Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 13-13)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يعْملُون لَه ما يشاء } الخ تفصيل بعد اجمال { مِن محاريب } جمع محراب ، والمحراب صفة مبالغة من الحرب ، بمعنى كثير الحرب ، أو عظيمه ، سمى به لأن صاحبه صيره فى حمايته كقوله : @ جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب فى محرابه @@ ويطلق على ما يبنى فى قبلة المسجد يقف فيه الامام ، واستحسن أن يقف خارجه ، وقيل المحارب المساكن ، وقيل : ما يصعد اليه بالدرج كالغرف ، وقال مجاهد : المساكن ، وقيل : المساجد ، سميت باسم بعضها وهو محراب الصلاة أو حجرة فيها يعبد الله تعالى فيها ، وكانت مساجد هذه الأمة المحمدية خالية عن المحاريب ، وأحدثت بما لأهل الكتاب ، وفسرها قتادة بالقصور والمساجد معا . ويروى أن داود بنى بيت المقدس قدر قامة ، فأوحى الله تعالى اليه أنى قضيت اتمامه على يد ابنك سليمان ، فكف داود ، ولما كان سليمان خليفة بعد موت أبيه ، استعمل طائفة من الجن ، بعد بنا بيت المقدس فى تحصيل الذهب والفضة من معدنهما ، وطائفة فى تحصيل اليواقيت والجواهر والدر الصافى ، وطائفة بالمسك والعنبر ، وأمر بإصلاح ذلك ألواحا وثقب ما يحتاج للثقب ، وركب ذلك كله على بيت المقدس بعد أن بناه بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر ، وقيل جعل عمده من البلور الصافى ، وسقفه من الجواهر الثمينة ، وأرضه من الفيروزج ، فهو يضىء كالقمر ليلة البدر ، وإنما بنى المسجد بعد بناء المدينة كلها بالرخام الجيد ، وجعلها اثنى عشر ربضا ، أنزل فى كل ربض سبطا ، ولما غزا بخت نصر الشام ، أخذ ذلك كله الى العراق ، وبنى الجن لسليمان أيضا فى اليمن قصوراً وحصونا من الصخر عجيبة { وتماثِيل } جمع تمثال ، وهى صور الملائكة والأنبياء والصلحاء ، تصور فى المساجد ليتذكروا عبادتهم ، فيجتهدوا ، وتصوير الحيوان فى شرعهم جائز ، وكانت بالنحاس والزجاج والرخام ، وعن الضحاك صور حيوانات لمنع البعوض أو الذباب أو غير ذلك ، حتى لا يتجاوز الموضع جنس ذلك الممثل به ، وتوهم بعض أن تصوير الحيوان محرم فى شرعهم فأوله بأنه لا رأس له ، وليس كذلك ، فانه حلال فيه ولو مع الرأس . ويروى أنه صوروا له أسدين تحت كرسيه يبسطان ذراعيهما إذا أرادا الصعود ، ونسرين فوقه يظلانه إذا جلس بأجنحتهما ، والطواويس والعقبان والنسور على درجاته وفوقه ليهابه من أرد الدنو ، منه ، وذلك حكمة من الله العزيز الحكيم ، وأراد أفريدون صعوده فكسر الأسدان ساقه ، فلم يجسر عليه أحد بعده ، ومنع فى شرعنا تصوير الحيوان بالرأس ، وتصوير الرأس ، وجاز بلا رأس ، كما جاز غير الحيوان ، وأخطأ من أجاز التصوير لهذه الآية ، ويرده أحاديث النهى ، واختلف فى تصوير ما لا يجوز تصويره بنسج أو لطخ بلا ظل ، والأحوط المنع ، لأن المنع ورد أولا فى ستر بيت لعائشة فيه صور زجرها وخرقه ، وحديث " إلا ما كان رقما في ثوب ضعيف " . { وجفانٍ } ما يوضح فيه الطعام ليؤكل ، وقيل الصحيفة ما يشبع الواحد والمأكلة