Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 32-33)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثمَّ أوْرَثنا } أعطينا بسهولة { الكتاب } القرآن عطف على قوله : { الذي أوحينا إليك } الخ عطف فعلية على اسمية ، ولو عطفناها على أوحينا لتوافقتا فعليه ، وصح على وضع الكتاب موضع الضمير ، لكن فيه الأخبار قبل العطف ، أو الكتاب القرآن وغيره ، الجمهور على الأول وهو الصحيح ، وثم للتراخى الرتبى ، لأن عنوان الايراث أفضل من الإيحاء ، لأن فيه إيحاء وكيفية تمليك عظيمة ، وعكس بعض ، فيكون التراخى لما دون الأول ، وإن فسرنا الايراث بالحكم بالإرث ، فالتراخى الى ما فوق ، على أن الحكم أفضل من الإيقاع ، وقد يعكس بأن فى الإيقاع حكما ووقوعا ، ويحصل تراخى الرتبة بكون الكتاب هو القرآن ، ويجوز الترتيب بالاخبار وبالزمان ، باعتبار أن تلقى الأمة القرآن والعمل به بعد الوحى لا معه ولا قبله ، ولا يخفى تراخى الزمان باعتبار الأمم السابقة . { الَّذين اصْطفَينا مِن عِبادِنا } هم هذه الأمة أمة الاجابة على الأول الصحيح ، وهو أن الكتاب القرآن ، أو المتقون مطلقا على الثانى ، وهو أن الكتاب القرآن وغيره ، اصطفى الله عز وجل هذه الأمة ، جعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس ، وخصهم بالانتساب الى أفضل الأنبياء ، وقيل الذين اصطفينا علماء الأمة الصحابة ، ومن بعدهم اصطفاهم بالوقوف على حقائقه ودقائقه ، والأمانة عليه ، وزعمت الشيعة أنهم آل البيت ، والصحيح أنهم الأمة أو علماؤها ، فيدخل متقو آل البيت أولا ، وقيل المراد الأنبياء ، والكتاب الجنس ، وقيل المذكورون فى قوله تعالى : { إن الله اصطفى آدم } [ آل عمران : 33 ] إلخ ، وليس كذلك ، ومن للتبعيض لا للبيان ، وليست الإضافة للتشريف ، لأن المراد مطلق العباد ، والذين مفعول أول لأنه الفاعل فى المعنى ، اى جعلناهم وارثين الكتاب ، وقدم الثانى لشرفه . ولا مانع من أن يراد بالذين اصطفينا من عبادنا هذه الأمة ، مؤمنها وكافرها وضيع الكافر هذا الاصطفاء ، فتكون هاءات منهم فى قوله عز وجل : { فمنْهُم ظالمٌ لنفسِه } إلخ لجملة العباد أو واو يدخلونها للمقتصد ، والسابق ، ولا نصيب للظالم فى الجنة إن لم يتب ، كما فسر ابن عباس الآية به ، ولا يخفى أنه يبعد تفسير عباد بمؤمنى هذه الأمة ، والذين اصطفينا بعلمائها ، وأن الاضافة للتشريف ، إذ لا عهد يدل أن العباد مؤمنوها ، ولا مانع من أن يراد بالظالم لنفسه المسرف فى المعاصى ، ولو بالاشراك ، لكن مات تائبا ولو عند قرب موته جدا ما لم يره كما قال الله عز وجل : { إلا قوم يونس } [ يونس : 98 ] وأنت خبير بأنه تكون درجة المسرف فى طول عمره ، دون درجة المقتصد والسابق ، إلا أن لله أن يفعل ما يشاء لزيادة فضله ، ولا طلاعة على شأنه فى توبته ، ولا سيما من أسرف ثم أقلع وبالغ فى الاجتهاد بقية عمره ، فربما التحق بالمقتصد أو السابق ، والعلم عند الله الرحمن الرحيم ، وقد تكون الهاءات للذين اصطفينا ، على أن الاصطفاء بالاسعاد ، فيدخل الظالم التائب فى الذين اصطفينا ، والظالم لنفسه شامل لمن ظلم غيره ، لأن ظلمه لغيره ظالم به نفسه ، وحسناته قليلة ، وسيئاته كثيرة ، ومنها أن لا يبالى من أين يزرقه ، وكثرة الاهتمام بالدنيا ، وترك النهى عن المنكر والجهل . { ومنَّهُم مُقتصِدٌ } يكثر السيئات والحسنات ، ولا يصر ، ومن أذنب ولم يقصد أن لا يتوب ، وغفل أو نسى ، فالحقيق أنه ليس مصرا ، ولا سيما أنه يستغفر من الذنوب إجمالا ، وقيل : متقى الكبائر : ولو مات على صغيرة إن لم يقصد الإصرار { ومنْهُم سابِقٌ بالخَيْراتِ } بالأعمال الصالحات يسبق الظالم ، والمقتصد بسببها فى الدرجات ، قلت سيئاته ، وكثرت حسناته ، ولا يصح تفسير الظالم بطالب النجاة ، والسابق بطالب المناجاة ، فيبقى للمقتصد طلب الدرجات ، كيف يقال لطالب النجاة : ظالم ، ولا دليل على طلب المناجاة ، ولا يصح تفسيره بتارك الزلة ، والمقتصد بتارك الغفلة ، والسابق بتارك العلاقة ، لأن فى الأخيرين تشديدا لا دليل عليه ، وفى الأول الهجوم باسم الظلم تشديدا أيضا دون استحقاق ، ولا بساكن البادية والحاضرة والمجاهد ، إذ ليس كل ساكن البادية جاهلا أو عاصيا ، ولا يفسر القرآن بالنظر الى الغالب ، ولا يحسن التفسير بأشخاص كفلان وفلان ، ولا بأنواع متشخصة كمن أسلم بعد الفتح ، ومن أسلم قبله ، ومن أسلم قبل الهجرة بل يحسن التعميم فى الكل ، مع أن فى كل واحد من الثلاثة طالب النجاة إلخ ، وتارك الزلة إلخ ، وساكن البادية إلخ مراتب . وعن ابن عباس : السابق المؤمن المخلص ، والمقتصد المرائى ، والظالم كافر النعمة غير الجاحد لها ، ففى كلامه إثبات اسم الكفر لكفر النعمة ، ومراده بالمرائى التائب من الرياء أو من لم يخلص رياءه ، ففى بعض الآثار أنه من لم يتمحض رياءه بل له معه قصد من قلبه الى الله تعالى يثاب على ذلك ، وقيل : الظالم أصحاب الكبائر ، والمقتصد أصحاب الصغائر ، والسابق من لا كبيرة ولا صغيرة ، وقيل : الظالم الجاهل ، والمقتصد المتعلم ، والسابق العالم ، وقيل : الظالم من ظاهره خير من باطنه ، والمقتصد من استويا منه ، والسابق من باطنه خير من ظاهره . { بإذْن الله } بتيسيره عائد الى سابق فلا يعجب بنفسه ، فان الله الرحمن الرحيم هو الذى أنعم عليه بالتيسير ، وقدم الظالم لكثرته ، ولأن الاقتصاد بعد التوبة من الظلم ومعه ، ولئلا ييأس ، ولأن مبدأ المكلف القصور ، وتلويحا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه ، ولأن أول ما يدخل عليه التوبة والاصطفاء ، وبعد المقتصد لقتله بالنسبة الى الظالم ، ولأن توبته بعد معصية الظلم ، فذلك معصية وتوبة من المقتصد ، وقربة من السابق ، وآخر السابق لئلا يعجب ، فلم يبق للمقتصد إلا التوسط ، إذ قدم الظالم لئلا ييأس مثلا ، أو أخر السابق ليتصل بقوله : { جنات عدن يدخلونها } [ الرعد : 23 ] فهو يدخلها أيضا قبل ، ويليه فى الدخول المقتصد ، فتلاه فى الذكر ، فهو يدخل تاليا للسابق ، فاتصل به ، والظالم بعدهما ، فأخر عن ذكر الجنة بالفصل بهما ، وأيضا