Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 10-10)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُل أرأيتُم إنْ كانَ } ما يوحى الى من القرآن ، ولو كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم لقال : ان كنت وكفرتم بى إلا أن يدعى أنه عبر عن نفسه بالرسول ، فرد الضمير اليه ، وهو خلاف الظاهر { مِن عنْد الله } لا سحر أو لا مفترى ، ولا تعليم بشر ، ولا أساطير الأولين كما تزعمون { وكفرتم به } عطف على كان من عند الله كما عطف بثم فى مثله ، وهو قوله تعالى : { قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به } وأى داع الى جعله حالا مع صحة العطف بلا ضعف ، ومع أن الأصل فى الواو العطف لا الحالية ، ومع أن الحال تحتاج الى تقدير قد ، أو أنتم قبل كفرتم أو الى المساهلة بعدم التقدير ، وذلك أن الفعل ماض متصرف مثبت . { وشَهِد شاهِدٌ مِن بني إسرائيل على مثله } مثل ما يوحى الى من القرآن ، وان رددنا ضمير كان الى الرسول رددنا اليه الهاء والحق أن الهاء للقرآن ، وفخم شاهد بالتنكير ، وبوصفه بأنه من بنى اسرائيل العالمين بشأن الوحى ، بما أتوه عن التوراة ، فاذا شهد على مثل القرآن بما فى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك ، كانت شهادته شهادة بالقرآن ، وقد قال الله عز وجل : { وإنَّه لفي زبر الأولين } [ الشعراء : 196 ] { إنَّ هذا لفي الصحف الأولى } [ الأعلى : 18 ] والمثلية تأدية ما فى القرآن بعبارة أخرى ، أو بأنه من عند الله ، أو على مثل شهادة القرآن لنفسه بأنه من الله ، كأنه لإعجازه يشهد لنفسه بأنه من الله عز وجل ، وقيل مثل كناية عن القرآن نفسه مبالغة كقولك : مثلك لا يفعل كذا ، تريد أنت لا تفعله ، واذا رد الضمير الى الرسول فالمثل موسى عليه السلام . { فآمَنَ } بالقرآن أى ظهر ايمان ذلك الشاهد به ، بسبب شهادته المطابقة للوحى ، ويجوز أن تكون الفاء للتفصيل ، فايمانه به هو الشاهد له ، وكذا ان رددنا الضمير الرسول ، فانه اذا شهد بمثله فقد شهد به ، فاذا شهد به فقد آمن به ، فانه اذا شهد أن صفته صفة النبوة ، فقد شهد له بها ، أو المثل هو الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم { واسْتَكْبرتم } عن الايمان ، والعطف على شهد شاهد ، أو على آمن ، لأن الايمان مقابل الاستكبار عن الايمان ، والمجموع معطوف معنى على الشرط . قال بعض المحققين : مجموع شهد شاهد ، وآمن واستكبرتم ، معطوف على مجموع كان من عند الله ، وكفرتم به ، مثل عطف مجموع الظاهر والباطن على مجموع الأول والآخر من المفرد فى قوله تعالى : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } [ الحديد : 3 ] قلت : هذا اعراب معنى لا يصح صناعة ، والأعراب الصناعة عطف كل واحد علىالأول ، الا ان كان العواطف مرتبة ، فكل واحد على متلوه ، أو اقترن بشيئان متناسبان ، فانه يعطف أخيرهما على أولهما ، مثل لفظ الظاهر والباطن ، ولا يتكرر استكبرتم مع كفرتم ، لأأن الاستكبار بعد الشهادة ، والكفر قبلها ، ولا مفعول لأرأيتم ، لأن معناه أخبرونا بالواقع ، والجملة مغنية عن جواب ان ، وقدر بعض أرأيتم حالكم ان كان من عند الله الخ ، فقد ظلمتم ، ألستم ظلمتم باحالكم مفعول أول ، والثانى ألستم ظلمتم معلق عنه ، وقد ظلمتم جواب ، وقدر الحسن الجواب : " فمن أضل منكم " لقوله تعالى : { قل أرأيتم إنْ كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد } [ فصلت : 52 ] وقدر بعض فمن المحق منَّا ومنكم ، ومن المبطل ، وقدر بعض تهلكوا وبعض جعله آمن أى فقد آمن محمد به ، أو فقد آمن الشاهد . وقدر بعض : أفتؤمنون لدلالة فآمن ، وأجاز بعض أن يكون قوله : " إن كان " الخ سادا مسد مفعولى رأيتم ، ويرده أنه لا يجوز ذلك بلا معلق ، والشاهد عبد الله بن سلام عند الجمهور ، وعليه ابن عباس ، فتكون الآية مدنية ، ويجوز أن تكون مكية ، نزلت لما سيكون كما أن القرآن كله خلق قبل آدم ، وما نزل قوله تعالى : { كما أنزلنا على المقتسمين } [ الحجر : 90 ] أى أنذر قريشا مثل ما أنزلنا على قريظه ، والانزال على المقتسمين بعد نزول الآية بسبع سنين ، فان كان ايمانه بعد نزول الآية فظاهر ، ولا فلا مانع من أن يقال : ارأيتم ان كان كذا مع أنه قد كان ، فيكون تذكيرا بالواقع ، واستشهادا به ، وقيل : نزلت فى المدينة ، والخطاب فيه لقريش . دخل صلى الله عليه وسلم وعوف بن مالك كنيسة اليهود يوم عيد ، فقال ثلاث مرات : " ليؤمن منكم اثنا عشر رجلاً يسقط الله تعالى عنكم الغضب " فلم يجيبوه ، فقال : " والله أنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفى ، آمنتم أو كذبتم " فانصرف على قرب من الباب ، فلحقه عبد الله بن سلام وقال قف ، فقال : ما أنا فيكم يا معشر يهود ؟ فقالوا سيدنا وابن سيدنا ولا أعلم منك ولا من أبيك ولا من جدك ، قال : انك النبى الذى نجده فى التوراة والانجيل ، قالوا : شرنا وابن شرنا كذبت ، وقيل : أسلم فقال : أدخلنى بيتا واسألهم عنى فانهم قوم بهت ، ففعل وسألهم فمدحوه بما مر ، وقال : " أرأيتم إنْ أسلم ؟ " قالوا حاشاه ، فخرج وأظهر اسلامه ، وقالوا شرنا وابن شرنا ، فقال : هذا ما أخاف منهم يا رسول الله . وفى البخارى ومسلم ، عن سعد بن أبى وقاص : ما سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لحى يمشى على الأرض انه من أهل الجنة الا لعبد الله بن سلام ، وانه الشاهد فى الآية ، بلغه قدوم النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى نخله ، فجاءه فقال أسألك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبى : وما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام يأكله أهل الجنة ، وبم يشبه الولد أباه أو أمه ، فقال : " أخبرني بهن جبريل آنفاً " فقال عبد الله بن سلام : هو عدو واليهود ، فقرأ صلى الله عليه وسلم : { من كان عدوّاً لجبريل فإنَّه نزله على قلبك } [ البقرة : 97 ] وقال : " أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب - يعنى إلى الشام لأنه غرب المدينة - وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت الحامل للدنيا ، وإنْ سبق ماء الرجل أشبه الولد ، وإنْ سبق ماؤها أشبهها " فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، اسأل اليهود عنى الى آخر ما مر . وروى سعيد بن جبير : الشاهد هو ميمون بن يامين ، وانه الذى آمن واختفى ومدحوه ، ولما أظهر اسلامه كذبوه وبهتوه ، ومن كذبهم ما قالوا من أنه صلى الله عليه وسلم أنه صحبه عبد الله بن سلام فى تجارة خديجة ، فعلمه الشرائع وأخبار الأمم ، وألف له القرآن ، ونسبوا القرآن المعجز الى عبد الله بن سلام ، وقيل : الشاهد موسى عليه السلام ، فقيل : شهد موسى على التوراة ، وهى مثل القرآن ، وشهد محمد على القرآن ، وكل يصدق الآخر ، فآمن من آمن بموسى والتوراة ، وكفرتم يا معشر العرب بمحمد والقرآن ، وذلك قول مسروق ، قال : والله ما نزلت فى عبد الله بل سلام ، لأنها مكية ، وعبد الله بن سلام أسلم بعد الهجرة ، وأقول : الشاهد فى الآية على عمومه أى شاهد كان . { إنَّ الله لا يهدي القَوم الظالمين } تعليل للاستكبار ، وايذان بأن سبب كفرهم به هو ظلمهم ، وهذا على أن ظلمهم غير ذلك الكفر .