Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-1)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الفتح هو صلح الحديبية عند الجمهور ، وهو قول ابن عباس وأنس ، أخبر الله تعالى به مؤكدا بأن ، وبأنه فتح مبين ، أى ظاهرا او مظهرا للحق لوجوه منها : أن بعض الصحابة قال : والله ما هذا بفتح ، صددنا نحن وهَديُنا عن البيت ، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة رجلين مسلمين هجرا منها حين أقام بالحديبية كارها ، فقال صلى الله عليه وسلم : " بل أعظم الفتح رأى المشركون منهم ما كرهوا ، وأذعنوا للصلح ، ورغبوا في الأمان إليكم ، أنسيتم يوم أحد { إذْ تصعدون ولا تلوون } الآية أنسيتم يوم الأحزاب : { إذْ جاءوكم من فوقكم } الآية " فقال المسلمون : صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح ، والله يا رسول الله ، ما فكرنا فيما قلت ، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا . ومنها : أنه تعالى أخبر به امتناناً . ومنها : أن بعض الصحابة وغيرهم بعد لم يحضر الفتح ، ففى هذا اخبار لهم . ومنها : أن الحاضرين فى الحديبية علموا الصلح ولم يعلموا أنه فتح ، أو علموا انه فتح ، ولم يعملوا عظم شأنه ، فأخبرهم الله تعالى بعظم شأنه ، ألا ترى الى ضمير العظمة . ومنها : أنه تعالى أخبر بذلك ليبدلهم على أنه للمغفرة ، واتمام النعمة ، والنصر العزيز المذكور بعد ، ولا يصح ما قيل انه لازم الفائدة كقولك : قام زيد ، ليعلم سامعك أنك عالم بقيامه . وسمى الصلح فتحا لاشتراك الصلح والفتح فى الظهور ، لأن المشركين ابتدءوا به وسألوه ، وذلك ذل منهم ، قال الكلبى : ما سألوا الصلح الا بعد أن ظهر المسلمون عليهم ، وعن ابن عباس : رماهم المسلمون بالنبل والحجارة حتى أدخلوهم ديارهم ، وأيضا سمى فتحا لأنه سبب لفتح مكة . قال الزهرى : لم يكن فتح اعظم من صلح الحديبية ، سمعوا كلام المسلمين ، وتمكن الاسلام فى قلوبهم ، وأسلم فى ثلاث سنين من يومها خلق كثير ، قال مجمع بن حارثة الأنصارى : شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرفنا عنها اذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض : ما بال الناس ؟ فقال : أوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجنا نرجف ، فوجدنا النبى صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كراع العميم ، فلما اجتمع الناس قرأ : " إنا فتحنا لك فتحا مُبينا " فقال عمر : اهو فتح يا رسول الله ؟ قال : " نعم والذي نفسي بيده " . قال القرطبى : فتحو مكة بعشرة آلاف فى السنة الثالثة ، وليس المراد فتح خيبر ، لأنه ذكر بعد ، ولا فتح مكة لذكره بقوله تعالى : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا } [ الفتح : 27 ] الخ وقيل فتح فارس والروم ، وما يفتح بعده على أيدى الصحابة ومن بعدهم ، كالمغرب الأدنى والأوسط والأقصى ، إلا أنه ما دخل أندلس من الصحابة إلا واحد اسمه المنيذ ، فالمضى لتحقق الوقوع ، ومزيد التبشير ، أو على ظاهره باعتبار ثبوته عند الله عز وجل فى الأزل ، وفى اللوح ، وهكذا كل مضى فى القرآن بحسب الامكان . وقال مجاهد : انه فتح خيبر ، وهى مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ، على ثمانية برد من المدينة الى جهة الشام ، وفتحها على أيدى من حضر الحديبية وحدهم ، بعد حصرها بضع عشرة ليلة ، فى بقية المحرم سنة سبع ، وقال مالك : آخر سنة ست ، وعليه ابن حزم ، وجمع بأنه فى آخرها ، وأول سنة سبع ، أو من قال سنة ست ابتدأ الحساب للسنة من شهر ربيع ، وقيل هو فتح مكة ، وان عيه الجمهور ، وهو الفتح الأعظم الذى استبشر به أهل السماء ، ودخل به الناس أفواجا فى دين الله ، وكان بعشرة آلاف ، وقيل باثنى عشر ، ويجمع بأنه خرج لليلتين مضتا من رمضان بما دون الاثنى عشر ، فتلاحق به ألفان فى الطريق ، وحين أقام على حصارها ، وفتحت لثلاث عشرة ليلة من رمضان ، وقيل : فى عشر بقيت منه . وفتحها صلح لقوله فى مر الظهران : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن " رواه أحمد ، نادى بذلك أبو سفيان باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما قال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " أخذت امرأة بشاربه أو امرأته فقالت : ما تغنى عنا دارك ، فقال : لا تغرنكم هذه ، وفى رواية زيادة : ومن أغلق بابه على نفسه فهو آمن " وذلك عند الشافعى . وقيل : عنوة للتصريح بالأمر بالقتال ، ووقوعه من خالد ، وشهر أنه نهى عنه ، ولام خالد فأجاب : بأنهم تعرضوا لى ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " أحلت لي ساعة من نهار " ولا نسلم أن التأمين صلح ، لأنه على خصوص ، فهو دليل على العنوة على غير الخاص ، وعدم القسمة عفو عنهم ، وأقام بعد الفتح خمس عشرة ليلة ، أو سبع عشرة أو ثمانى عشرة أو تسع عشرة روايات ، ويروى أنه فتح مكة وغنم وأصابوا أضعاف ما أنفقوا ، ولو بخلوا ما اصابوا ذلك ولم يهنوا ، وهم الأعلون بفتح مكة ، ولم يدعوا الى السَّلم ، بل المشركون دعوا اليه ، والله معهم ، ويجوز تقدير الارادة أى انا أردنا لك الفتح فتحا مبينا ، فيصدق بما استقبل أى أردنا لك فتح مكة بفتح الحديبية ، وأخر المفعول المطلق مع أنه يتقدم اذا اجتمع مع غيره ، لطريق الاهتمام بخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبشيره ، ولأنه قطب رحا الفتح ، ونصر الدين . قال ابن عربى فى الفتوحات ، وهو المسمى عن قومنا بالشيخ الأكبر ما نصه : ولقد كنت بفاس سنة احدى وتسعين وخمسمائة ، وعساكر الموحدين قد عبرت الى أندلس لقتال العدو حين استفحل أمره على الاسلام ، فلقيت رجلا من رجال الله ، ولا أزكى على الله أحدا ، وكان من أخص أودَّائى فقال : ما تقول فى هذا الجيش ؟ هل يفتح له وينصر فى هذه السنة ؟ فقلت : ما عندك ؟ فقال : إن الله تعالى قد ذكره فى كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } عدد فتحا مبينا بحساب الجملة فوجدت الفتح سنة احدى وتسعين وخمسمائة ، ثم جزت الى أندلس ، وقد نصر الله تعالى جيش المسلمين ، وفتح الله تعالى قلعة رباح والأركو وكركر ، أو ما انضاف الى هذه القلاع من الولايات ، هذا عاينته من الفتح ممن هذه صفته ، فأخذت للفاء ثمانين ، وللتاء أربعمائة ، وللحاء ثمانية وللألف واحداً ، وللميم أربعين ، وللباء اثنين ، وللياء عشرة ، وللنون خمسين ، وذلك احدى وتسعون وخمسمائة ، وهى سنو الهجرة الى هذه السنة ، فهذا من الفتح الالهى لهذا الشخص انتهى .