Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 10-10)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إنَّ الَّذين يُبايعُونَك } يوم الحديبية على الموت ، عند سلمة ابن الأكوع وعلى ، أن لا يفروا عند ابن عمر وجابر ، وفى البخارى ومسلم عن زيد بن عبيد ، قلت لسلمة بن الأكوع : على أى شىء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : على الموت ، وفى مسلم ، عن معقل بن يسار : لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبى صلى الله عليه وسلم يبايع الناس ، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه صلى الله عليه وسلم ، ونحن اربع عشر مائة ، ولم نبايعه على الموت ، بل على أن لا نفر ، ويجمع بين الحديثين بأن جماعة بايعته على الموت يقاتلون حتى يموتوا أو ينصروا ، أو يكون امر من الله عز وجل ، منهم : سلمة وجماعة على أن لا يفروا ، منهم : معقل ، والمضارع للحال الماضية المحكية . وقيل : نزلت قبل الحديبية ، فالمضارع للإستقبال كذا قيل ، وليس كذلك ، بل لحكاية الحال الماضية لأن الآية بعد المبايعة ، والمبايعة الانقياد للطاعة ، وفى ذلك تلويح الى قوله تعالى : { إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } [ التوبة : 111 ] الخ اذا بايعوه على الموت ، وهذا فى قول ابن الأكوع ، وبيعته الحديبية هذه بيعة الرضوان ، والياء مشددة عند عامة المحدثين ، وتخفيفها أفصح ، وهى قرية ليست كبيرة ، بينها وبين مكة مرحلة أو أقل ، سميت ببئر هنالك ، وجاء فى الحديث : " أن الحديبية بئر " ويقال شجرة حدباء ، ولعلها حدبت عليه صلى الله عليه وسلم وقيل : كانت حدباء قبل نزوله . { إنَّما يُبايعُون الله } يُطيعون الله ، وسمى اطاعته مبايعة لمشاكلة قوله تعالى : { يبايعونك } أو سماها مبايعة تسمية للمسبب أو اللازم بلفظ السبب أو الملزوم ، فان المبالغة تستلزم الطاعة وتتسبب لها ، وانما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم مبايعة لله تعالى ، لأن المقصود من مبايعته امتثال أوامره { يَد الله فوق أيديهم } منة الله تعالى بالهداية فوق نعمهم التى هى مبايعة كل واحد منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانه الذى وفقهم للمبايعة ، قال الله تعالى : { يمنون عليك أنْ أسلموا قل لا تَمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أنْ هداكم للإيمان } [ الحجرات : 17 ] وقال الزجاج : يد الله فى الوفاء فوق أيديهم فيه ، أو يد الله فى الثواب فوق أيديهم فى الطاعة ، كما قال الزجاج ، أو قوته تعالى ونصرته فوق قوتهم فيها ، فثق بنصره تعالى لا بنصرتهم ، ولو بايعوك ، وذكر ذلك بيد الله مشاكلة لقوله : { أيديهم } أو أيديهم على شاهدها . ويد الله نعمته أو ما مرّ ، وعلى كل حال من يطع الرسول فقد اطاع الله ، كما قال الله عز وجل ، وقيل : وفى اليد استعارة تخييلية مبنية على استعارة مكنية ، هى أنه شبه الله تعالى بانسان مبايع ، ورمز لذلك بلازم الانسان ، وهو اليد ، قلت : يقبح أن يقال : شبه الله بكذا ، ولو كان المعنى على غير التشبيه ، والا فقل شبه فعله تعالى وهو نصره ، لأن فعله تعالى مخلوق له تعالى بالانسان ، ورمز باليد . والحاصل مطلقا أن عقد الميثاق معه صلى الله عليه وسلم عقد له مع الله تعالى ، والله منزه عن الجوارح ، وأخطأ من أثبت اليد وقال بلا كيف فما يفيده قوله : بلا كيف ، والجملة مستأنفة أو خبر ثان لأن . { فمن نكَثَ } نَقَضَ العهد { فإنَّما ينْكُث عَلى نَفْسه } يجنى على نفسه بالنكث وضرره عليه ، قال جابر بن عبد