Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 97-98)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فِيهِ } أى فى حرمه ، فحذف المضاف ، أو فى الحرم المدلول عليه بالسياق ، أو فى البيت معبرا به عما يجاوره من الحرم { ءَايَآتٌ بَيِّنَاتٌ } واضحات على احترامه ، كانحراف الطير عن أن تعلوه فى طيرانها إلى الآن ، إلا إن مرضت فتدخل هواءه فوقه لتشفى ، وهذا لا ينضبط لكثرة ما تعلوه ، وكعدم تعرض السباع للصيد فى الحرم كما يتبع سبع من الطير أو الوحش طائراً أو غيره فيدخل الحرم ، فيرجع عنه ، ولقلة حجارة الرمى مع كثرة الرماة ، فإنها ترفع بالقبول ، وكل ركن منه وقع الغيث فيما يقابله من الأرض وقع الخصب فيما يليه من البلاد ، فإذا وقع فيها يقابل ركن اليمن وقع الخصب فى اليمن وهكذا ، أو آيات الحرم كلها آيات له ، لأنها من أجله ، وأما تعرض الهر لحمام مكة فلأنه تكيف بكيفية النَّاس المجاورين له ، فصار كالإنسان المتعدى فى الحرم ، إلا أنه لا إثم عليه ، وكقهر كل جبار قصده ، كأصحاب الفيل ، وكقوم من الإنجيلز قبل وقتى هذه بخمس سنين ، لبسوا لباس أهل التوحيد وجاءوا عرفة ، فنزلت صاعقة من السماء فأحرقتهم دون سائر أهل عرفة ، وذلك لحرمة البيت والمناسك ، ولو كانت عرفات خارجة عن الحرم ، والجملة إما مستأنفة وإما حال أخرى ، لا حال من ضمير للعالمين ، لأنه عائد لهدى ، فيكون المعنى ، هدى ثابتا للعالمين فى حال أن فى البيت آيات بينات ، ولا رابط من ضمير ، أو واو حال ، وإن رجعنا الهاء للهدى كان المعنى فى حات ثبوت آيات بينات فى الهدى ، وهذا لا يصح ، وإما حال من ضمير مباركا ، ولا يجوز أن يكون نعتا لهدى لما مر من منع الحال فيه { مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ } منها مقام إبراهيم ، أو عطف بيان ، ولو اختلفا تعريفا وتنكيرا عند بعض ، لا بدل بعض لعدم الرابط ، إلا أن يقدر محذوف ، أى منها ، وعلى البيان تكون الآيات نفس مقام ، فالمقام هو الآيات ، لأن فيه أثر قدم إبراهيم ، وهو صخرة صماء وأنها غاصت فيه إلى الكعبين ، وأنه لان من بين الصخور ، وأنه باق ومحفوظ مع كثرة الأعداء آلاف السنين ، فبين إبراهيم والهجرة ألفان وثمانمائة سنة وثلاث وتسعون سنة ، وعلى زعم اليهود ألفان وأربعمائة واثنتان وأربعون سنة ، وذلك أثر قدم واحدة ، وقيل قدمين ، وهو الحجر الذى يبنى البيت وهو عليه ، ونادى عليه : أيها الناس ، حجوا بيت ربكم ، وتعمد عليه من ظهر راحلته فرجلت أم إسماعيل رأسه ، ثم تعمد عليه من الجانب الأيسر ، واندرس الأثر من كثرة المسح عليه بالأيدى { وَمَن دَخَلَهُ } الهاء للبيت بمعنى الحرم عَلَى ما مر ، أو على الاستخدام { كَانَ ءَامِناً } أو لم يروا أنا جعلناه حرماً آمناً ، قال إبراهيم : رب اجعل هذا البلد آمناً ، يلتجىء إليه القاتل فلا يقتل حتى يخرج فى الجاهلية والإسلام ، ولا يؤوى فى الإسلام حتى يخرج فيقتل عندنا وعند أبى حنيفة ، وقال الشافعى وغيره : يقتل فيه ، وكذا الخلف إذا لزمه الرجم للزنا ، أو القتل للردة ، وإن فعل فيه موجب قتل فإنه يقتل فيه إجماعا . قال عمر رضى الله عنه : لو ظفرت فيه يقاتل الخطاب ، يعنى أباه ، ما مسسته ، وقال ابن عمر : لو ظفرت فيه يقاتل عمر لم أمسه حتى يخرج ، ويقتص فيه يمادون القتل ، والجاهلية يخطفون المال من الحل ولا يخطفون من الحرم ، قال الله جل وعلا : { ويتخطف الناس من حولهم } ، وقيل : آمنا من النار ، قال صلى الله عليه وسلم : " من مات فى أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا " ، وعن ابن عمر . من قبر فى مكة مؤمنا بعث آمنا يوم القيامة ، وعنه صلى الله عليه وسلم ، " الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وبنثران فى الجنة " ، قال ابن مسعود وقف صلى الله عليه وسلم على ثنية الحجون ولا مقبرة فيها فقال : " يبعث الله تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم سبعين ألفاً وجوههم كالقمر ليلة البدر " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتى سنة " { وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حجُّ البَيْتِ } حج مبتدأ خبره الله ، وعَلَى متعلق بالله أ لأنه ناب عن ثابت أو ثبت المقدر ، أو بمحذوف حال من