Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-12)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيقُول لك المخلَّفون } الذين تركتموهم خلفكم ، ولم يخرجوا معكم الى مكة عام الحديبية معتمرين { مِن الأعراب } عرب البدو لا واحد له من لفظه الا بالنسب ، تقول : جاء أعرابى ، وقل مفرده عرب على العموم ، ثم خص بأهل البدو ومنهم ، والمخلفون منهم : جهينة ، ومزينة ، وغفار ، وأشجع ، والصمايل ، أو سلم ، وديل ، ونخع ، طلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا معه للعمرة حذرا من قريش أن يتعرضوا له بحرب ، أو يصدون عن البيت ، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم ، وساق معه الهدى ، ليعلم أنه ما أراد حربا ، فامتنعوا لما رأوا أنه استقبل صلى الله عليه وسلم عددا عظيما من قريش وثقيف وكنانة والأحابيش ، وهم القبائل المجاورون حول مكة ، وقالوا : كيف نذهب الى قوم عزوه فى داره وقتلوا أصحابه ؟ وقالوا ولم يتمكن الايمان فى قلوبهم : لن يرجع محمد وأصحابه من هذه السفرة ، فأوحى الله تعلى اليه بما قالوا ، فأخبرهم بما قالوا قبل أن يصل اليه رسولهم به ، وباعتذارهم المذكور فى قوله تعالى : { شَغَلتْنا } عن السفر معك الى مكة للعمرة { أموالنا وأهْلونا } اذ لا حافظ لها بعدنا ، وأخروا ذكر الأهل للترقى ، بأن يذكروا شيئا فشيئا فيختموا بما يكون حجة لا ترد ، وان رد ما قبلها لا للاهانة ، لأن المحافظة على النسوة والمماليك والأولاد أهم عند ذوى الغيرة ، من المحافظة على الأموال ، وذلك مطبوع فى القلوب . { فاسْتَغْفر لنا } ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك ، فانه لم يكن لتكاسل أو لحب خذلان لك ، بل لذلك الشغل ، وقوله تعالى : { يقُولُون بألْسِنَتهم ما لَيسَ في قلوبهم } مستأنف لتكذيبهم إذ قالوا : تخلفنا لذلك الشغل ، وفى قلوبهم أنهم تخلفوا لخذلانه ، ولخوف أن يقتلوا وبخلا بمئونة السفر ومشقته ، وإذ طلبوا الاستغفار طلب المعترف بالذنب ، وفى قلوبهم أنهم لم يذنبوا فى تخلفهم ، وأطلت الكلام على الكذب عند النظام وغيره فى موضع آخر . { قُل } رداً عليهم { فمن يمْلكُ } عاطفة فى الأصل على كلامهم ، وأما فى الحال فمما نصب بالقول ، كأنه قيل اعطف على كلامهم بقولك ، فمن يملك أو فى جواب شرط محذوف ، والكل وما بعده منصوب بقول ، أى قل ان كان ذلك فمن يملك الخ ، والملك التغلب على الشىء بقوة وضبط ، قال شيخ من العرب : أصبحت لا أملك رأس البعير ، ان نفر ، أويقال : ملكت العجين اذا شددت عجنه ، فمعنى الآية من يستطيع لكم امساك شىء من قدرة الله تعالى ان أراده بكم { لَكُم } هذه اللام صلة للفعل قبلها وهى للتمليك والنفع ، والقول بأنها للبيان ، أى أعنى لكم تخليط وزيادة معنى غير مراد { مِن الله } من للابتداء متعلق بيملك كما تعلقت به اللام ، أو بمحذوف حال من قوله : { شيئاً } نفعا ، أو دفع ضر ، ودفع الضر نفع فصح أن اللازم للتملك والنفع ، ولا ينافى هذا النفع عموم قوله : { شيئاً } للضر لما عملت أن دفعه بقوله : { إنْ أراد بكُم ضراً } ايقاع الضر { أو أراد بكُم نفْعاً } ايقاع النفع ، والضر والنفع باقيان على المعنى المصدرى ، ويجوز تفسيرهما بمعنى الوصف أى الأمر الضار أو النافع ، كأنه قيل : ما يضر وما ينفع ، وقدر بعض من