الله : ما نكث البيعة إلا جد بن قيس ، وكان منافقا ، وقيل : لم يبايع ، اختبأ تحت بطن بعير ، ففى مسلم : سئل جابر : كم كانُوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة ، وعمر رضى الله عنه آخذ بيده صلوات الله تعالى وسلامه عليه تحت الشجرة ، وهى سمرة فبايعناه غير جد بن قيس الأنصارى ، اختفى تحت بطن بعيره ، وهذا أوفق بقوله تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذْ يبايعونك } [ الفتح : 18 ] فأسند المبايعه الى المؤمنين ، وليس جد بن قيس مؤمنا بل منافقا إلا أنه يحتمل الجمع بأنه وافق أولا على المبايعة ، ولما كان انجاز المبايعة بعد تحت الشجرة ، لم يبايع ، والآية تدل على وجوب الامامة الكبرى ، ونصح الناس ، وكل آية أوجبت الاقامة للعدل أو اقامة للدين ، فهى موجبة بالامامة ، فهى من القرآن استنباطا ، وكذا فى الأحاديث . وكذا ذكره صلى الله عليه وسلم امامة الصديق ، وامامة عمر لعائشة وحفصة ، وأوصى الصديق بها على عمر ، وجعلها عمر شورى ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر باتباع الأئمة ما داموا على الحق فوجوبها بشرع ، وزعم أبى حظو البلخى والبصرى من المعتزلة : أن نصب الامامة واجب على الله تعالى ، وهو خطأ فانه لا واجب على الله ولا محرم ، وكذلك قالت الامامة من الشيعة كالمعتزلة ، انما يجب الشىء أو يحرم من الأعلى على الأدنين ، ولا أعلى من الله ، ولا مساوى ، ومعنى : { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } [ الروم : 47 ] وقوله تعالى : " حرمت الظلم على نفسي " حكمت بذلك . وقالت الخوارج والأصح من المعتزلة ، أنه لا يجب على الناس نصب الامام ، ومنهم من قال بوجوب نصبه عند ظهور الفتن ، ومنهم من عكس ، والحق وجوب نصب الامام اذا أمكن ، لأن أمرنا باق من الدين ، ولا سبيل الى اقامته الا بوجود الامامات على أنفس الناس واهلهم وأموالهم ، ومنع تعدى بعض على بعض ، وذلك لا يصح الا بوجود امام يخافون سطوته ، ويرجون رحمته ، ويرجعون اليه ، ويجتمعون عليه ، وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب ، فنصب الامام واجب ، وجب أن يكون واحد لئلا يختلفا ، فيكون الفساد . ولا يجب أن يكون الامام أفضل القوم خلافا للاسماعيلية المنسوبين الى اسماعيل بن جعفر الصادق ، المدفون بالقرب من البقيع ، المسمى بالباطنية ، لقولهم : لكل ظاهر باطن ، وبالصلاحات لعدولهم قصدا عن ظواهر الشرع الى بواطن يدعونها فى بعض الأحوال ، وذلك تحريف وخروج عن الدين ، وليس ذلك تصوفا لأن المتصوف يثبت الظاهر ويستنبط منه معنى باشارة ، ويكون الامام من قريش اذا وجد وصلح ، لا امامة والا فمن غيرهم ، ولا يجب أن يكون من بنى هاشم . وزعم الرافضة أنه لا بد أن يكون به علويا ، وقيل : ان لم يوجد قريشى فمن كنانة ، وينعزل بالفسق ان أصر عليه خلافا للأشعرية ، وذكر ابن العربى : أنه اذا كان الامام لا ينظر فى أحوال الناس ، ولا يمشى فيهم بالعدل ، فقد أزال نفسه من الامامة فى نفس الأمر دون الظاهر ، واختار أنه اذا فسق انعزل فيما فسق فيه ، لأنه لم يحكم فيه بما انزل الله تعالى ، وقد أثبت لهم فى الحديث اسم الامامة ولو جاروا . ولا يكون الامام بدويّاً أو عبدا أو طفلا أو جبانا ، أو أعمى أو أصم أو أبكم ، أو لا رأى له ، وان لم يجدوا إلا بدويا نصبوه . { ومَن أوفَى بما عاهد عليْه الله فَسيؤتيه أجْراً عظِيماً } من اسم شرط ، وأوفى فعل ماض لا اسم تفضيل ، وهو مرادف لِوَفَّى ، والأجر العظيم الجنة وما فيها مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .