Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 14-14)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فلمَّا قَضَينا عليْه المَوْت } الخ عطف قصة بالفاء على أخرى قبلها ، أو على محذوف تقدير أحييناه كذلك ، أو فعلنا به ذلك " فلما قضينا عليه الموت " أى أنفذناه فيه { ما دلَّهُم عَلَى مَوْته } لم يقل ما دلهم عليه بعود الهاء للموت ، لئلا يتوهم عودها لسليمان ، ولأن الموت المذكور قبل هو حقيقة الموت ، وهذا موت متشخص ، والهاء فى دلهم عائد الى الذين يعملون له عليه السلام ، لا الى آل داود ، أن المقام للرد على من يتوهم أن الجن تعلم الغيب ، كما يدل له { فلما خرَّ تبيَّنت الجن } . { إلا دابَّة الأرض } دابة الأكل يقال : أرضت الدابة الخشب بفتح الراء تارضه بكسرها أكلته ، فالأرض فى الآية مصدر أضيف اليه فاعله ، وهو الدابة المخصوصة المسماة سُرفة بضم فاسكان سوسة ، الخشب ، سوداء الرأس ، حمراء البدن ، ومطاوع ذلك الفعل أرض بالكسر تارض بالفتح ، أرضت تلك الدابة الخشب بفتح الراء أرضا باسكانها ، فأرضت بكسرها الخشبة أى تأثر فيها أكلها أرضا بفتحها ، كما قرأ به ابن عباس ، ولعل من فسر الآية بالأرض التى نحن عليها لم يطلع عليها أنها ذكرت فى اللغة { تأكل مِنْسأتَه } عصاه ، والألف عن همزة ، يقال : نسأت البعير إذا طردته ، ونسأته أخرته ، والجملة حال من دابة { فلمَّا خرَّ } بالموت { تبيَّنَتٍ الجن } علمت بعد التباس . { أن لو كانُوا يعْلمُون الغَيْبَ ما لبثُوا في العَذاب المُهِين } بعد موته ، أن مخففة أى أنه ، أى الشأن ، أو أنهم أى الجن ، والمصدر من معنى لو مففول به لتبيَّنت أى علمت ضعفاء الجن انتفاء علم أقويائهم الغيب ، لبقائهم سنة فى الخدمة الشاقة التى استخدمهم بها وهى عذاب مهين ، أى مذل لهم ، بحمل الصخر ، واستخراج المعادن ، والبناء ، والعكوف على بابه ، وحول محرابه ، وأسند التبين والعلم لمجموع الجن ، والمراد التفصيل المذكور ، كانت ضعفاؤهم يدعون أن أقويائهم يعلمون الغيب ، أو الجن هم الأقوياء ، كانوا يدعون علم الغيب ، فتبين لهم أنه لا يعلمونه ، أو أن وما بعده فى تأويل مصدر بدل اشتمال ، وإن اعتبر مضاف ، أى تبين أمر الجن كان بدل كل . وعلى فرض الأقوياء علموا أنهم لا يعلمون الغيب ، فالآية تهكم بهم ، وفى الحديث : " لتتبعن سنن من قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه أو ركبوا متن ضباة لركبتموه " ففي هذه الأمة من يميل الى ذلك بل يتقرب اليهم بالذبح ، وقد قال أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تذبحوا للجن " قال بعض الفقهاء ذبائح الجن أن تذبح فى الدار الجديدة بالطيرة ، أو لعين تستخرج منها ، ومن ذلك أن يذبح فى الموضع الذى يراد حفر البئر فيه ، أو فى قريب منه ، أو فى موضع ما قصدا للجن ، وأن تذبح دجاجة لمريض تقربا الى الجن ، أو زعما بأن الجن يخرج بها من المريض . ولما دنا موته كان لا يصبح الا رأى شجرة نابته فى محرابه ، فيسألها : لماذا أنت ؟ فتخبره ، فنبتت فيه خرنوبة ، وسألها فقالت : لخراب بيت المقدس ، فقال : لا يخربه الله وأنا حى ، فنزعها وغرسها فى جنة له ، واتخذ منها عصا ، وقال : اللهم اعم الجن عن موتى حتى يعلم أنهم لا يعلمون الغيب ، كما يموهون ، وقال لملك الموت : اذا أمرت بى فأعلمنى ، فقال : بقيت ساعة ، فدعا الجن فبنوا له صرحا من زجاج لا باب له ، فقالم يصلى متكئا على عصاه ، وكانت الجن تجتمع حول محرابه أينما صلى ، ومن نظر اليه منهم فى صلاته احترق ، فمر جنى ولم يسمع صوته ، ورجع ولم يسمع ، فنظر فاذا هو قد خر ميتا ، ورأوا عصاه قد أكلت منها الأرضة ، فوضعها الناس على العصا يوماً وليلة وأكلت فحسبوا ، فاذا أنه مات سنة ، ويبحث بأنها قد تأكل أحيانا وتترك أحيانا ، وأنه يجوز أن تبتدىء الأكل بعد موته بزمان . وبأن الشيخ يوسف بن ابراهيم قال : من كان داخل بيت من زجاج لا منفذ له لا يسمع الصوت ولو ضربت عليه طبول الدنيا ، إلا أن لله خرق العادة ، ويقال : علم الناس أنه مات سنة بالوحى الى نبى ، ولعلهم أرادوا مع ذلك أن يعرفوا كم تأكل فى كل يوم ، فلا يقال لو علموا بالوحى لم يحتاجوا الى الاختبار ، ويبعد أن يقال : بدأت الأكل فى حياته ، وروى : أنه أمر ببناء صرح له من زجاج ، فاختلى فيه ليصفوا له يوم ، فاذا بشاب فقال : كيف دخلت بلا إذن ؟ فقال : دخلت باذن ، قال : من أذن لك ؟ قال : رب الصرح ، فعلم أنه ملك الموت ، فقال : سبحان الله هذا يوم طلبت فيه خلوة ، فقال : طلبت ما لم يلخق ولم يعلم الجن بموته سنة ، وقد دعا الله تعالى فى أن يخفى موته عن الجن ، ليعلم أنهم لا يعلمون الغيب ، وعمره ثلاث وخمسون ، وملك وعمره ثلاث عشرة سنة .