يملك لكم شيئا ان أراد بكم ضرا أو من يحرمكم النفع ، ان أراد بكم نفعا ، وهذا تفسير ليملك بدفع المضرة هنا ، كقوله تعالى : { فمن يملك مِنَ الله شيئاً إنْ أراد أنْ يَهلك المسيح ابن مريم } [ المائدة : 17 ] الخ ، وقوله : { ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً } [ المائدة : 41 ] وأنت خبير أن دفع الضر نفع ، ولا نسلم أن قولهم ملك له كذا مختص بدفع الضر ، ومثل ذلك قوله تعالى : { قل مَنْ ذا الذي يعصمكم من الله إنْ أراد بكم سوءاً وأراد بكم رحمة } [ الأحزاب : 17 ] والمراد عموم كل نفع ، وكل ضر لا خصوص اضاعة الأهل والمال وحفظهما ، كما زعم بعض ، لأن العموم يفيدهما وزيادة ، ولا دليل لذلك الزعم فى تهديدهم بقوله : { بلْ كانَ اللَّهُ بما تَعْملون } من الخذلان وسائر المعاصى { خَبيراً } فيجازيكم عليه ، والاضراب ببل انتقالى ، وكذا فى قوله : { بلْ ظنَنْتم أنْ لن ينْقَلب } يرجع { الرسُول } الخ والاضرابتان مقصودتان كل واحدة عما قبلها ، قيل : وفى الأخيرة بدل من قوله : { بل كان الله } الخ وتفسير لما فيه من الابهام ، وان شئت فاضرابات ثلاثة ، والثلاثة : { وَزُيِّنَ ذلك } او الثالثة { ظننتم ظن السوء } على ان المراد ظنهم السوء عموما لا خصوص ظن أن لن ينقلب الرسول ، وقيل : هو بيان للعلة فى تخلفهم ، والمعنى أن اعتذاركم بالأموال والأهلين كذب ، ليس ذلك مرادا ، بل خفتم أن يقتل النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فتقتلوا معهم ، كما قال : { أنْ لنْ ينقلب الرسول } { والمؤمنون إلى أهليهم } عشائرهم وقربائهم ، ومن جاورهم { أبداً } بان يقتلهم المشركون ، أو يقتلوا ويأسروا بعضا ، وقالوا : محمد ومن معه أكملة رأس بفتح الهمزة والكاف ، أى عدد قليل كمقدار عدد يشبعهم رأس ناقة أو بعير بالنظر الى من فى مكة وحولها ، أو بضم فاسكان ، أى كرأس مأكول ، وجمع أهل جمع السلامة لمذكر فصيح استعمالا ، شاذ قياسا ، لأنه ليس عملا ولا وصفا ، ولا يخرجه عن الشذوذ تأويل بالوصف ، وأبدا تأكيد لمعنى لمن ، وهو التأبيد فى النفى على أن لن للتأبيد . { وزيِّن ذلك } زين الشطان أو الله بخذلانه { في قُلوبكُم } ذلك الظن المدلول عليه بظننتم ، أو ذلك المظنون الذى هو انتفاء انقلاب الرسول والمؤمنين الى أهليهم أبدا ، والأول أنسب بقوله : { وظنَنْتم ظنَّ السَّوءِ } أى استمررتم عليه فاشتغلتم بأموالكم وأهليكم ، ولم تبالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وانما اولت الظن بالاستمرار لئلا يتكرر مع ما قبله ، أو كرر للتأكيد ، أو ليجمعه تأكيدا مع ما بعده من كونهم قوما بورا ، كقولك : قبح الله عمرا يزنى يزنى ويسرق بذكر يزنى مرة ثانية ليكون كقولك تصريحا قبحه الله ، يزنى ويجمع مع الزنى السرقة ، وأل فى ذلك كله للعهد فى ظن انتفاء انقلاب الرسول والمؤمنين ، وان جعلناها للجنس كان الظن مع السوء تعمما بعد تخصيص بأن يراد ذلك الظن ، وسائر ظنونهم الفاسدة . { وكُنْتم } فى أحوالكم ، أو فى علم الله ، أو فى اللوح المحفوظ ، أو صرتم { قَوماً بُوراً } هالكين لفساد اعتقادكم ، أو فاسدين فى أنفسكم وقلوبكم واعتقادكم ، وأصله مصدر ضمن معنى الوصف وهو بائر ، وأجيز أنه جمع بائر لأن فاعلا قد يجمع على فعل بضم فاسكان كحائل وحول ، وعائذ وعوذ ، وبازل وبزل .