Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 113-113)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وباركنا عليه وعلى إسحاق } أفضنا على ابراهيم واسحاق بركات الدين ، كجعل أكثر الأنبياء والرسل منهم ، والدنيا كتكثير نسلهما ، وجعلهم ملوكا ، وايتاء ما لم يؤت أحدا من العاملين ، قيل : باركنا عن ابراهيم فى أولاده ، وعلى إسحاق بأن أخرجنا من صلبه ألف نبى ، أولهم يعقوب ، وآخرهم عيسى ، على نبينا وعليهم الصلاة والسلام { ومِن ذُرِّيتهما مُحْسنٌ } بالايمان والعبادة والأمر والنهى ، ونفع عباد الله فى دينهم ودنياهم { وظالمٌ لنَفْسه } بالأشراك وما دونه من المعاصى { مُبينٌ } ظاهر الظلم ، ولا يلزم أن تكون ذرية الصالح صالحة ، ولا عيب على الصالح بفساد ذريته ، امتن الله عز وجل على ابراهيم بالذبيح وهو اسماعيل ، وبابنه اسحاق هذا الممدوح ، وإسماعيل هو أكبر سناً ، فما الحكمة فى دعوى تعدى الذبيحية عنه الى من بعده ، وأى دليل وهو أيضا يذكر قبل إسحاق اذا ذكرا فى القرآن كما يقدم اسحاق على ابنه يعقوب ، وكما قدم اسحاق على يعقوب فى الهبة إذ قال : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } [ الأنعام : 84 ] لتقدمه بالزمان . قال الله تعالى : { وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } [ البقرة : 136 ] وقال تعالى : { أم تقولون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } [ البقرة : 140 ] وقال عز وجل { قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } [ آل عمران : 84 ] قال عز وجل : { وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } [ النساء : 163 ] وقال تبارك وتعالى : { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } [ البقرة : 133 ] وعلى أن الذبيح اسماعيل : على وابن عمر وأبو هريرة وكثير من الصحابة والتابعين ، وغالب المحدثين ، ونسب لعلماء الصحابة ويناسب ذلك وصفه بالصبر فى قوله عز وجل : { وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين } [ الأنبياء : 85 ] ويصدق الوعد فى قوله : { إنه كان صادق الوعد } [ مريم : 54 ] فناسب قوله : { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [ القصص : 27 ] ويناسب ذلك أيضا شهرة لأن قصة الذبح فى مكة ، وشهرة تعلق قرنى الكبش بالكعبة حتى احترقا حين احترقت أيام حصار الحجاج ابن الزبير ويناسب توارث قريش لهما خلف عن سلف . ويناسبه ما رواه الحاكم والطبرى بسنده الى معاوية : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه أعرابى فقال : يا رسول الله خلفت الكلأ يابسا ، والماء عابسا ، هلك المال ، وضاع العيال ، فعد على مما أفاء الله تعالى عليك يا ابن الذبيحين ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحد الذبيحين أبو النبى صلى الله عليه وسلم استضعفت قريش عبد المطلب ، وأيضا تمنى أن يجد من يعينه على حفر زمزم حين أمر بحفرها ، فنذر ان رزق عشرة أولاد أن ينحر عاشرهم ، فكان أباه صلى الله عليه وسلم ، فأمرته كاهنة أن يقربه وعشرة من الابل ويقرع ، فكلما وقعت القرعة عليه زاد عشرة حتى تمت مائة وقعت عليها ، فكانت فداء له ، وكانت دية للرجل . وقيل : قال أخواله : ارض ربك وافد ابنك ، فبلغت مائة ، والآخر اسماعيل ، ويناسب ذلك أن فى التوراة : خذ ابنك وحيدك الذى تحبه ، وامض به الى بلد العبادة ، وأصعده ثم [ قرب ] قربانا على أحد الجبال الذى أعرفك به ، ألا ترى الى قوله : وحيدك ، ولا يصدق إلا على اسماعيل ، إذ ولد له وهو ابن ست وثمانين ، وولد له اسحاق وهو ابن مائة ، وأيضا قوله : الذى تحبه أنسب بأول ولد ، لأنه أشد حبا عند أبيه ، ومعنى وحيدك ولدك الذى لا ولد لك سواه ، لا الذى انفرد بحضوره ، كما يقول المتأول المبطل اخراجا لاسماعيل على أنه بمكة تأويلا باطلا ، كما تأول بعض بأنه وحيد أمه وهو باطل ، إذ لم يقل وحيد أمه ، بل قال وحيدك . ويناسب ذلك أيضا قول ابن كثير : أن فى بعض نسخ التوراة بكرك بدل وحيدك ، وأن عمر بن عبد العزيز قال لعالم يهودى قد أسلم : أى ولدى ابراهيم الذبيح ؟ فقال إسماعيل ، قد علمت اليهود ذلك ، لكن يحسدوكم يا معشر العرب ، ولا يصح ما روى عن العباس أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الذبيح إسحاق " لأن فى سنده الحسن بن دينار وهو متروك ، وشيخه منكر الحديث ، وعن أبى سعيد الخدرى عنه صلى الله عليه وسلم : " إن داود سأل ربه أن يجعله مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فأوحى الله إليه انى ابتليت ابراهيم بالنار واسحاق بالذبح ، وابتليت يعقوب فصبروا " قلت : هو موضوع عنه صلى الله عليه وسلم ، وكذا ما روى عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الذبيح إسحاق " وكذا ما روى عن أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لما فرج الله عن إسحاق كرب الذبح قيل له : يا إسحاق سل تعطه " وأيضا فى سنده عبد الرحمن بن زيد ، وحديثه غريب منكر كما قال ابن كثير ، وكثر تحريفهم فلعلهم حرفوا : إسماعيل بإسحاق ، فالمرجع الى ما مر أولا من الأدلة على أنه إسماعيل ، واحتمال كون ذلك بالشام لا يدفع كونه بمكة ، ودعوى أن القرنين حملا من الشام خلاف الأصل مع قوة أهل الشام على أهل مكة فى الجاهلية عددا وعدة وديانة ، فكيف يتركون القرنين لهم . وخبر أنه سار فى غداة وأخذ بإسحاق الى منحر منى ، ورجع وبلغ أهله عشية اليوم موضوع عليه أثر الاهمال ، وخبر يا ابن الذبيحين ، ولو زعموا أن فيه من لا يعرف يقويه ظاهر الآية ، ونص التوراة فنقول : لو كذب القائل يا ابن الذبيحين لزجره النبى صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يعرف صحته ولا كذبه لم يبتسم له ، بل يطلبه بالدليل ، ودل سكوته وتبسمه أن أباه عبد الله لم يولد حين قال عبد المطلب ما مر ، فطلب كمال العدد به ، لا كما قيل : إنه قد ولد حين قال ، وحمل الأب على إسحاق لأنه عم خلاف الأصل . قال السيوطى : قد كنت أميل إلى أن الذبيح إسحاق ، ولا رأيت قوة الأدلة توقفت ، وفى أدلة أنه إسحاق رائحة الأخذ عن اليهود ، وظاهر الآية يكفى ، ومن نذر ذبح ولده عصى ولا نذر فى معصية الله وذلك لإبراهيم خاصة .