Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 13-14)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولو شئنا لآتينا كل نفْس هداها } فى الدنيا فلا يكفى احد ، والجملة عطف قصة على اخرى ، او على محذوف ، اى قضينا ذلك ، ولو شئنا الخ وقدر بعضهم قولا هكذا ، وقلنا : لو شئنا او هكذا ، ونقول : لو شئنا ، وعطفه على يقولون قدره قبل قوله : { ربنا أبصرنا } [ السجدة : 12 ] وجعله جوابا لقولهم : ارجعنا ، ولذا احره ، ويفيد انهم لو رجعوا لعادوا لما نهوا عنه ، وانهم ممن لم يشأ الله هداهم ، ومعنى هداها ما تهتدى به الى الايمان ، والعمل الصالح ، وفسره بعض بهما . { ولكنْ حَقَّ القَول منِّي لأملأنَّ جَهَنَّم من الجنَّة والنَّاس أجمْعَين } سبق قضائى الازلى بلا اول ان يكون المطيع والعاصى ، اذا خلقت المكلفين ، وان المطيع فى الجنة ، والعاصى فى النار ، وسبق قولى لابليس : { فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } [ ص : 84 - 85 ] جوابا لقوله لعنه الله : { لأغوينهم أجمعين إلاَّ عبادك منهم المخلصين } [ ص : 82 - 83 ] وقدم الجنة لتقدمهم خلقه ، ولتقدم ابليس اعاذنا الله منه فى قوله : { منك وممن تبعك } [ ص : 85 ] ولأن الجنَّة أكثر من الناس فى النار ، وقدم في منك وممن تبعك تحقيراً له ، وتغليظاً لانه السبب فى هلاك غيره ، ولم يقل حق القول منا بالجمع ، كما قال : { ولو شئنا } لان قوله : { ولكن حق القول مني } بالافراد رد لقول اللعين : " لأغوينهم " الخ بإفراد الضمير ، او قال ولو شئنا ليطابق الكثرة فى قوله : { كل نفس } وقال : { مني } ليوافق ما دون تلك الكثرة الدال عليه من الجنة والناس ، او قال : منى فى وعيد المشركين ، لئلا يتوهم نوع من انواع الشركة اصلا ، وليوافق التوحيد الذى عدلوا عنه الى ما اوجب لهم الوعيد ، ووحد الضمير ايضا فى : { لأملان } لان الملء لا تعدد فيه ، وكذا فى منى ، لان القول لا يحق الا منه . والايتاء يتعدد بتعدد من يؤتى الهدى ، ومعنى اجمعين انه يجعل فى جهنم نصيبا من الجنة ، ونصيبا من الناس لا من الجنة وحدهم ، او من الناس وحدهم ، ولم يقل كليهما ، بدل اجمعين لان الاصل فى كلا ان تقع على فردين لا نوعين ، فالآية كقولك : ملأت الكيس من الدنانير والدراهم جميعا ، او المراد بالجنة والناس الاشقياء خصوصا ، ومن بمعنى الباء ، او للابتداء ، ولا يلزم من الابتداء بقاء الشئ الا ترى الى قوله : { لأملان جهنم منك وممن تبعك } [ ص : 85 ] فالآية مثل هذه ، وكأنه قيل : لأملان جهنم بالاشقياء اجمعين من الجن والانس ، وفرع على نفى الرجع الى الدنيا المعلوم مما مر أو على قوله : { ولكن حق القول مني } بقوله : { فذوقوا } اى العذاب ، وقدر بعض اذا أيستم من الرجع ، او اذا حق القول فذوقوا ، والامر تهديد { بما نَسيتُم لقاء يومكم هذا } اى بسبب نسيانكم لقاء يومكم هذا ، ولفظ هذا بدل يوم او عطف بيان او نعت جئ به تهويلا ، وهو واقع على اليوم ، ولك ان تجعله مفعولا به لذوقوا ، واقعا على العذاب ، فلا يقدر العذاب له كما قدرته آنفا ، وما تقدم اولى ، ونسيانهم لقاء اليوم ترك الاستعداد له عمدا لأنكارهم له . { إنَّا نسيناكم } تركناكم فى العذاب ، على انه يقال لهم ذلك بعد دخول جهنم ، وان كان قبلها فالعذاب يعم ما هم فيه قبلها ، لا يزول عنهم ، بل يزداد بدخول جهنم ، فهم متروكون فى العذاب المطلق ، او اردنا ترككم فى جهنم اذا دخلتموها ، او تركنا فى الوعيد لا نخلفه عنكم ، وفيه المشاكلة لما قبله ، لان كلا من النسيانين ترك ، ويجوز ان يكون الاول الزوال من الحافظة مجازا ، تركوا الاستعداد للقاء ، كأنهم اعترفوا ثم نسوه ، نزلوا الاستعداد له كالشئ المنسى ، والمشاكلة يجوز وقوعها بين المجاز والحقيقة ، مع انه يجوز ان يكون الثانى كذلك مجازا لا حقيقة . { وذُوقُوا عذابَ الخُلد بما كُنتم تعمْلُون } تكرار للأول للتأكيد ، ولبيان ما لم يذكر فى الاول وهو العذاب ، وانه دائم ، ولبيان أنهم يستحقون العذاب بما كانوا يعملون من المعاصى ، كما استحقوها بترك التوحيد ، على ان نسيان لقاء اليوم هو ترك التوحيد ، او انكار البعث ، والظاهر ان المراد بنسيان اللقاء هو ما كانوا يعملون ، فلا يزيد الثانى الا بذكر عذاب الخلد .