Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 21-21)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أمْ حَسِب } إضرابٌ انتقالى توبيخى انكارى الى بيان حال المسيئين وحال المحسنين بالايمان ، والعمل بعد بيان حال الظالمين والمتقين أنهم لا يستوون ، وانما تغايرهم بعنوان الظلم والاتقاء ، وكسب للسيئات ، والايمان ، والعمل الصالح ، والا فالمجترحون للسيئات هم الظالمون ، والمؤمنون العاملون هم المتقون { الَّذين اجْتَرحوا } اكتسبوا ، ومنه تسمية الأعضاء جوارح ، وقولهم فلان جارحة أهله ، أى كاسب لهم ، وكلب الصيد وطائر الصيد جارحة أنه يكسب لسيده { السِّيئات } سيئات الشرك . روى قومنا : أن عتبه وابنه الوليد وشيبة قالوا لعلى وحمزة والمؤمنين : والله ما أنتم على شىء ، ولئن كان ما تقولون حقا لحالنا أفضل من حالكم يوم القيامة ، كما هو أفضل فى الدنيا ، فنزلت الآية رداً عليهم ، ويؤخذ من ذلك حكم الموحد الفاسق ، والموحد الموفى فالفاسق فى النار ، والموفى فى الجنة ، ولا مانع من حمل الآية عليهما وعلى المشرك ، وعلى هذا ففيها زيادة اقناط المشركين اذا كان الموحد الفاسق فى النار ، فالمشرك أولى بها ، وكذا إن حملت على الموحد المجترح للسيئات التائب ، والموحد الموفى ، ولا يعارض شمولهما قوله : { ساء ما يحكمون } إذ لا مانع من أن يقال للموحد المخطىء فى حكمه : ساء ما يحكم ، وقد تمثل بالآية تميم الدارى ، والربيع بن خيثم ونحوهما للموحد الفاسق ، والموحد الموفى ، مع ابقائها فى أهل الشرك ، أو حملوها على العموم فيها ، وفى المشرك ، أو فسروها بهما ، قال أبو الضحا : قرأ تميم الدارى سورة الجاثية ، فلما أتى على قوله : { أم حسب الذين } الخ لم يزل يبكى ويكررها حتى أصبح عند المقام . قال مسروق : قال لى رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك تميم الدارى ، ولقد رأيته ذات ليلة قائما لها حتى أصبح ، أو قرب أن يصبح ، يقرأ آية من كتاب الله عز وجل ، يركع بها ، يركع عنها أو يصلى بها ، لورود النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود ، أو جاز ذلك فى النفل ، وروى ابن أبى شيبة ، عن بشير مولى الربيع بن خيثم : أن الربيع كان يصلى فمر بهذه الآية : { أم حسب } الخ فكررها حتى أصبح ، وكان الفضيل بن عياض اذا قرأها قال لنفسه : ليت شعرى من أى الفريقين أنت ؟ وكان الخائفون يبكون لهذه الآية ، حتى انها تسمى مبكاة العابدين . ويؤخذ بالقياس أن الموحد المستغرق فى السيئات ، التائب لا يساوى العبد غير المستغرق فيها ، إلا إن كان أمر خارج أفضى الى المساواة أو العكس ، فان حاصل الآية مقابلة كل أحد بعمله ، إذ قال : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات } . { أنْ نَجعَلهُم كالَّذين آمنُوا وعملوا الصالحات } فى دخول الجنة كلا ، لا يدخلها مشرك ، ولا يترك عقابه ، أو فى استواء درجات الموحدين لا ، ومصدر نجعل مفعول به لحسب ، ولما اشتمل الفعل على المسند والمسند اليه قبل التأويل بالمصدر اكتفى به عن المفعولين أو حذف الثانى وجوبا ، أى سواء جعلهم كالذين آمنوا ثابتاً ، وهكذا فى مثل هذا المقام { سواء } خبر مقدم ، لأنه نكرة { مَحياهم } مبتدأ لأنه معرفة والهاء فيه وفى قوله : { وممَاتُهم } للذين اجترحوا السيئات وجاز أن تكون للمؤمنين ، وأن تكون للفريقين ، والجملة بدل من الكاف على أنها اسم ، أو من ثابتين بدل اشتمال بدل جملة من مفرد ، أجازه الفارسى وابن مالك ، ولا أقول بذلك ، بل نقدر الاستقرار فعلا ، أى يثبتون أو ثبتوا ، تكون الجملة بدلا من الجملة أو نبدلها من الجار والمجرور لنيابتهما عن الجملة المقدرة ، أو هذه الجملة مفعول ثان بعد مفعول ثان ، كما يتعدد خبر المبتدأ تقول : علمت زيدا عالما عاقلا ، ولا مانع من أن يقال : نصيرهم كالذين آمنوا ونصير محياهم ومماتهم سواء . وأجيز أن تكون بدل بعض أو كل لأنهما كما يكونان فى المفرد يكونان فى الجملة بلا ضمير يرجع للجملة ، إذ لا يرجع الضمير للجملة ، ويجوز أن تكون مستأنفة غير داخلة فى قوله : { أم حسب } بمعنى أنه لا بد من الانتصار للمظلوم من الظالم فى الدنيا والآخرة ، بحسب الأصل ، فان لم يكن فى الدنيا حال الحياة كان بعد الموت ، ومعنى انتفاء استواء حياتهم ومماتهم ، أنه لا يُرحم الكافرون كما يرحم المؤمنون ، ولا يُعذب المؤمنون كما يعذب المشركون ، ولو استووا فى الدنيا بالحياة ومطلق الرزق ، والمؤمنون مرحومون دنيا وأخرى ، والكفار دنيا فقط ، وحياة المؤمن على الطاعة ، والكافر على المعصية ، وموت المؤمن بالرضوان ، والكافر بالخذلان ، ولا يستوى المؤمن والكافر فى الآخرة ، كما استويا فى رزق الدنيا وحياتها ، بل للكافر النار ، للمؤمن الجنة { ساءَ ما يحْكمُون } ساء حكمهم بالمساواة على طريق الأخبار ، ويجوز أن يكون إنشاء للذم والمخصوص محذوف أى ساء حكمهم .