Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-15)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ووَصينا } التوصية والايصاء التقدم الى أحد بما يعمل به ، مقترنا بوعظ وتأكيد { الإنسان } الجنس او الاستغراق حتى يشمل الصبيان ، فانهم موصون بالأعمال الصالحة ، ويثابون عليها ، ولا يعاقبون على شىء ، وكل طاعة أمر بها أو معصية نهى عنها فان الطفل داخل فيها إلا أنه لا يسمى فعله فسقا أو كفرا أو فحشا ، ووجه دخوله أن الأمر يكون للندب ، كما يكون للوجوب فقد يجوز الجمع بينهما بلفظ واحد ، فيدخل الطفل ، فيكون فى حقه للندب ، وفى حق المكلف للوجوب ، وكذا المحروم هو كراهة فى حق الصبى ، وهذا أولى فى الزجر والمحافظة على حقوق الوالدين ، والمتبادر الجنس ، وكثير ما يكون الشىء عاما ، والمقام ليس لذكر الاستغراق ، فيحمل على الجنس . { بوالديْه } أبيه وأمه ، ولو مشتركا اذا حكم الشرع بالشركة فى الولد { إحْساناً } اسم مصدر هو الاحسان مفعول به لوصينا لتضمنه معنى ألزمنا أو مفعول مطلق لتضمن حسنا معنى ، وصينا أو وصينا معنى أحسنا أى احسنا بالوصية للانسان بوالديه احسانا أو لتقدير وصينا الانسان ايصاء ذا حسن ، وقيل : وصينا الانسان أن يحسن بوالديه احسانا ، ولا يعلق الجار بحسنا بعده ، لأنه مصدر مقصود به ، أن والفعل ، وأما قوله تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة } [ النور : 2 ] فليس على معنى لا يأخذكم بهما أن ترأفوا فيجوز التعلق به ، وأما { فلمَّا بلغ معه السعي } [ الصافات : 102 ] فمع متعلق ببلغ ، والقاعدة التصرف فى الظروف والجار والمجرور لاحتياج الأشياء اليها ، فيقاس فيما لا ينحل الى حرف المصدر والفعل ، ويتوقف مع السماع فيما ينحل ، واذا عدى الحسن بالباء فهى للالصاق ، والآية نزلت فى الصديق رضى الله عنه ، الى " يوعدون " أسلم هو وأبواه كابن عمرو ، وأسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وإنما أسلم والد أبى بكر بعد الفتح والآية مدنية ، وقد قيل : قوله تعالى : { رب أوزعني } الخ بالنسبة الى أبويه دعاء بتوفيقهما للايمان . وروى أن أبا بكر صحب النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين فى سفر الى الشام فى تجارة ، فنزل تحت سمرة فقال له الراهب : انه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم ، فوقع فى قلبه تصديق الراهب ، فلم يكن يفارق النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر ، ولا حضر ، فلما بعث صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة آمن به ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، ولما بلغ أربعين قال : { رب أوزعني } الخ . { حملتْه أمُّه كرهاً } ذات كره ، أو حملا ذا كره أو مكروها لا بالذات بل من حيث المشقة ، فانها فى المشقة من حين ينتن فى البطن ، وصار علقة الى أن يولد ، وذلك مشقة النتن ، ومشقة كراهة بعض الأطعمة وثقله وتحركه { ووضَعتْه كرهاً } لمشقة الولادة ، ويقال أيضا بضم الكاف كما هو قراءة بعض ، ومعناهما واحد ، وقيل المفتوح مصدر بمعنى الحدث ، والمضموم اسم للحاصل من المعنى المصدرى ، وقيل : المفتوح المشقة التى تنال الانسان من غيره باكراه ، والله سبحانه وتعالى قهرها على الحمل والولادة الشاقين ، والكره ما يناله من ذاته ، وهو ما يعافه بالطبع والعقل أو الشرع . { وحَمْله } العلوق وما بعده { وفصاله } أى مدة حمله وفصاله ، وهو الفطام والمفاعلة على بابها ، وهو انفصال بينه وبين أمه فصلته وفصلها ، وكل منهما فاصل الآخر ، والاضافة للفاعل ، وقيل : خارجة عن بابها بمعنى فصلته عنها كما قرأ أبو رجاء والحسن وغيرهما ، وفصله أى وفطمه والاضافة للفاعل ، وقيل : الفصال فى الأصل المصدر ، والمراد الزمان ، وهو وقت الفطم ، وهو معطوف على مدة المحذوفة ، لكن ناب عنها حمله ، والفصال الرضاع التام الذى يعقبه الفطم ، وذكر المشقة والرضاع حضا على برّ الأم والاحسان اليها ، كل الاحسان لما تلقاه من الألم . " قال رجل : يا رسول الله من أبر ؟ قال : " أمك " قال : ثم من ؟ قال : " أمك " قال : ثم من ؟ قال : " أمك " فذلك ثلاث مرات ، قال : " ثم أباك " " وذلك دليل على أن الأم أعظم حقا ، وكذا ذكر مشافها فى الآية دليل على ذلك ثلاثا كما أفصح به الحديث عن الآية ، ولم يذكر مثل ذلك للأب بل ذكره فى المرتبة الرابعة من الحديث ، والجمهور على أن مدة الحمل أقلها ستة أشهر ، لأن من ثلاثين شهرا سنتين للرضاع ، كما قال الله عز وجل : { حولين كاملين لمن أراد أنْ يتم الرضاعة } [ البقرة : 233 ] فيبقى منها للحمل ستة أشهر ، وبه قال على وابن عباس ، والأطباء ، وشاهد جالينوس وابن سينا ولادة امرأة على مائة ليلة وأربع وثمانين ليلة ، وأما أكثر مدة الحمل فليس فى القرآن ما يدل عليها ، وقد ولدت امرأة ولداً لأربع سنين من حين الحمل ، قد نبتت أسنانه وأزمنة حمل الحيوان أكثر ضبطا من زمان حمل المرأة ، فقد تضع لسبعة أشهر ، وقلما يحيا ما وضعت لثمانية الا فى بلاد معينة كمصر ، ولو ولدت امرأة لأقل من ستة أشهر أى تحرك فى بطنها لأقل من أربعة أشهر ، من حين النكاح ، كان ولد زنى فترجم إلا إن كان زوج قبلها ، فيلحق به ، ولا رجم . ومن أرضعت بعد حولين فليس برضاع موقع للحرمة ، وقيل رضاع ان كان قويا مغذيا ، وقيل : رضاع مطلقا وان أرضعت من له أكثر من حولين ، فليس محرما لها ، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا قال ابن عباس : اذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت واحدا وعشرين شهرا ، واذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا ، وعن أبى حنيفة : المراد فى الآية الحمل بالأكف . { حتى إذا بَلَغ } عاش حتى اذا بلغ { أشدَّهُ } قوة عقله وبدنه ، وقيل ثمانى عشرة سنة الى اربعين ، وذلك قوته الشديدة ، وقيل تشتد قوته وعقله اذا زاد على ثلاثين ، وناصح أربعين ، وعن قتادة : فى ثلاثة وثلاثين ، فيقال : أول الأشد ما ذكر ، وتمامه أربعون وهو اسم جمع ، وعن سيبويه جمع شدة . { وبَلَغ أربعين سنَةً } عطف تفسير فسر بلوغ الأشد ببلوغ أربعين سنة ، والأولى أنه غير بلوغ الأشد ، فهو ما قبل أربعين فى قرب منها ، وتكمل القوة عقلا وبدنا بتمام أربعين ، وكذلك كان غالب النبوة على تمام أربيعن قلت : النبوة قبلها كما قيل فى يحيى وعيسى أنهما نبيان فى زمان الصبا قال الله تعالى : { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً } [ مريم : 30 ] وقال : { وآتيناه الحكم صبياً } [ مريم : 12 ] وقيل هذا اخبار عما سيحصل لهما على تمام الأربيعن ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله يجر يده على وجه من زاد على أربعين ولم يتب ، ويقول بأي وجه لا يفلح " أى متعجبا من عدم فلاحه مع بلوغ أربعين ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " من أتى عليه أربعون سنة ، ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار " . { قال ربِّ } يا رب { أوزعْنِي } حضضنى { أنْ أشْكر } على أن أشكر { نعْمتك التي أنعَمتَ علىَّ وعَلى والدىَّ } من الايجاد ، وصحة البدن والعقل ، ودين الاسلام ، نزلت فى أبى بكر وقد أسلم هو ووالده ، وهى على عمومها فيمن يقول ذلك ، وفيمن نعمة والديه نعمة الدنيا والدين { وأنْ أعْمل صالحا } فريقا كثيرا من العمل الصالح { ترضاهُ } بأن لا يخالطه اهمال أو رياء أو خلل أو عجب ، وغير ذلك مما يفسده أو ينقصه ، والرضا القبول ، وقيل الرضا الثواب تسمية بالملزوم ، والسبب باللازم والمسبب ، وفسره بعض بالارادة ، ولا يصح إلا أن عنى بالارادة ، الحب . { وأصْلح لي في ذرِّيتي } اجعل الصلاح راسخا فيهم ، نزل أصلح منزلة اللازم فعدى بفى للدلالة على الرسوخ فيه ، وزعم بعض أن المراد ألطف بى فى ذريتى ، أجاب الله دعاء أبى بكر رضى الله عنه ، فأعتق تسعة من المؤمنين ، يعذبون فى الله تعالى ، منهم : بلال وعامر بن فهيرة ، ولم يرد شيئا من الخير الا أعانه الله تعالى عليه ، ودعا أيضا فقال : أصلح لى فى ذريتى ، فلم يكن له ولد إلا آمن ، فاجتمع له اسلام أبيه أبى قحافة ، وعثمان بن عمرو وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو وأولاده ، أدرك أبوه وولده عبد الرحمن ، وولد عبد الرحمن ، واسمه محمد ، وكنيته أبو عتيق ، النبى صلى الله عليه وسلم ، وآمنوا به ، ولم يجتمع لغيره من الصحابة ذلك أسلم هو وأبواه وبنوه وبناته وولد ولده ، زاد عليه النبى بعامين أوحى اليه على أربعين عاما ، وآمن به أبو بكر وهو ابن ثمان وثلاثين ، والآية فى سعد بن أبى وقاص عند بعض ، وصحح أنها فى أبى بكر ، وقيل : على العموم . روى أنه صاحب وهو ابن ثامنى عشرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن عشرين سنة فى تجر الى الشام ، وقعد فى ظل سدرة ، ومضى أبو بكر الى راهب يسأله عن الدين ، فقال : من فى ظل السدرة ؟ فقال : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فقال : هذا والله نبى ، ما استظل بعد عيسى تحتها أحد الا هذا ، وهو نبى آخر الزمان ، وصدقه أبو بكر ، فكان لا يفارق النبى صلى الله عليه وسلم ، فى حضر ولا سفر { إنِّي تُبتُ إليْك } من كل حرام ، وكل مكروه ، { وإنِّي مِن المُسْلمين } المخلصين أنفسهم لك .