Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 12-12)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وما يَسْتَوي البَحران } تمثيل للتفاوت بين المؤمن والكافر ، وأل لحقيقة البحر العذب والبحر الملح ، لتعدد كل منهما ، والبحر الماء المغرق ولو كان يجرى ، وكذا الإشارتان للحقيقة فى قوله : { هَذا } الخ { عَذبٌ } طيب { فُراتٌ } شديد العذوبة ، كأسود حالك ، وأصفر ناقع ، وأبيض يقق ، وقيل : كاسر للعطش ومزيله ، ولعله تفسير باللازم ، فمن شأن شديد العذوبة ازالة العطش ازالة شديدة { سائغ شرابُه } سهل انحداره لموافقته للطبع ، وخلوه من مكدر { وهَذا مِلْحٌ } مُغاير للطبع المغايرة المعروفة كملح الطعام اذا كثر فى طعام أو شراب ، ويقال أيضا على القلة مالح ، وليس لغة رديئة كما قيل ، وقيل : الملح ما ملح بالخلقة ، والمالح ما ملح بمخالطة شىء { أجاجٌ } شديد الملوحة كأنه يحرق بملوحته ، والمؤمن كالبحر العذب ، والكفار كالبحر الملح ، واستأنف كلاما خارجا عن التمثيل بقوله : { ومِن كُل تأكُلون لحماً طرياً وتَسْتخرجُون حِليَةً تلْبسُونها } كما خرج عن التمثيل قوله تعالى : { وتَرى الفُلْك فيه مَواخِر } وذلك لأنه لا فائدة تحصل من الكافر ، كما تحصل من المؤمن ، وتستخرجون حليةً تلبسونها خارج عن التمثيل ، فانه لا حلية من البحر العذب ، فقوله : { وتستخرجون حلية تلبسونها } عائد الى الملح ، أى وتستخرجون من الملح حلية ، أو ذلك مجموع ، وكل لا كلية كما فى قوله تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن : 22 ] ويدل لذلك افراد الضمير فى فيه ، فان أمر الفلك فى الملح أعظم منه فى العذب والمتبادر ، رد الهاء الى الملح ، وقد يقال : الفائدة من الكافر أخذ ماله وذريته ، أو الجزية . ولا يكفى جوابا ما قيل : ان بعض الصخر التى فى مجرى السيل تكسر ، ويخرج منها حجر الماس ، وهو حلية ، اذ لا ندرى أصح ذلك أم لا ، بل هو حجر متقوم كحجوزة وأصغر لا أكبر ، يكسر جميع الأجساد الحجرية ، وإمساكه فى الفم يكسر الأسنان ، ولا تعمل فيه النار والحديد ، وانما يكسره الرصاص ويستحقه ، ويثقب به الدر وغيره ، واذ ليس ذلك من البحر المتبادر ، ولا ما قيل : إنه يستخرج منه سمك يؤخذ من عظامه مقابض السيوف والخناجر ، اذ لا تدرى صحته ، واذ ليس ذلك زينة تلبس ، ولا ما قيل : لعل فى العذب لؤلؤ لا نراه ، اذ لا نعمل تمثل هذا الترجى مع وجود مسلك غيره فحاصل الكلام تشبيههما بالبحر العذب والملح ، وتفضيل المؤمن بمزيد الفائدة كلؤلؤ الملح ومرجانه ، وبأنه لم يتغير عن طبعه وخلقته ، كما تغير الكافر عنها ، واللحم الطرى السمك ، واختار له اسم اللحم لأنه لا يحتاج الى الزكاة ، ولا غسل دم ، ولا عزل شىء منه بالتحريم ، كما أنه حلال ولو بصورة انسان ، ولو يحيا فى البر أيضا ولو بصورة خنزير . وذلك أولى مما قيل : اختار له اسم اللحم الطرى لانحصار منفعته فى الأكل اذ فيه أدوية ، وفى عظامه حلية وغير ذلك ، ومما قيل : إنه سماه بذلك لسرعة فساده ان لم يعجل بأكله ، لأنه يصلح للبقاء بالتشريح كما يشاهد ، ومن خلف لا يأكل اللحم حنث به ، واختلف فيه على عرف لا يسمى فيه لحما ، والصحيح ، عدم الحنث فى ذلك العرف ، ولو حلف لا يركب دابة فركب كافرا لم يحنث ، مع قوله عز وجل : { إن شرَّ الدواب عند الله الذين كفروا } [ الأنفال : 55 ] ومعنى تلبسونها : أنتم ونساؤكم ، ولو اختلفت كيفية اللبس ، وأنه ألبس النساء لأجل الرجال ، وأيضا هن منهم ، والخطاب فى ترى لمن يصلح للرؤية ورأى ، والنبى صلى الله عليه وسلم لم ير البحر . وإن قلت : الرؤية علمية لا بصرية خصوصا فالخطاب يعمه صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن الله قد كشف له فرآه ببصره ، ورأى مخر الفلك أى شق السفن فيه الماء ذاهبة وراجعة ، وقيل : المخر صوتهن مع الماء ، والماء على كل حال أصل ، والمفرد ماخر ، وأخر هنا لأن المراد أن تقع الرؤية عليها فيه ، فيتعلق بترى ، وأخر فى النحل لأن المراد أن تقع الرؤية للمخر فيه ، فيتعلق بمواخر فذلك معنيان ، وأولى من هذا أنه قدم هنا لأن المخر ذكر استطرادا أو تتميما للتمثيل ، لا تمثيلا حقيقياً ، وقدم المخر فى النحل لأن الكلام فى تعداد النعم ، وشق الماء للوصول ، وإيصال الأموال والنجاة نعم { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } [ إبراهيم : 34 ، النحل : 18 ] ولذلك قال فيها : " ولتبتغوا " بالواو ، وهنا قال : { لِتبتغُوا } بلا واو ، وهو متعلق بمواخر ، أو بمحذوف ، أى سخرها لتبتغوا ، أو سخر البحرين لتبتغوا ، أو فعل ذلك لتبتغوا { من فَضْله } أى من فضل الله ، ولو لم يجر له ذكر فى الآية لجرية له قبلها ، ولدلالة المعنى عليه عز شأنه ، ولو لم يجر له ذكر فيها ولا قبلها . { ولعلَّكُم تشْكُرون } نعمه بطاعته ، والاعتراف بها ، ولعل للترجية أو للتعليل أو للترجى بمعنى أن صورة الانعام عليكم كصورة من فعل لكم ما يرجو به منكم الشكر ، فتكون الاستعارة التمثيلية فى الجملة ، أو تكون الاستعارة التبعية فى لعل .