Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 10-11)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَنْ كانَ يُريدُ العزَّة } بالمعصية كالتكبر على الغير بلا حق ، وكما يتعزز الكفار بالأصنام كما قال تعالى : { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً } [ مريم : 81 ] وكما يتعزز المنافقون بالمشركين ، كما قال جل وعلا : { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة } [ النساء : 139 ] والجواب محذوف أى يخب أو يذل ، أو فليطلبها من الله بالطاعة ، أو فهو مغلوب ، أو فليطع العزيز لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز " نابت عنه علته فى قوله تعالى : { فللَّه العزَّة جميعاً } أى لأن العزة لله جميعا ، وأما قوله تعالى : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [ المنافقون : 8 ] فلا يرد على ذلك ، لأن تعزز الرسول والمؤمنين ليس بطريق المعصية ، بل بالتقرب الى الله عز جل . فى الآية حصران : أحدهما بتقديم { الله } والآخر بـ { جميعا } وإن جعلنا أل فى العزة للاستغراق كان حصرا آخر ، لا إن جعلناها للحقيقة ولا يصح جعل أل فى الأول للاستغراق ، ولا للفرد الكامل لأنه لا يعتاد ذلك فى الناس ، فضلا عن أن يقال من كان ذلك الا ما شذ وقل ، مع أنه لا يخلو قلب صاحبه من خلاف ذلك ، إلا أن يقال : ذكر الله ذلك ليذكر اختصاصه تعالى به لا لصدور ارادته من أحد ، وجميعا حال من الضمير فى لله . { إليْه يصْعَد الكَلِمُ الطَّيبُ } الخ بيان لما تحصل به العزة عند الله للانسان ، وبيان لكون العزة كلها له تعالى ، وهى بالطاعة ، ولا يعتد بها مالم تقبل ، وأجيز أن يكون استئنافا ، واذا أمكن التعلق للجملة بما قبلها ، وأمكن الاستئناف ، فالتعلق أولى لزيادة الفائدة ، والكلم الطيب : لا إله إلا الله لأنه يستطيبه العقل لأنه منجاة ، والشرع والملائكة ، وكل كلمة منه طيبة ، لأنه يتوطل بلا وبإله الى الاستثناء ، فكلاهما حسن فى العبارة ، ولا يخفى أن ذكر الألوهية لغير الله ، تنفى أمر حسن ، وإن قلنا : الكلمة هنا بمعنى الكلام التام المفيد مجازا على المشهور ، كقوله تعالى : { وتمت كلمة ربك } [ الأنعام : 115 ] { كلا إنها كلمة } [ المؤمنون : 100 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " أفضل كلمة قالها شاعر قول لبيد : " @ ألا كل شىء ما خلا الله باطل @@ الخ فالجمع باعتبار الناطقين ، وعلى التجوز تكون القرينة الوصف بالطيب ، لأن الأصل فى الطيب الكلام التام المستلذ ، وعن ابن مسعود موقوفا : " هو سبحان الله ، والحمد لله ، ولا اله الا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، يصعد بهن ملك لا يمر على جماعة من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن " وعن أبى هريرة ذلك الى والله أكبر ، وقيل : ذكر الله مطلقا ، وقيل : القرآن ، وقيل : كل كلام لله عز وجل من ذكر وأمر ونهى ووعظ ، ونعت الكلم بالمفرد لجواز ذلك فى اسم الجمع ، ولأن أصله فعيل فقدم الياء وأدغم ، وفعيل بوزن مصدر السير ، والصوت يصلح ، والمصدر للقليل والكثير ، والصعود مجاز مرسل عن القبول ، لعلاقة الاعتبار بالصاعد أصلى ، اشتق منه يصعد على طريق المجاز المرسل التبعى ، أو استعارة أصليه للقبول بعلاقة الاعتبار ، واشتق منه يصعد على