الاثنين والثلاثة ، والصفحة الخمسة ، والقطعة العشرة ، والجفنة فوق ذلك { كالجَوابِ } الحياض العظام ، والمفرد جابية من الجباية ، وهى الجمع لأنه يجبى لأنه يجبى إليها ، وذلك من الإسناد الى الظرف ، أو ذلك نسب كلابن وتامر ، ثم غلب على الاناء المخصوص ، وكانت جفنة سليمان تشبع ألف رجل . { وقُدُورٍ } جمع قدر ، وهو ما يطبخ فيه لحم أو طعام آخر من فخار أو حديد أو صفر ، على شكل مخصوص { راسيات } ثابتات على الأثافى لا تنزل لعظمها ، وقدمت المحاريب على التماثيل ، لأن التماثيل تصور على جدرايها ، والجفان على القدور ، مع أن الطبخ قبل الأكل ، لأنها التى تحضر على المساط الذى يمد لا القدر وإنما ذكر القدور ، وأنها راسيات أخبار بكثرة المأكول { اعْمَلوا آل داوُد شُكراً } اعملوا الطاعات يا آل داود لأجل الشكر ، أو شكرا مفعول به لاعملوا ، أو مفعول مطلق ، لأن الشكر نوع من العمل ، فهو كقعدت القرفصاء ، وفى وصول هذه الآية أكلت ليلا خبز شعير بزيت وحده ، وهو معتادى ، فألهمنى الله تعالى بيتا على ارتجال من المتقارب : @ وخبز الشعير مع الزيت كل ومن بعده الحمد لله قل @@ وذكر البيهقى عن ابن مسعود : أن سليمان يأكل خبز الشعير ، ويطعم أهله أحسنه ، المساكين الحوارى ، ولم يشبع قط خوف أن ينسى الجائع ، ولم يخل مصلاه من قائم ليلا ونهارا يتناوبونه ، وقد يعم آل الرجل أباه فيشمل داود ، روى أحمد والبيهقى ، قال داود : يا رب هل بات أحد أطول ذكرا منى ؟ فأوحى الله أن الضفدع أطول فما نسمع من الضفدع فى الماء إنما هو بعض ذكرها ، وما لا نسمع أكثر ، والله به أعلم ، وسمع دويبة على طول الليل تصوت فى الأجنة ، ولعلها بعوضة ، ولما نزل عليه : { اعملوا آل داود شكرا } قال : يا رب كيف كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم علىَّ وترزقنى الشكر ، فمنك النعمة ومنك الشكر ؟ فقال الآن شكرتنى وعرفتنى حق معرفتى ، وقال لسليمان : أكفنى قيام النهار أكفك قيام الليل ، قال : لا استطيع ، قال فاكفنى صلاة النهار ، أى وهى نفل فى النهار أقل من قيام النهار ، والجملة مفعول القول مستأنف ، أى قلنا : اعملوا أو لحال من الفاعل فى تقدير سخرنا لسليمان ، أى سخرنا لسليمان الريح قائلين اعملوا ، أو من الفاعل فى ألنا . { وقليلٌ منْ عِباديَ الشكُور } هذا مستأنف فى القرآن ، أو هو مما خوطب به آل داود ، والشكور من يدوم على العبادة جهده ، أو فى أكثر أوقاته معترفا بنعم الله عز وجل بقلبه ولسانه ، أو من يشكر على الشكر ، فان كل شكر تقتضى أخرى ، فهو يرى عجزه عن اداء حق الشكر ، كما مر عن داود عليه السلام ، قال صلى الله عليه وسلم : " لما فرغ سليمان من بيت المقدس سأل ربه حكما يوافق حكمه ، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأوتيهما وأن لا يأتيه أحد للصلاة فيه إلا خرج كيوم ولد " وأرجو أنه أوتيه ، ويقال ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وبقى فى الملك أربعين سنة ، وشرع فى بناء بيت المقدس لأربع سنين مضت فى ملكه ، ومات ابن ثلاث وخمسين .