Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 58-59)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ والَّذين يُؤذون المؤمنين والمُؤمنات } فى قول أو فعل { بغَير ما اكْتسبُوا } بلا جناية اكتسبوها موجبة ، فإن المؤمن والمؤمنة قد يصدر منهما ما يوجب الإيذاء ، بخلاف الله ورسوله ، قال عمر رضى الله عنه ، لأبى بن كعب : يا أبا المنذر فى شأن قوله تعالى : { والذين يؤذون } الآية قرأت البارحة آية من كتاب الله تعالى فوقعت فى كل موقع ، يعنى لعله ضرب أو حد أو كلم بسوء من لا يتأهل لذلك عند الله ، بتقصير منه فقال : لست من أهلها ، وإنما أنت معلم ومقوم بحسب ما ظهر لك ، ولا يكلفك الله الغيب ، ويروى أنه قال : " والله إنى لاعاقبهم وأضربهم فقال : لست منهم " . { فقد احْتَملوا بهتاناً وإثْماً مبيناً } خبر الذين ، وقرن بالفاء تشبيهاً له باسم الشرط فى العموم المراد ، ولو كان سبب النزول مخصوصين ، فيدخلون أولا ، وهم الله بن أبى ، وناس معه ، قذفوا عائشة رضى الله عنها ، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " من يعذرنى من رجل يؤذينى ويجمع فى بيته من يؤذينى " وقوم طعنوا فى أخذ النبى صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيى رضى الله عنها ، وزناة يتعرضون للاماء إذا خرجن ليلا لقضاء حاجة الانسان ، وربما تعرضوا للحرائر جهلا أو تجاهلا ، والمرجفون وعن مجاهد : ويلقى الجرب على أهل النار ، فيحكُّون حتى تبدو عظامهم ، فيقولون : يا ربنا بم أصابنا هذا ؟ فيقول : بإيذائكم المسلمين . قالت عائشة رضى الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أى الربا أربى عند الله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أربى الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم ثم قرأ الآية " وفى الحديث القدسى : " من آذى لى ولياً فقد آذنته بحرب ، ومن أهان لى ولياً فقد بارزنى بالمحاربة " وقيل : نزلت الآية فى علىّ كانوا يؤذونه ويسمعونه ، وقيل فى عائشة وما قذفت به . معنى : احتملوا تكلفوا فعل البهتان تكلفا شبيها بتكليف حمل الشىء الثقيل ، وذلك فى نفس الأمر ، وأما عندهم فسهل مشتهى ، البهتان كذب فظيع يبهت المكذوب عليه ، وقد قيل : نزلت فى من يتبع الإماء للزنى إذا خرجن ليلا لقضاء حاجة الانسان ، وربما وافقوا الحرائر فيمتنعن ويشكون الى أزواجهن ، فنهى الله الناس عن التطلع والايذاء ، وأمر النساء بالستر فقال : { يا أيُّها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المُؤمنين يُدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ } معنى إدناء الجلباب تقريبه من رأسها وجسدها ، بحث يسترهن بحيث لا يبقى هواء ينكشفن عنه ، وعدى بعلى لتضمن معنى الإرخاء ، والجلباب ثوب يسترها من فوق لأسفل ، ويسمى الملحفة ، وقيل : المقنعة وهى لباس الرأس وما يليه ، وقيل : ثوب أوسع من الخمار ، ودون الرداء ، والحاصل الأمر بستر ما يبدو من أبدانهن ، أو من ثياب زينتهن . قال ابن سيرين ، عن عبيدة السلمانى فى هذه الآية : تستر رأسها ووجهها كله إلا عينها اليسرى ، قال السدى : أو عينها اليمنى ، وهو رواية عن ابن عباس ، وفى أخرى عنه أو عينيها ، وذلك رد على ما فى بعض الكتب ، من أن ذلك فعل الفاسقات ، وأن غيرهن تستر الوجه كله ، ولعله أريد أن الفاسقات فى بلدة من البلدان ، يفعلن ذلك ، ولم يرد التحريم . وعن سعيد بن جبير : يرخين الثوب على الوجه كله ، وينظرن أسفل ، وما يبدو من نساء الجاهلية إلا الوجه ، فأمر الله بستره أيضا ، وأنت خبير بأن الوجه ليس عورة ، قيل : مطلقا ، وقيل : إن لم تكن فيه زينة فليس مرادا بالآية ، إلا أن السنة ستره ، ويجوز النظر إليه بلا شهوة ، والفعل فى يدنين مجزوم المحل فى جواب الأمر ، ومفعول قل محذوف ، ومعناه اذكر أى لهن وجوب الستر يدنين ، أو يدنين اخبار ومعناه الأمر أى قل أدنين ، وجلابيب مفعول به ليدنى ، ومن صلة فى الإيجاب والمعرفة عند مجيز ذلك ، أو المفعول محذوف منعوت بمن جلابيهن ، أى شيئا من جلابيبهن وهو بعض من كل جلباب . { ذلك } الإدناء { أدنى } أقرب { أن يعرفن } الى أن يعرفن فلا يقربهن أحد ، كما يقرب أجل الربية الإماء كما قال : { فَلا يُؤذَيْن } وذلك إزالة لبعض الشر ، وبعض الشر أهون من بعض ، ولا عذر لهم فى الإماء ، ونهوا عن الزنى ومقدماته مطلقا بالحرائر والإماء ، ويجوز بلا ترفع ولا رئاء أن يلبس العالم ما يميزه بدرّته إذا تشبهت بالحرة ، ورأى أمة مقنعة فضربها فقال : ألقى القناع لا تشبهى بالحرائر . { وكانَ الله غَفُوراً } لمن عصى وتاب ، أو عصى ولم يعتقد الإصرار ، وقد دان بالتوبة ، وذلك فى النظر ، وعدم التستر بعد نزول الآية { رَحيماً } للتائب والتائبة ، أو غفوراً رحيماً مطلقاً لمن تاب ، ودخل هؤلاء وغيرهم أو رحيما بعباده إذ رأى فى مصالحهم أمثال هذه الجزئيات والتوبة أربعة أقسام : الأول : التوبة أن يتوب ويستقيم على العبادة ، ولا يحدث نفسه بالعود إلا ما لا ينفك عنه البشر الى أن مات ، ولو كان ذلك فى آخر عمره ، وصاحبها ذو النفس المطمئنة تبدل سيئته حسنات . الثانى : أن يتوب ويستقيم على الطاعات ، وكلما فعل ذنبا تاب وتأسف ، ولام نفسه ، وعزم أن لا يعود ، وصاحبها ذو النفس اللوامة ، وفى الحديث : " المؤمن واه - أى ضعيف - بالذنوب رافع - أى بالتوبة " . الثالث : أن يتوب ويستقيم على الطاعة ، إلا أن نفسه تغلبه فى بعض الذنوب ، يستمر عليه ويندم إذا فعله ، ولا يقهر نفسه بالعزم على عدم العود ، وهو يطمع فى التوبة . الرابع : أن يتوب ويستقيم ثم يذنب ، ولا يحدث نفسه بالتوبة الى الموت .