طريق البعية ، أو الكلم مجاز عن نحو الورقة التى كتب هو فيها لحلول متضمن الكلم فيه ، أو يقدر مضاف أى صحيفة الكلم ، أو شبه وجوده فى الأرض وكتبه فى السماء بالصعود . { والعَمَل الصالح } الفرائض أو مع النفل { يرفعه } ضمير يرفع للعمل ، والهاء للكلم الطيب ، فمن تكلم بالطيب وعمل سوءاً لم يقبل كلامه ، والرفع القبول ، أو يرفع الى السماء ، ويعتبر موته ، فان مات مصراً رد ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله قولا إلا بعمل ، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية ، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنة " ألا ترى الى قوله تعالى : { إلا من تاب } إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم : " هلك المصرون " وألا ترى الى محبطات الأعمال كالرياء ، وقيل : ضمير يرفع للكلم ، والهاء للعمل ، على أن الكلم كلمات التوحيد ، ولا يرفع عمل لمشرك ، وفيه جريان الخبر على غير ما هو له مع غير البروز بلا قرينة ، فلا يجوز هذا القول ، وقراءة ابن أبى عبلة وعيسى بنصب العمل على الاشتغال ، لا يكون قرينة ، لأن ما يحتاج فيه الى قرينة لتصحيح العبارة يكون فى تلك العبارة لا فى عبارة أخرى وقيل : الضميران للعمل على حذف مضاف ، أى العمل الصالح يرفعه عامله ، أى يشرفه وهو خلاف الظاهر . { والَّذين يمْكُرون السَّيئات } مفعول مطلق أى المكرات السيئات ، أو مفعول به على تضمين يمكر معنى يعمل { لهُم عذابٌ شَديدٌ } نزلت فى الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فى دار الندوة { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك } [ الأنفال : 30 ] فالمضارع فى الآيتين لحكاية الحال الماضية ، وجمع المكرات إذ قال السيئات ، لأنها متعددة على سبيل البدلية والقتل والاخراج ، ويجوز أن يراد هنا العموم ، ويدخل هؤلاء بالأولى . { ومَكْر أولئك } بالنبى صلى الله عليه وسلم ، أراد ومكر أولئك البعداء فى الشر ، الممتازين بالمبالغة فيه ، ولذلك لم يقل ومكرهم { هو } لا مكرنا بهم { يَبُور } يضيع ولا يؤثر ، فانهم لم يقتلوه صلى الله عليه وسلم ، ولا أخرجوه ولا حبسوه بعد أن بالغوا فى فعل أحد الثلاثة ، وفعل بهم الثلاثة جميعا : أخرجهم من مكة ، وقتلهم وحبسهم فى قليب بدر { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } [ آل عمران : 54 ] { ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله } [ فاطر : 43 ] وعن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وشهر بن حوشب ، أن قوله تعالى : { والذين يمكرون } الى { يبور } فى أصحاب الرياء ، بمعنى الذين يغرون الناس بأعمالهم ، يوهمونهم أنها لله عز وجل ، لهم عذاب شديد على ذلك ، ومكرهم بائر لا يرفع أعمالهم ، وقد ظن الناس وهم أنها ترفع ، وزاد دليلا آخر على صحة البعث بقوله : { والله خَلقَكُم مِن تُرابٍ } فى ضمن خلق آدم منه فهم مخلوقون من تراب بوسائط الآباء والأمهات ، أو بوسائط الدم المتولد من الثمار المتولدة من التراب ، أو مضاف ، أى خلق أَباكم آدم { ثُم من نُطْفةٍ ثُم جَعَلكم أزْواجاً } ذكرانا وإناثا كما قال : { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } [ الشورى : 50 ] أو زوج الذكور بالإناث بالذكور ، ويناسب هذا ذكر النطفة وقوله تعالى : { وما تَحْمل من أنْثى } جنينا { ولا تَضَع } لا تضعه حيا أو ميتا نطفة أو علقة أو مضغة أو عظاما أو مصورا { إلا بعِلْمه } حال من الفاعل وهو أنثى أى إلا ملتبسة بعلمه بها علما كليا بذاتها وجنينها ، واحوالها كلها . { وَمَا يُعمَّر مِن مُعمَّر } المعمر لا يزاد عمرا آخر ، ولا يوجد تعميره الحاصل ، لأن ايجاد الموجود بعد وجوده تحصيل للحاصل وهو محال ، فاما أن يكون يعمَّر بمعنى الماضى ، أى ما عمر من حصل تعميره ، أى فكذلك التعمير الماضى إلا بعلمه ، وإما أن يكون معمَّر بمعنى من شأنه التعمير ، أو مآله اليه ، ومن ذلك حديث : " من قتل قتيلا فله سلبه " ومن مجاز المآل مثل : { إني أراني أعصر خمراً } [ يوسف : 36 ] { ولا يُنْقص من عُمُره } لهاء عائد الى معمر المذكور لفظا مرادا بها غيره ، معنى على طريق الاستخدام ، أى من عمر معمر آخر ، كدرهم ونصفه ، وذلك استخدام حقيق لا شيبه به ، ويجوز تقدير مضاف أى من عمر مثله ، والمزيد فى عمره لا يكون منقوصاً من عمره ، ومعنى تعمير المعمر إطالة عمره ، ومعنى نقص العمر خلقه قصيرا من أول كقولك : أطل البناء ووسع فم البئر ، أى اجعل البناء من أول أمره على الاطالة ، واجعل فم البئر واسعا من أول . ويجوز عود الهاء الى المعمر تحقيقا بدون استخدام ، على أن المعمَّر صاحب العمر مطلقا طال أو قصر ، أى لا يجعل لصاحب العمر عمره طويلا ، ولا ناقضا إلا بعلمه ، أو على أن النقص بمعنى المضى من بعض عمره ، مثل لحظة وساعة ، ويوم وشهر وسنة ، أو على معنى أنه إن فعل كذا طال عمره ، وان لم يفعله نقص ففعله فيطول أو لا يفعله فينقص ، وقد قضى الله قبله أن يفعله ، أو قضى أن لا يفعله ، وهو تعالى لا يجهل ولا يتغير قضاؤه ، ولا يحدث له علم ، لأن علمه أزلى عام لا يخرج عنه شىء ، فبذلك جاز الدعاء بطول العمر للمتأهل له ، وبنقصه للمتأهل له ، والأجل واحد مبرم ولا يتغير ، ويحتمل تفسير إطالة العمر بالبركة ، ونقصه بعدمها ، قيل : أو على أنه لا ينقص من عمر المعمر لغيره ، فمعمر بمعنى مبقى على عمره ، وفيه أنه يقتضى أنه قد ينقص من عمره لغيره بعلمه تعالى ، وهو محال ، ولعل قائله أراد أن البقاء على العمر ، وعدم النقص منه للغير متصور بعلمه ، وقيل : الهاء للمنقوص من عمره ، ولو لم يجر له ذكر للعلم به ، أى لا ينقص من عمر المنقوص من عمره بجعله ناقصا . { إلا في كتاب } عظيم القدر بالضبط ، وهو اللوح المحفوظ أو صحيفة الإنسان ، أو علم الله الرحمن الرحيم ، ويناسب ذلك كله إلا أنه بالثانى أنسب قوله صلى الله عليه وسلم : " يدخل الملك على النطفة فى الرحم بعد أربعين أو خمسين وأربعين ليلة فيقول : يا رب أشقى أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله تعالى ، ويكتب ، ثم يكتب عمله ورزقه وأجله ، وأثره ومصيبته ، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها " { إنَّ ذلك } المذكور من الخلق وما بعده ، مع أنه تحير فيه العقول { عَلى الله } لا على غيره ، وليس المقام لذكر الحصر ، لأنه لا يتصور لغيره بعسر ولا يسر ، إلا أن يقال : المعنى لا يعده يسيراً إلا الله ، وأما غيره فيعد بحسب بادىء الرأى صعبا على الله عز وجل { يَسيرٌ } لأنه بمجرد توجه الإرادة الأزلية ، لا بعمل أو احتياج الى سبب يتوقف عليه ، فكذلك البعث ، والله الرحمن الرحيم الموفق .