وسط المقتصد بينهما فى الذكر ، كما توسط فى الدخول ، قيل : لو قدم سابق بالخيرات بإذن الله على ظالم أو مقتصد لحصل الفصل بقوله : { بإذن الله } قلت لا ضير . { ذلك } ما ذكر من الايراث والاصطفاء { هو الفضْل الكبير * جنات عَدْنٍ يدخُلُونها } والواو للأقسام الثلاثة بشرط التوبة ، كما مر قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية : { ثم أورثنا الكتاب } الى { الخيرات } وقال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة ، وكلهم فى الجنة يعنى بمنزلة واحدة فى رضا الله ، أو قوله : وكلهم فى الجنة ، تفسير لقوله : بمنزلة واحدة ، والمراتب تختلف ، وفى الطبرانى ، عن أسامة بن زيد ، عنه صلى الله عليه وسلم : " كلهم من هذه الأمة وكلهم في الجنة " وعن أنس وعمر ، عنه صلى الله عليه وسلم : " إن سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له " وفى الطبرى والطبرانى والبيهقى ، عنه صلى الله عليه وسلم : " السابق يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ، والظالم يحبس على طول المحشر ، ويشتد حزنه ثم يتلقاه الله برحمته ، وهو الذى يقول الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " وفى البيهقى ، عن البراء أنه قرأ الآية ، فقال : " أشهد على الله تعالى أنه يدخلهم الجنة جميعا " وعن كعب الأحبار أنه قرأ الى { لغوب } [ فاطر : 35 ] فقال : دخلوها كلهم ورب الكعبة ألا ترى الى قوله تعالى على أثره : { والذين كفروا لهم نار جهنم } [ فاطر : 36 ] ولا تتوهم أن الموحد من أهل الجنة ولو أصر بل إن تاب . { يحلَّون فيها من أساور مِن ذهبٍ ولُؤلؤاً } خبر ثان لجنات ، أو حال من واو يدخلونها مقدرة ، لأن التحلية بعد الدخول لا مع الدخول ، وأساور جمع الجمع وهو أسورة الذى هو جمع سوار بالكسر أو الضم ، لا جمع المفرد وإلا قيل : أساوير بالياء ، أو يحتاج الى دعوى حذفها ، ومن للتبعيض ، ولأن فعالا بفتح أو كسر أو ضم يجمع على فعائل لا على أفاعل ، وهى بعض ما خلق الله من الأساور ، وعلى جواز زيادة من فى الإثبات ، ومع المعرفة يكون مفعولا ثانيا بمعنى يلبسون أساور بالبناء للمفعول من الإلباس ، ويجوز أنها للبيان لمحذوف ، أى يحلون فيها زخارف أو حليا من أساور ، كما أنها بيانية فى قوله عز وجل : { من ذهب } لأساور ، أو تبعيض من جملة ما خلق الله من الذهب ، ونصب لؤلؤا عطفا على المبهم المحذوف ، وفى البيهقى والترمذى ، عن أبى سعيد الخدرى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا الآية فقال : " إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منهم لتضىء ما بين المشرق والمغرب " . { ولباسُهُم فيها } متعلق بلبأس بمعنى ملبوس { حَريرٌ } خالص ، وفسره بعض بمارق من الثياب ، والجملة الاسمية المخالفة للفعلية التى قلبها للدلالة على أن الحرير ثيابهم المعتادة ، ولأن اللباس معلوم أنه لا بد منه ، وإنما يسأل عنه لو سئل عنه ما هو ، فقيل : إنه حرير ، فلذلك وللفاصلة لم يقل ويلبسون حريرا .