المستتر فى لله ، ولا يحسن جعل وجعل الله متعلقاً به أو بالمقدر ، أو حالا من الضميرالمقدر ، لأن للعامل المعنوى لا يتقدم عليه معموله فى الأفصح ولو ظرفا ، وإن قدرنا الكون خاصا مثل واجب فلا ضمير فى لله ، وحذف لفظ واجب ، وهو خبر مع الضمير فيه ، فيتعلقان بواجب ، أو الثانى بحال من ضمير واجب ، والحج القصد ، أى القصد للبيت بوجه مخصوص ، وهو الإحرام والوقوف والطواف وسائر ما يجب فى ذلك { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } أى على مستطيعهم ، فمن بدل بعض من الناس ، والرابط محذوف ، أى من استطاع منهم ، ويضعف أن يراد بالناس مخصوص ، فيكون من يدل كل ، والمخصوصون من قدر بمعنى جنس القادرين الذين رأيتموهم يحجون ، وقدر بعض أعنى من استطاع ، وكون من فاعل حج فيكون الوجوب على المجموع لا عَلَى الجميع ، أو بمعنى يجب عليهم أن يأمروا مستطيعهم بالحج ، وعَلَى كل حال المراد المستطيع طريقاً بالزاد والراحلة كما رواه الحاكم والدارقطنى ، ودخل فيه أمان الطريق ومرافقته الأصحاب ، وروى الدراقطنى أيضا ، ظهر بعير ، وصحة الأبدان ، ووجود الدليل ، ووفقه الأهل الواجبة حتى يرجع ، إذ لا منفعة فى الزاد والراحلة مع عدم الدليل ، لأنهم يضلون ، ولا مع المرض إذ لا يتماسك عَلَى الراحلة ، أو لا يدرى كيف يؤذى ، ولا مع عدم الأصحاب لأن الواحد شيطان والاثنين شيطانان ، ولا مع الخوف من عدو أو سبع ، إذ قد يموت ، فأين الحج ، ولا مع تضييع حق الأهل فى النفقة ، ومن قدر عَلَى المشى لقوته أو للقرب لم تشترط له الراحلة ، فظهر أن ما ذكر فى الأحاديث السابقة ليس عَلَى الحصر ، وقد روى البيهقى عن ابن عباس موقوفا ، إن السبيل صحة البدن وثمن الزاد والراحلة من غير أن يجحف به ، وما ذكرته هو مذهبنا ومذهب أبى حنيفة ، وأما الشافعى فاقتصر عَلَى ما فى الحديث ، وأما مالك فيقول بالمال أو بالقوة ، فأوجب على القادر أن يحج برجليه ويكسب ، والآية تشمل المشركين ، فيجب عليهم أن يسلموا مطلقا ويحجوا إن استطاعوا ، وهم مخاطبون بالفروع لهذه الآية ونحوها كالأصول ، ولا إشكال فى قولك ، يجب عَلَى المشرك الحج ، فإن لم يحج أو كفر بالحج فإن الله غنى ، نعم يثقل لأنه كان شرط الإسلام ، وأن الخطاب فى سائر العبادات للمؤمنين فليكن هذا من ذلك ، والآية حجة عَلَىأن الاستطاعة قبل الفعل ، وقولك هى مع الفعل لا قبله إلا الحج فقبله لا يتم ، إذ لا يتصور الفرق بين الحج وغيره ، والاستطاعة بمعنى سلامة الآلة قبل الفعل مطلقا ، وبمعنى علاجه معه مطلقا { وَمَن كَفَرَ } بالله أو بالحج ، وقال ليس عبادة ، أو ليس واجبا { فَإِن اللهَ غَنِىٌّ عَنِ العَالَمِينَ } مؤمنيهم وكافريهم ، جنهم وإنسهم ، وملائكتهم ، وإنما منفعة المطيع له ، ولا يحتاج الله لشىء ، وذلك الكافر من جملة العالمين ، فإن الله غنى عن عبادته ، أو أراد بالعالمين من كفر لما نزل ولله الآية ، جمع صلى الله عليه وسلم الملل الست وقال : " إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " ، فآمنت به ملة ، وكفرت به خمس ، فنزل قوله تعالى : { ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين } ، ونزل فى خصوص أهل الكتاب ، لأنهم أحق بالإيمان قوله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ } تجحدون { بِأيآتِ اللهِ } القرآن وسائر الوحى إلىَّ وسائر معجزاتى الدال ذلك كله عَلَى صدقى فيما أقول ، من وجوب الحج وغيره ، وقيل المراد بقوله ، ومن كفر من لم يحج تغليظاً ، كأنه مشرك ، كما جاء فى الحديث ، " من قدر ولم يحج بلا عذر ، فإن شاء مات يهوديا أو نصرانيا " وكما هدد عمر أهل المستطيعين بضرب الجزية ، وقال والله ما هم بمسلمين ، والله ما هم بمسلمين ، والآية ظاهرة فى أن أهل الشرك ، ولو احتملت الكفر العام بكفر الشرك وكفر النفاق ، وفى الحديث ، " ومن ترك الحج لا يخاف عقوبة ومن حج لا يرجو ثوابا كفر " ، والله غنى عن العالمين ، وكان أهل الكتاب ينكرون وجوبه ، ونزلت الآية ردا عليهم ، كما قال { وَاللهُ شَهِيدٌُ عَلَى مَا تَعْمَلُون } فيجازيكم عَلَى تحريفكم وسائر أعمالكم ، وخصهم لأن كفرهم أقبح إذ معرفتهم بالآيات أقوى ، ويشاهدون صدقه فى كتبهم ، فهم كافرون بكتبهم إذ أنكروا ما فيها ، ولو زعموا أنهم آمنوا .