال سويا ؛ ينطلق فيهن لسانك بالذكر والشكر مقتصرا عليهما قضاء لحق نعمة رزق الحمل ، وأحسن الجواب ما أخذ منه وجهه كما هنا ، فإنه لما طلب الآية للشكر قيل له ، آيتك أن يحبس لسانك إلا عن الشكر ، وأيضا لما سأل آية لأجل الشكر أجيب بأنه لا يقدر إلا على الشكر ، فلا يقدر على كلام الدنيا ، وليس فى قوله تعالى ، { رب اجعل لى آية } ما يشعر بأن طلبها للشكر ، بل يشعر به المقام ، لأنه لما أزيل الاستبعاد ولم يبق لطلب الآية إلا القيام بالشكر { إلاّ رَمْزاً } إشارة بيد أو اجب أو عين أو رأس أو تحريك الشفتين ، أو كتابة على الأرض ، أو إشارة بالمسبحة ، أو صوت خفى ، ويقال ، الإشارة باليد والوحى بالرأس ، والصحيح أن تسمية ذلك كلاما مجاز ، وإن أريد بتكليم الناس عموم الإفصاح عما فى القلب ، ولو بلا لفظ كان استثناء متصلا ، ولا يلزم أن يرجع كل منقطع إلى متصل بالتأويل ، فلا يبقى منقطع ، فانظر ، كم تجد من منقطع لا يقبل التأويل بالاتصال البتة ، وكم من منقطع لا يقبله إلا بتكلف ، بخلاف ما هنا فإنه صحيح بلا تكلف { وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً } فى هذه الأيام الثلاثة التى أحبس فها لسانك إلا عن الذكر شكرا لهذه النعمة ، أو مطلقا ، وقيل أيام الحمل لتعود بركة الذكر على الجنين ، وفى الآية عطف الإنشاء الفعلى على الإخبار الإسمى ، ووجه ذلك أن الجملة الأولى بمنزلة الفعلية الأمرية ، أى اسكت وأنت قادر على الكلام ، واذكر ربك ، لكن هذه على أن السكون على اختيار ، أو يقدر ، ارتقب ذلك ، واذكر أو اشكر واذكر ، وكثيرا مفعول مطلق أى ذكرا كثيرا ، لا ظرف ، أى زمانا كثيرا ، لأنه قد ذكر أن الزمان ثلاىثة أيام ، ومعلوم أن الذكر فيها لا فى زمان كثير ، ولا كثرة ذكر إلا باعتبار اذكر ربك فى أكثر ساعات الأيام الثلاثة { وَسَبِّحْ } صل كثيرا ما لم تحرم الصلاة بقرب الغروب { بِالعَشِىِّ } مفرد ، وقيل ، المفرد عشية { وَالأبْكَارِ } كثيراً ، أو استمر عليها وحين تجوز الصلاة ، ما لم تحرم بقرب الزوال ، مصدر أبكر ، نائب عن الزمان ، كأنه قيل وقت الإبكار ، كأنه قيل ، صل إبكارا ، بكسر الهمزة ، كجئت طلوع الشمس ، وقرىء بقتح الهمزة جمع بكر بفتح الباء والكاف ، كسحر وأسحار ، أو جمع بكرة ، بضم وإسكان شذوذا ، وإن أريد بالتسبيح مطلق التسبيح ولو بلا صلاة فهو يسبح ولو قرب الزوال والغروب ، فيكون المراد بالعشى والإبكار عموم الأوقات قدر الطاقة ، ولو كان العشى من الزوال ، أو من العصر ، أو من المغرب ، أو صار ذهاب صدر الليل ، والبكرة أو النهار .