Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-4)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فإِذا لقِيتُم الَّذين كَفَروا } إذا كان صلاح المؤمنين وفوزهم ، وضلال الكفرة وخسرانهم ، مما يوجب ترتب الأحكام عليهم ، كل بما يليق به ، فاذا لقيتم الكفرة فى المحاربة الى قوله : { بعضكم ببعض } ورتب على الفريق الآخر قوله : { والذين قتلوا } الخ وبدأ بالذين كفروا ، لأن التكليف يكون بمعالجتهم ، وشأن الخلق ، والدنيا التكليف ، وباتباعه يحصل الدين والدنيا ، والعبادة ، ودون ذلك ما هو اخبار بالثواب على ذلك ، فأخر ذكر الثواب ، واللقاء والملاقاة ، أو اللقاء المعبر عن الحرب . { فَضَرب الرقاب } فاضربوا الرقاب منهم أولهم ، أو رقابهم ضربا ، فحذف اضربوا ، وأضيف ضرب للمفعول ، ومثل هذا المصدر نائبا عن عامله ، ولم يرد فائدة عليه ، فليس فيه توكيد ولا بيان نوع باضافته إلا بحسب ظاهر اللفظ ، لأنه ترجمة عن نصب المضاف اليه بالعامل المحذوف قبل الحذف ، والتأخير خلافا لمن ادعى التأكيد ، وضرب الرقاب كناية عن القتل مطلقا ، وخصت الأعناق بالذكر لأنه أشنع قتله ، وأسرع للموت ، إذا أطير الرأس ، أو بقى ملصقا بقليل ، مائلا وكأنه غير صورة آدمى ، وفى الرأس مجمع حواس الانسان ، وهكذا ينبغى أن يكون القتل ، وفيه تشجيع المؤمنين الى هذه القتلة بحسب الامكان . { حتَّى إذا أثْخنْتُموهم } أفشلتموهم بشدة القتل وكثرته افاشالا ، كاثخان المائع عن الحركة بضبطه فى اناء ، ومنعه عن الحركة ، يقال ثخن المائع أى سكن عن الحركة { فشدُّوا الوثّاق } فاربطوا من بقى منهم فى الحبال ، وجوامع الحديد ، ربطا شديدا ، والباقى إما مقبوض عليه وهو صحيح ، أو ضعيف بالجروح ، أو ملقى على الأرض لا يستطيع النهوض ، والوثاق ما يربط به أو يحبس به من حبل أو جامعة { فإمَّا منّاً بعْدُ وإمَّا فداءً } إما تمنون منا عليهم بعد الشد ، وإما تفادون فداء ، والمفاداة هنا قبول الفداء أو طلبه ، ولا قتل بعد الإثخان ، بل يمن عليهم بالاطلاق أو بالاستعباد ، وترك القتل ، أو بالفداء ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى فى سورة براءة ، وهى آخر ما نزل فى هذا الشأن : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] وقوله تعالى : { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم } [ الأنفال : 57 ] الآية ، قال مجاهد : ليس اليوم مَن ولا فداء ، لكن القتل أو الاسلام . وقيل : آية براءة فى غير الأسرى ، بدليل أنه يجوز الاسترقاق ، قيل : اما الاسلام واما القتل لا فداءَ ، ولا أسر ، وجاء الحديث بما يفيد أن جريح المشركين وهاربهم يتبع فيقتل ، ولو لم يكن له ملجأ ، ولا من يستعينون به ، وان جريح الموحدين الذين حل قتالهم لا يقتل ، وهاربهم لا يتبع ، ان لم يكن له ملجأ ، وقيل : المن والفداء فى أسرى بدر فقط ، وان الآية فيهم ، وأما غير بدر فلا فداء ولا أسر ، بل القتل ، وقيل : يجوز الفداء ويجوز القتل ، وقيل بظاهر الآية اما فداء واما منّ لا نسخ فى ذلك ، وبه قال الحسن وابن عمر . كما روى أن الحجاج أتى بأسرى فدفع لابن عمر واحدا يقتله ، وقال : ما أمرنا بهذا وتلى الآية ، ويدل لجواز القتل أنه صلى الله عليه وسلم قتل عقبه بن أبى معيط ، وطعيمة بن عدى ، والنضر بن الحارث بعد القبض عليهم ، ومذهبنا جواز قتل الأسير وهو أولى لدفع شره واسترقاقه ، ومفاداته لأن فيهما نفعا للاسلام ، واطلاقه بحسب رأى الامام ، وعليه الأكثرون ، ومن المن أن يسترق ، ومنه أن يترك على اعطاء الجزية ان كان كتابيا أو مجوسيا ، والقول بالنسخ قول ابن عباس والضحاك ، وقتادة ومجاهد ، ويكاد يجمع عليه ، ولكن ان أسلم الأسير أو الجريح لم يقتل ، ويجوز أن يستعبد ، لأن العبد اذا أسلم جاز بيعه وهو باق على العبودية ، واذا جاز استعباده جاز مفاداته ، يتخلص بها عن الاسترقاق إلا مشركى العرب ، والمرتدين منهم ، فاما أن يسلموا أو يقتلوا ، ولا يقتل الرجل أسيره أو أسير غيره بلا إذن من الامام ، والا عزره الامام ان وقع على خلاف مقصود الامام ، لكن لا ضمان عليه ، إلا إن قتله خوف أن يضره فلا ضمان ولا تعزير ، ومن أسلم قبل الأسر خلى سبيله وهو حر مسلم . ومن الخطأ الفاحش الذى لا يخفى على العاقل ما نسب ليعقوب المنصور إذ منح الله عز وجل له النصر فى أندلس على أدفنوش وجنوده ، وهزمهم الله هزيمة عظيمة وقتل منهم مائة ألف ، وأسر أربعة وعشرين ألفا ، وأطلقهم كلهم ، وأدفنوش من الجلالقة ، وهم المسمون الآن أسبنيول ، ولا يفادى بالأسير مسلم فى رواية عن أبى حنيفة ، لأن فى رد الأسير المشرك اليهم ، فيكون حربا مضرة لجميع المسلمين ، والصحيح الجواز ، وهو رواية عنه ، وهو قول محمد وأبى يوسف والشافعى ومالك وأحمد ، لحرمة المسلم وتخليصه من أهل الشرك ، وتمكينه من عبادة الله ، ومضرة ذلك المشرك للمسلمين غير لازمة لعلها لا تقع ، وأيضا فدى صلى الله عليه وسلم رجلين مسلمين بأسير كافر كما فى مسلم وأبى داود والترمذى وغيرهم ، عن عمران بن حصين ، وتجوز المفاداة بالنساء على الصحيح ، كما روى أنه صلى الله عليه وسلم أمَّر الصديق رضى الله عنه على غزوة فأعطى من الغنيمة سلمة أمرأة ، فسأله صلى الله عليه وسلم أن يهبها له ، ولم يفعل وقال : إنها أعجبتنى يا رسول الله ، ما كشفت لها ثوبا ، ولقيه غدا فى السوق فقال : " هبنى امرأة " فقال : هى لك يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا ففدى بها رجالا مسلمين من مكة ، وفى المفاداة بالصبى قولان . ويجوز فداء مسلم بأسير مسلم ان طابت نفسه وأمن على ايمانه أن لا يرتد ، وقيل : لا ، ويجوز فداء مسلم بمال لعظم حرمته ، ولا عبرة بما يتوقع من تقوى المشركين بذلك المال ، ولا يحسن اطلاق الأسير المشرك الى أهله بلا عرض ، ولا رجاء مصلحة فى ذلك للاسلام ، وأطلق صلى الله عليه وسلم جماعة من أسرى بدر منهم : أبو العاصى بن أبى الربيع ، وأجاز فداء بنته صلى الله عليه وسلم لأبى العاصى ، وقد كان زوجها بقلادة أعطتها اياها خديجة رضى الله عنهما ، وسألهم صلى الله عليه وسلم أن يطلقوه ويردوا لها قلادتها ففعلوا فرحين . وأطلق صلى الله عليه وسلم تمامة بن أثال بن النعمان ، وأسلم بعد ، كما فى مسلم ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد ، فأتوا بتمامة وهو رجل من بنى حنيفة فربطوه فى المسجد على سارية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " ما عندك يا تمامة ؟ " فقال : خير إن تقتل تقتل ذا دم ، وان تنعم تنعم على شاكر ، وإن أردت المال فلك ما تريد ، وقال له مثل ذلك من الغد ، فأجاب بذلكن وكذا فى الثالث ، وقال : " أطلقوا تمامة " " فأطلقوه ، وذهب الى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل وجاء فقال أشهد ان لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، ولا وجه أحب إليَّ من وجهك ، بعد أن كان أبغض الوجوه إليَّ ، ولا دين أحبُّ إليَّ من دينك بعد أن كان أبغض الأديان إليَّ ، ولا بلد أحب إليَّ من بلدك بعد أن كان أبغض البلاد إليَّ يا رسول الله أخذتني خيلك ، وأنا أريد العمرة ، فأمره أن يعتمر فقال له أهل مكة : أصبوت ؟ فقال : لا بل أسلمت ، والله لا يأتيكم حبة حنطة من اليمامة حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، اسرت ثقيف مسلمين وفداهما صلى الله عليه بكافرين ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لو كان مطعم بن عدي حياً وسئلت إطلاقه لفعلت " فهذه اجازة للاطلاق بلا عوض ، ويجوز الفداء ولو بعد قسمة . { حتى تضَع الحربُ أوْزارها } حتى تنقضى الحرب ، وحتى فيها غاية راجعة الى ضرب الرقاب ، أو إلى الشد أو الى المن والفداء أو اليهما أو الى الكل بمعنى امتداد ضرب الرقاب وشد الوثاق والمن أو الفداء ، أو إليهما أو الى الكل بمعنى امتداد ضرب الرقاب ، وشد الوثاق ، والمن والفداء ، جاز حتى تزول شوكة المشركين ، أو ينزل عيسى عليه السلام ، ويخرج يأجوج ومأجوج ، قال رجل : يا رسول الله ان الخيل سيبت ، ووضع السلاح ، وزعموا أن قد وضعت الحرب أوزارها ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كذبوا فالآن جاء القتال ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون في سبيل الله ، ولا يضرهم من ناوأهم حتى تقوم الساعة ، ولا تزال الخيل معقوداً في نواصيها الخير حتى تقوم الساعة ، ولا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج " وأل للجنس ، وان جعلنا الحرب حرب بدر فأل للعهد ، وأوزار الحرب آلاتها من السلاح وغيره ، وأصل الوزر الحمل أو الثقل استعير لآلات الحرب ، أو شبه الحرب بانسان حامل لشىء ثقيل ، ورمز لذلك باثبات ما هو ثقيل على التخييل أو ذلك استعارة تمثيلية ، واضيفت الأوزار للحرب تجوزا فى النسبة الاضافية ، وفى ذلك تغليب على حيوان الحرب كالخيل ، وما يحتاج اليه فيها من الابل وغيرها ، وقيل : حتى يضع أهل الحرب أوزارها أى أسلحتها . وقيل : الحرب اسم جمع مثل الركب ، أى المحاربون المسلمون ، وقيل المحاربون المشركون ، وأوزارهم ذنوبهم ، ووضعها تركها بالتوبة والايمان ، وذلك ضعيف ، يضعف ما قيل : ان الأوزار الشرك والمعاصى ، وتضع بمعنى تترك ، واسناد الترك اليها مجازا ، ويقدر مضاف أى حتى يضع أهل الحرب أوزارها ، والمعنى حتى تضع حربكم أوزار المشركين ، بأن يسلموا أويسالموا ، ووجه الضعف أنه لا يحسن اضافة الذنوب الى الحرب . { ذلَك } المذكور من ضرب الرقاب ، وشد الوثاق ، والمن والفداء الاثخان ، خبر لمحذوف أى الأمر ذلك ، أو مفعول أى ألزموا ذلك ، فان الحكمة او المشيئة اقتضت تكليفهم به { ولو يشاء الله } الانتصار لكم بلا قتال { لانْتَصر } انتقم لكم { منْهُم } بخسف أو رجفة أو غرق أو موت جارف { ولكِن ليَبْلوا } أى أمركم بالقتال ليبلوا { بعضَكُم ببعضٍ } يبلو المؤمنين بجهاد الكافرين لنيل الأجر ، والكافرين بالمؤمنين ليقتلهم انتقاماً بهم ، وليتعظ بعض ، ويرتدع آخرون . { والَّذين قُتلِوا في سَبِيل الله } الكفار أراد العموم ، فالذين كاسم الشرط ، ولذا قرن خبره بالفاء كما قال : { فَلَنْ يُضل أعمالهم } لن يضيعها ، بل يثيبهم عليها ، وهى قتالهم وسائر أعمالهم الصالحات ، والمراد اعتبارها ، وأن لا يتركها ، وأما نفس الثواب فقد ذكره بعد ، وذلك بالعموم أولا وبالذات ، من نزلت فيهم إذ نزلت فى يوم أحد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعب ، وقد فشت فيهم الجراحات والقتل ، حتى : قيل : انه قتل من المسلمين سبعون ، وأسر سبعون ، كما فعل بهم المسلمون يوم بدر ، ونادوا على هبل ، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجلّ ، ونادوا : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال لنا عزّى ولا عزّ لكم ، أرادوا بذكرها تغييظ المسلمين ، والاشعار بالثبات على الكفر ، والتلويح بأنها نصرتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله مولانا ولا مولى لكم قتلانا أحياء مرزوقون وقتلاكم في النار يعذبون فالقتلى مختلفة " رواه الطبرى وغيره .