Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-15)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ واضْربْ لَهُم مثلا أصْحاب القَريْة } عطف قصة على أخرى ، وإنشاء على إخبار ، أو على محذوف بلا فاء أى أنذرهم ، واضرب لهم مثلا ، وأصحاب مفعول أول ، ومثلا مفعول ثان ، أى اجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء فى الإصرار على التكذيب ، وضرب المثل تطبيق حال غريبة بحال مثلها فى الغرابة ، كقوله تعالى : { ضرب الله مثلا للذين كفروا } [ التحريم : 10 ] الخ ، وقد يستعمل ضرب المثل بمعنى ذكر أمر غريب ولو بلا تطبيق بالآخر ، أى واذكر لهم قصة غريبة كالمثل ، والتقدير : واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية ، وأصحاب بدل من مثلا على حذف مضاف كما رأيت ، ومن القسم الأول ما شبه مضربه بمورده نحو : الصيف ضيعت اللبن ، والقرية أنطاكية . { إذْ جاءها المُرسلون } بدل اشتمال من أصحاب ، وليس ظرفا والمعنى واضرب هلم نفس وقت مجىء المرسلين إليها ، أو ظرف لبدل اشتمال محذوف من قرية ، والرابط ها فى جاءها ، أى الحادث أو الواقع { إذ جاءها المرسلون } أو بدل كل من أصحاب بتقدير قصة أصحاب القرية ، وها عائد إلى القرية ، ولم يقل جاءهم برد الضمير الى أصحاب ، إيذانا بأن المرسلين جاءوا أصحاب القرية ، وأصحاب القرية فى القرية ، ولم يلقوهم خارجا ، ولو قال جاءهم لاحتمل أنهم جاءوهم ، وهم في غيرها خارجاً ، ويجوز رد الضمير الى الأصحاب بتأويل الجماعة ، فيتبادر أنهم جاءوهم وهم فيها كذلك ، والمرسلون هم الحواريون ، أرسلهم عيسى حين أراد الله له الرفع الى السماء ، وإنما أسند الله الإرسال إليه تعالى فى قوله تعالى : { إذْ أرْسَلنا إليْهم اثْنَين } لأنه هو الذى أمر عيسى عليه السلام بإرسالهم ، وقال ابن عباس ، وكعب : المرسلون أنبياء الله ، أرسلهم إليها تقوية لعيسى عليه السلام بنصره ، وتصديقه فيما يقول ، قبل رفعه الى السماء ، كما أرسل هارون تقوية ونصرة لموسى عليهما السلام ، ويدل له قولهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } فإنه رد على من قال : إنا رسل من الله تعالى ، لا على من لم يقل ذلك مثل الحواريين ، وهو الظاهر من قوله عز وجل : " إذ أرسلنا إليهم اثنين " ويدل له أيضا ظهور المعجزة على أيديهم كإبراء الأكمه ، وإحياء الموتى كما فى بعض الآثار . روى أن الاثنين أخذا بندقتين من طين ، فجعلاهما فى موضع العينين من صبى ممسوح كالجبهة ، فصارتا له عينين يبصر بهما ، وأن ابن دهقان مات منذ سبعة أيام أخر الملك دفنه حتى يجىء أبوه من سفر ، فطلب الملك منهما أن يحيياه فأحيياه بإذن الله تعالى ، وقالا : هل تفعل ذلك ألهتك ؟ فقال : لا فآمن هو وقوم من رعيته ، ومن لم يؤمن مات بصيحة جبريل ، وقيل : كفر وعزم على قتلهما وقتل الثالث ، ولما حيى ابن الدهقان قال لهم : أحذركم من الإشراك ، فإنى أدخلت فى سبعة أودية من النار ، وذلك مختص بالأنبياء أصالة وغالبا ، إلا أنه قد يحتمل أنه كرامة لغير الأنبياء لا معجزة ، إذ لم يدعوا الرسالة ، وأنهم فهموا أنهم مبلغون عن الله تعالى ، وفهموا أنهم يدعون الرسالة من الله تعالى فنفوها عنهم ، وهم لم يدعوها ، وإنما بلغوا عن عيسى عليه السلام . أو لما كان مرسلهم مدعى الرسالة عاملوهم معاملة مدعيها بنفيها عنهم قصداً الى نفيها عنه ، والاثنان : يوحنا وبولس ، أو ثومان و بولس ، أو شمعون ويوحنا ، أو صادق وصدوق ، أو نازوص وماروص ، وقال : اليهم لا اليها ، لإن الإرسال الى من يكلف ويعقل ، لا الى الجماد ، وأما قوله جل وعلا : { فكذَّبُوهُما } فتابع لقوله : " إليهم " بخلاف المجىء ، فانه لا يختص بأن يكون الى العاقل ، وأصحاب تلك القرية يعبدون الأصنام . { فَعزَّزْنا } أى عززناهما أى صيرناهما عزيزين قويين { بثَالثٍ } شمعون الصفا ، أو سمعان ، أو شلوم ، أو بولص بالصاد أو بالسين ، لما سجنا وجلدا مائتى جلدة ، أتى هذا الثالث حتى توصل إلى الملك وأنس به ، وكان يعبد الله تعالى بحضرة الصنم ، فظن الملك أنه يعبد الصنم ، فكلم الملك فيهما فيقال : حال الغضب بينى وبينهما فالآن أحضرهما ، فقالا : إنا نعبد إلهاً قادرا لا صنما عاجزا عن إحياء ما مات ، فصدقهما الثالث . { فقالُوا } الاثنان والثالث ، والعطف على عززنا أو على كذبوا { إنَّا إِليْكُم مُرْسلون } قائله واحد ، والاثنان متفقان معه ، والسكوت رضاً وقبول ونصرة ، ولا سيما أنه قد حضروا معاً ، وهكذا قاعدة تكلم الجماعة أنه ليس يتكلم كل واحد ، بل واحد مع اتفاق الباقين ، وكذا فى قوله تعالى : { قالوا } أى أصحاب القرية للثلاثة { ما أنتُم إلا بشَرٌ مثْلنا } لا مزية لكم تختصون لأجلها بالرسالة من الله تعالى ، أو بالمجىء بما جئتم { وما أنزْل الرَّحْمن } على أحد { من شيءٍ } تدعوننا إليه ، فهم مقرون بالله ، وسموه الرحمن إشارة الى انه عظيم الرحمة وكثيرها ، لا يحتاج الى عبادتنا ، ولا تضره أفعالنا ، فهم يرحم من لا يعبده ومن يعبده ، وإنما نعبد ما نعبد من الأصنام لتعيننا على مصالحنا ، وهى محتاجة ، ولذكرهم الرحمن علمنا أنه لم يصح ما قيل أنهم قالوا لا نعرف إلها ً غير أصنامنا ، وعلى صحته فالمعنى لا نعرف إلهاً يحتاج للعبادة ، والرحمن موجود لا يحتاج إليها ، ويبعد ما قيل : إن لفظ الرحمن من كلام الله لا من كلامهم ، وإن المعنى ما أنزل الذى تدعون وجوده شيئا ، وأنه ذكر لفظ الرحمن لحلمه وجلبهم إليه ، وصرحوا بمضمون قولهم : { ما أنتم } إلى { من شيء } فى قولهم : { إنْ أنتُم إلا تكْذِبُون } ولم يقل كاذبون للدلالة على تجدد الكذب واستمراره .