Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 125-127)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَنْ أَحْسَُ دِيناً } نفى للمساواة والزيادة { مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ } أخضعه وأخلصه ، أى ذاته كلهما ، وعبر بالوجه لأنه أعز الأعضاء الظاهرة { لِلَّهِ } لا يعتقد أن له ربَّا سواه ولا ربَّا معه ، أو المراد نفس الوجه ، بأن سجد له خاصة رئاء ولا سمعة ، ودين الإسلام مبنى على الاعتقاد لربوبية الله وألوهيته ، وقصده إياه بالأعمال ، وعدم تعلق قلبه بغيره ، كما قال : أسلم وجهه ، وعلى الأعمال كما قال { وَهُو مُحْسِنٌ } بإتيانه بالأوامر وانتهائه عن النواهى ، وفى الحديث الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وذلك منتهى قوة البشر ، إذ جمع الاعتقاد والعمل ، وقيل هو محسن بالتوحيد ، فيكون معنى أسلم وجهه أخلص عمله { وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ } هذا إما نفس إسلام الوجه والإحسان ، كأنه قيل وهو فى ذلك متبع لملة إبراهيم ، لو تحقق إسلام وجهه وإحسانه باتباع ملته ، وإما اشتراط لأن شرائع الأنبياء مختلفة ، كلها مقبولة ، وأفضل ملة إبراهيم وأحسنها ما كان جامعاً لإسلام الوجه والإحسان ، وهو اتباع ملته لا غيرها مع شرائع الأنبياء ، وقد جمع ذلك كله دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالواجب على أهل الملل كلهم أن يقبلوه كما قبلوا كلهم إبراهيم وارتضوه ، إلا أن منهم جاهلا ، ومنهم حاسداً كاتماً ، وكان مشركو العرب لا يفتخرون بشىء كافتخارهم بالانتساب إلى إبراهيم { حَنِيفاً } مائلا عن غير دين الإسلام إلى الإسلام { وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } اصطفاه بكرامة ، ككرامة الخليل ، والواو للحال ، أى وقد اتخذ إلخ ، وصاحب الحال ضمير اتبع وقيل عطف على من أحسن ، ولا بعد فى العطف عليه لأن المراد مدح من حاز هذه الخصلة ، وهى أنه اتبع إبراهيم الذى هو خليل الله عز وجل ، وأظهر فى موضع الإضمار للتفخيم ، وسبب تلقيبه خليلا أنه هبط إليه ملك فى صورة رجل ، وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي ، فقال اذكره مرة أخرى ، فقال لا أذكره مجاناً ، فقال : لك مالى كله ، فذكره بصوت أشجى من الأول ، فقال اذكره مرة ثالثة ولك أولادى ، فقال أبشر فإنى ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك ، والمقصود امتحانك ، وروى أن جبريل والملائكة دخلوا على إبراهيم عليه السلام فى صورة غلمان حسان الوجوه ، فظنهم أضيافاً ، فذبح عجلا سميناً ، وقال لهم كلوا على شرط أن تسموا الله أوله وتحمدوه آخره ، فقال جبريل : أنت خليل الله ، وروى أنه بعث إلى خليل له بمصر فى جوع أصاب الناس ليمتار منه ، فقال لو كان يريد لنفسه لفعلت ، ولكن يريد للأضياف ، وقد أصابنا ما أصاب الناس ، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملأوا الغرائر حياء من الناس ، فلما أخبروا إبراهيم ساءه الخير ، فغلبته عيناه ، فنام ، وقامت سارة إلى غرارة فأخرجت حوارى واختبزت ، فاستيقظ واشتم رائحة الخبز ، فقال من أين لكم هذا ، فقالت ، من خليلك المصرى ، فقال : بل من عند خليل الله ، فسماه الله خليلا ، وقيل سماه الله خليلا لأنه لا يعارضه شىء لغيره إلا اختار ما لله عز وجل ، وقيل لأنه يفعل ما يفعل الله عز وجل ، أحسن إلى الكافر والمؤمن وأطمعهما ، وفى البيهقى عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال : " يا جبريل ، لم سمى الله تعالى إبراهيم خليلا ؟ قال لإطعامه الطعام يا محمد " ، وقيل سماه لأنه لا يتغذى وحده إلا إن مشى ميلا ليجد من يأكل معه ولم يجد ، وقيل لقوله لجبريل حين كان فى الهواء ملقى إلى النار : أما إليك فلا ، وقد قال : ألك حاجة وروى أنه أضافه كافر فشرط عليه الإيمان فولى ، فأوحى الله تعالى إليه إنى أطعمته سبعين سنة وهو يشرك بى ، أيترك دينه ودين آبائه للقمة ، فأدركه فأخبره ، فقال أو قد كان هذا ، إلهك أحق بأن يعبد ، فأسلم ، والخله من الخلال ، فإنه ودٌّ تخلل النفس ، وخالطها ، قال صلى الله عليه وسلم ، " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالّ " ، بضم الياء وشد اللام ، أو من الخلل ، لأن كلا يسد خلل الآخر ، أو من الخل وهو الطريق فى الرمل ، لأنهما يتوافقان فى الطريق ، ومن الخلة بمعنى الفقر لأن كلا يفتقر إلى الآخر ، أو بمعنى الخصلة لأنهما يتوافقان فى الخصال ، وذلك فى حق الله بمعنى لازم المعنى اللغوى ، قال بعض النصارى ، إذا جاز إطلاق الخليل على معنى التشريف فلم لا يجوز إطلاق الابن فى حق عيسى على معنى التشريف ؟ الجواب أن البنوة تشعر بالجنسية ومشابهة المحدثان بخلاف الخلة ، وإن أوهمت الجنسية والمشابهة والحاجة فقد أزال ذلك بقوله : { وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأَرِضِ } فإنه لا يتصور لمن ملك ذلك وأكثر منه مما لا يتناهى ، ولا شىء إلا هو مملوكه ، أن يجانس أو يشابه ، أو يحتاج ، فخلته محض فضل ، لا استكمالا بشىء كما يتخال الرجلان لاحتياج كل للآخر ، وإبراهيم ملكه تعالى ، فلا تخرجه الخلة عن العبودية لله عز وجل ، والمالك له أن يختار من ملكه خليلا ، ومن كان كذلك تجب طاعته واعتقاده كمال مجازاته على الأعمال ، ومن قدر على إيجاد الأجسام والأعراض فهو محيط بالأعمال ، قادر على الجزاء عليها كما قال { وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطاً } علماً وقدرة ، وكيف لا يعلم ما هو خالق له ، وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطى الابنة النصف والأخت الشقيقة والأبوين النصف بالوحى من الله جل وعلا فى غير القرآن ، فقال عينية بن حصين : أخبرنا أنك تعطى الابنة النصف والأخت النصف وإنا كنا نورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة لا النساء والصبيان والضعفاء ، فقال صلى الله عليه وسلم : " بذلك أمرت " ، فنزل قوله تعالى : { وَيَسْتَفْتُونَكَ } أى عيينة وجماعة من المسلمين ، وهكذا قل ، ولا تقل يستفتونك فيما للنساء ولا عليهن مطلقا ، ولعل هذا الاستفتاء لم يقع { فِى النِسَّاءِ } أى فى توريثهن ، والمراد جنس النساء ، والاستفتاء متقدم على النزول ، فالمضارع للحال وقصد حكاية الحال الماضية ، أو هو لتكرر الاستفتاء بعد { قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ } الإفتاء تبيين المهم لطالب البيان { فِيِهنَّ } فى ميراثهن ، والمضارع للاستمرار فشمل ما مر أول السورة من ميراث الإناث وما يأتي آخرها { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ } القرآن ، عطف على لفظ الجلالة ، أو على المستتر فى يفتى لوجود الفعل ، أى يفتيكم الله ويفتيكم كتابه ، والمفتى حقيقة هو الله ، ولكن عطف عليه أو على ضميره ما هو من الأمور الدالة على أنه المفتى كقولك نفعنى زيد وعلمه ، وأغنانى الله وعطاؤه ، وقد يكون الإسناد حقيقة للمعطوف نحو أعجبنى زيد وكرمه ، ولكون المفتى حقيقة هو الله صح إفراد ضمير يفتى ، ولو عطف ما يتلى على لفظ الجلالة أو يراد بإفتاء الله ما أوحى فى غير القرآن وبإفتاء ما يتلى ما أفتاه الله فى القرآن ، أو مبتدأ وفى الكتاب خبره ، أى فى اللوح المحفوظ ، أو يقدر ويبين لكم ما يتلى ، أو الواو للقسم { فِى يَتَامَى الّنِّسَآءِ } متعلق بيتلى ، وإن جعل ما يتلى مبتدأ فهو بدل من النساء ، بدل بعض والرابط النساء ، وضعا للظاهر موضع المضمر ، أى فى يتاماهن ، وفى هذا الوجه ضعف ، لأن عيينة لم يستفت فى خصوص اليتيمات ، وفى على ظاهرها ، وإن علقنا فى يتامى بيستفتى ففى للسببية لئلا يتعلق جاران بمعنى واحد فى فعل واحد بلا تبعية { الَّتَى لاَ تُؤْتُوْنَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } من الميراث والصداق والنكاح ، وكانوا يمنعونهن منه { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنْكِحُوهُنَّ } عن أن تتزوجوهن لفقرهن أو قبحهن وعيب فيهن ، وتبقونهن بلا تزويج لهن لغيركم ، طمعا فى إرث مالهن ، أو عن تزويجهن لغيركم لهذا الطمع ، أو فى أن تتزوجوهن لما لهن وجمالهن ، فكل من الرغبة عنهن ، والرغبة فيهن مراد على سبيل البدلية ، بحسب اقتضاء المقام وشهادة الحال لا على سبيل الشمول ، وإلا لزم استعمال الكلمة فى معنييها ، وليس ذلك إلباسا بل إجمالا ، وللعرب غرض فى الإجمال لا فى الإلباس ، واحتج الحنفية بالآية على جواز تزويج اليتيمة قبل البلوغ ، وكذا الصغيرة غير اليتيمة ، ويجوز أن يزوجها ولو غير أبيها وجدها ، وأجيب بأنه ليس فى الآية أكثر من ذكر رغبة الأولياء فى نكاح اليتيمة ، ولا يدل ذلك على الجواز ، لجواز أن يكون المراد أن تنكحوهن بإذن منهن إذا بلغن ، ويعترض هذا بأنه خلاف ظاهر الآية ، وبأنه مجاز لعلاقة الأوْل ، ولا دليل عليه ، فلا تحمل عليه ، أعنى بالأوْل أنه أراد تزوجهن إذا آل أمرهن ، إلى البلوغ ، لا مجاز الأوْل المشهور المتعاهد { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوَالِدَانِ } عطف عَلَى يتامى ، وكانوا لا يورثون الأطفال ، ولا من لا يقاتل كما لا يورثون النساء { وَأَن تَقُومُوا } عطف عَلَى يتامى ، وفى يتامى بدل فى النساء ، أو متعلق بيتلى ، فكأنه قيل فيهن فى يتامى النساء ، وفى أن تقوموا ، أو ما يتلى عليكم فى يتامى النساء ، وفى أن تقوموا ، أو عطف عَلَى هاء فيهن المضمرة المتصلة ، ولو بلا إعادة الجار ، لاطراد حذف الجار مع أن وأن ، عند أمن اللبس ، أو أن تقوموا لليتامى بالقسط خير لكم ، أو يقدر ويأمركم أن تقوموا { لِلْيَتَامَى بِالقِسْطِ } والخطاب لمن يصلح للقيام بمنافع اليتامى فى أموالهم ، وأبدانهم ، ومؤنهم ، وسائر مصالحهم من الأئمة والأولياء والمحتسبين { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ } فى اليتامى وغيرهم ، ودخل فى الخير ترك المحرمات لوجه الله كالزنى والربا { فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } فهو مجازيكم عليه إن لم تبطلوه .