Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 10-10)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولقَد آتيْنا دَاود منَّا فضْلا } من للابتداء متعلق بآتينا أو بمحذوف حال من فضلا ، والفضل زيادة الخير الدينى والدنيوى على ما عنده قبله ، وليس المراد تفضيله على غيره ، ونكر فضلا للتعظيم ، وذكر منَّا مع أنه يغنى عنه آينا لتفخيم ما أوتى بأنه بلا واسطة ، كقوله تعالى : { وعلمناه من لدنا علماً } [ الكهف : 65 ] وقدم منَّا على فضلا على طريق الاعتناء به ، والاهتمام وللتشويق الى المؤخر ليزداد تمكنه فى النفس عند وروده . وأقوال : لا يسند الاعتناء والاهتمام الى الله سبحانه ، ولذلك كنت أقول على طريق الاهتمام والاعتناء ، لأن فى أصلهما علاجا وكسبا وتعبا ، وما ذكرته أولى من أن يقال فضلا على من قبله من النبيين كالملك ، والصوت الحسن ، أو على أنبياء بنى اسرائيل ، أو على الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو عليه أيضا من حيث انه قد يكون للمفضول شىء ليس للفاضل ، وذكر هنا شئون داود وسليمان لمناسبة { عبد منيب } [ سبأ : 9 ] ولأن ما أعطاهما مستحيل عادة ، فكذلك يقدر على البعث الذى تعدونه مستحيلا ، وللزجر عن أن يستبعدوا ما أعطى صلى الله عليه وسلم فانه قد أعطى داود وسليمان ما أعطى ، وما أوتى نبى فضيلة إلا أوتى نبينا مثلها بالفعل ، أو تمكن منها ، واختار عدم إظهارها صلى الله عليه وسلم . { يا جبال أوبي مَعَه } إلخ بيان للفضل ، والتأويب التسبيح كما قال ابن عباس : وهو لفظ عربى ، لا كما قال الطبرى عن أبى ميسرة : إنه بلغة الحبشة ، وقيل : بمعنى رجِّعى معه التسبيح ، أى ردديه فيكون بينكما يسبح ، وتسبحين ، والتشديد للمبالغة ، والأصل أوبى باسكان الواو بعد ضمة كما قرأ به ابن عباس والحسن وقتادة ، أى ارجعى معه الى التسبيح ، ليس تفسيره بالمتعدى موجبا لأن يكون متعديا كما قالوا : هنا معناه رجعى معه التسبيح ، فانه إنما هذا بيان لكون التسبيح فى ضمنه ، كما تقول : معنى ذهب زيد ، نقل زيد نفسه ، وإلا قيل : أوبى التسبيح ، وهم لم يقولوه . والجبال تسبِّح بصوت يسمع بقدرة الله ، وخلق فيها الفهم ، وأمرها كما يؤمر العاقل ، وناداها كما ينادى العاقل ، وقد سبَّح الحصى فى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووضعها فى يد الصديق فسبحَّت ، وليس المعنى حملها إياه بالتفكر فى شأنها على التسبيح ، لأنه قال : { أوبي } بصيغة الأمر ، لا أوبْته ، ولأنه قال معه ، ولأن كل من تأمل فى الجبال أداه تأمله الى التسبيح لا داود فقط ، فلا يكون معجزة له ، ولا مفضلا به . وقيل : تاويبها رد صداه إذا سبح نائحا على نفسه ، ويبحث بأن الصدى أثر صوت الصائت لا صوت ، وفعل لنحو الجبل ، والله أمرها أن تغفل الصوت ، لأن الصدى يرجع أيضا لكل أحد ، اللهم إلا أن يقال ترد له الصدى بأمر الله سبحانه ، ولو لم يشدد الصوت ، وقيل : سيرى حيث سار ، وهو خلاف الظاهر أيضا لأنها تقارع الناس وغيرهم ، ولأنها أوتاد الأرض ، وأيضا أتبقى أو ترجع لأماكنها ، أو تسر فى رجوعه معه الى جهة مسكنه ، وترجع الى أماكنها ، ولو كان الله قادرا أن يمسك الأرض بدونها ، وقيل : المعنى أطيعه فيما أراد فيك من حفر واستنباط عين ومعدن ، ووضع طريق ، وفيه أنه خلاف الظاهر مشارك فيه ، وضمير المفرد المؤنث لجماعة جبال مخصوصة ، وهى جبال أرض هو فيها من الشام ، لأن اللفظ نكرة مقصودة ، وذلك مفعول لحال محذوف من فاعل فضل ، أى قائلين : يا جبال . { والطَّير } عطف على محل المنادى عند سيبويه ، ولو كان حرف النداء لا يدخل على المعرف بأل ، ورب شىء يصح تبعا لا استقلالا ، قال الشاعر : @ ألا يا زيد والضحاك سيرا @@ بنصب الضحاك ، أو يعطف على فضلا ، أو يقدر وسخرنا له الطير ، وهو فى التسخير أظهر ، وهو أوضح من الاقتصار فى اللفظ على إيتائها فى العطف على فضلا ، وعطفه الكسائى على فضلا ، وقدر مضافا ، أى وتسبيح الطير ، وهو تقدير أظهر فى الإيتاء من مطلق الإيتاء ، وقال الزجاج : مفعول معه ، ورد بأنه يتكرر مع قوله : { معه } بلا عطف ولا إبدال ، وهود متجه ، سواء علق معه بأوبى أو بمحذوف حال من الياء ، والمعتبر المعنى لا خصوص لفظ مع ، فان واو المعية مثله نعم قد يجوز فى الحالية لمغايرة لفظ الاستقرار المقدر للعامل ، والمراد بالطير الجنس . { وألنَّا لهُ الحديدَ } كالطين والشمع ، يصرفه الى أى صورة شاء بلا نار ومطرقة ، وقيل : إن المعنى جعلنا الحديد بالنسبة الى قوته التى آتيناه إياها لينا كالشمع ، بالنسبة الى قوى سائر البشر ، وهذا ضعيف لأنه يفيد أنه يعالج قوة الحديد ، وتسهل عليه ، ونحن نقول : لا علاج قوة له ، بل وضع له اللين فى الحديد ، وإن لم يرد هذه المعالجة كما دل له التشبيه الذى يقدرون فى الآية كما قدرته ، فهو القول الأول .