Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 21-21)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ألَم تَر أنَّ الله أنْزل مِن السَّماءِ ماء } إلى قوله { حطاما } تمثيل لسرعة زوال الدنيا ، وكأنها زالت فكيف يطمئن اليها ، وكأنكم بعدها بتلك الدار التى فيها الغرف المذكورة ، وبيان لقدرة الله تعالى ، فلا تنكر تلك الغرف ، والمياه المذكورة ، والسماء جهة العلو ينزل الماء منها لأسباب خلقها الله ، ويوجد الماء بها كالأبخرة تصعد الى العلو ، فيقلبها ماء ، وقيل : السماء الدنيا ينزل الماء منها فى مدة يسيرة بقدرة الله ، أو مدة طويلة ينزل فيها فيصل لأوقاته ، وقيل : يحتبس البخار فى الأرض فينقلب ماء ، واذا عثر بحيث لا تسعه الأرض انشقت فالفجر عيونا ، وهو قول قوم كثر بحار الجهل فى قلوبهم ، فانشق الى هذا الكلام ، وقيل : الماء ما فى الأرض من الماء الذى أنزله الله تعالى من تحت العرش ، وأسكنه الأرض حين خلقها ، والمعروف أنا نرى الماء ينعقد من أبخرة ، وأن ماء الأرض من الأمطار يخزن فيها ، يقل بقلة المطر ، ويكثر بكثرته ، ويقال بعضه من أول خلق الأرض وبعضه من المطر ، وعن ابن عباس : لا ماء فى الأرض إلا من السماء ، ونحو : " ألم تر " ولو كان بمعنى ألم تعلم كثير فى الاستعمال ، ولو فيما لم يشاهد ، لكن أصله فيما يشاهد ولا مانع منه هنا { فسلكه } أدخله { يَنابِيعَ } مجارى كالعروق فى الاجساد ، وهو ظرف أو يقدر فى ، والمفرد ينبوع ، ويبعد أن يجعل ينابيع بمعنى نوابع ، فيكون حالا وهو ضعيف ، لأنه لم يقل من الأرض بل قال : { في الأرض } فنحتاج الى أن فى بمعنى من أو الى ، والمعنى أنه ينبع فى مواضع النبع منها . { ثمَّ يُخرجُ به زرعا } أى بسببه ، إذ جعله الله تعالى سببا كل ذلك عن الله خلق للسبب والمسبب ، وتأثره ولو شاء لأخرج النبات النار أو من الهواء من الحجر بلا ماء ، أو من حديد ولا بأس بجعل المدخلية للماء ، بان نجعل الهاء للماء بالتقدير مضاف فيقال : يخرج الله تعالى الزرع بالماء ، ولا بأس فى ذلك لأن تلك المدخلية لا يحتاج الله تعالى إليها فى إخراج الزرع ، وهو خلقها ، وجعل الله تعالى الأمور مرتبة على الأسباب إليها القلب ، وتعمل الجوارح ، ويثاب العامل ، ولو لم يكن الأسباب لكان الانسان فى غم مما يفجأ من خير أو ضر ، لا يدرى أيهما يكون ، ولا متى يكون { مُخْتلفَا أَلْوانُه } أنواعه كبرٌ وشعير ، أو خضرته وصفرته وحمرته ، أو الأنواع الكيفيات الشاملة لذلك كله ، والزرع شامل لما يأكله الناس ، وما لا يأكلونه ، وهو ما حرثه الناس لا ما نبت مطلقا ولو بلا حرث ، وتحتمل ارادة هذا العموم على التجوز لعلاقة الاطلاق والتقييد . وثم فى ذلك وفى قوله : { ثمَّ يَهيجُ } للتراخى فى الزمان ، ولا ينافى سوق الآية تمثيلا للسرعة ، لأن فى هذه الدنيا سريعا وبطيئا ، ويجوز أن تكون للتراخى فى الرتبة والهيجان ، اليبس حقيقة لا مجاز من مجاز الأول والمشارفة عن الهيجان بمعنى التفتت والذهاب باليبس كما قيل { فتراه مُضْفَّرا ثمَّ يجْعلُه حُطاما } مفتتا { إنَّ في ذلك لذِكْرى } تذكرة أو تذكير بهوان الدنيا { لأولي الألباب } فلا يغترون بالدنيا ، ولا يستنكرون إجراء الأنهار من تحت الغرق ، ولا يتبادر أن المعنى تذكيرا أو تذكرا بأنه لذلك من صانع حكيم ، وليس كل ما صح معناه تفسير به الآية ، ولو لم يكن دليل عليه ، ولا الآية مسوقة له .