Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 2-2)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ليغْفر لك الله ما تَقَدم من ذَنْبك وما تأخَّر } وللمؤمنين مذهبنا ومذهب الأشعرية والمعتزلة ، وأكثر الفقهاء أن أفعال الله لا تعلل بالأغراض ، لأنه عز وجل وتبارك وتعالى لا يحتاج الى شىء ، وقادر على فعل ما يشاء بغير شىء ، لكن ان أريد بالأغراض الحكم ومصالح الخلق صح تعليلها بالأغراض ، وعلى المنع ، فاللام للعاقبة حيث توهم التعليل بالغرض ، أو يشبه مدخلها بالعلة الغاية فى الترتيب على متعلقها الذى هو هنا الفتح الذى له صلى الله عليه وسلم فيه ، سعى لاعلاء كلمة الله سبحانه ، بمكابدة الحروب . وقال متقدموا الأشعرية : تعلل بالأعراض لا بمعنى الاحتياج ، ولا بأس به ، وهو ظاهر الكلام ، قال بعض الحققين : وجد التعليل فيما يزيد على عشرة آلاف آية وحديث ، وتأويل الكثير لا يحسن ، وقال السعد : مرا الأشاعرة ومن معهم من المعتزلة عموم السلب بمعنى لا فاعل له تعالى يعلل بالغرض فى بعض أدلتهم ، وافاد بعضها سلب العموم ، أى ليست كلها تعلل بالأغراض ، بل بعضها ، واختار أن بعض أفعاله تعلل بها . قال : والحق أن بعض أفعاله تعلل بالحكم والمصالح ، وذلك ظاهر ، والنصوص شاهدة به ، فأما تعميم أن كل فعل له تعالى لا يخلو من غرض ، فمحل بحث ، ويجاب بأن المراد لا يخلو عن حكمة ، وكثيرا ما يكون التعليل فى الثانى لا فى الأول ، كقوله تعالى : { أنْ تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } [ البقرة : 282 ] فانه فى التذكير ، ونحو : أعددت الخشبة ليميل الحائط فأدعمه ، والتعليل أدعمه ، ويكون فى الأول لا فى الثانى نحو : لازمت غريمى لأستوفى حقى وأخليه ، والتعليل فى الاستيفاء ، وقد يكون بمجموعهما ، واذا كان فى بعض فقط فالبعض الآخر لشدة الارتباط ، وتقديم بيان تعليل الفتح بالمغفرة . وقد يقال : المراد بالتعليل قوله عز وجل : { وينصرك الله نصراً عزيزاً } [ الفتح : 3 ] وقيل : التعليل للمجموع ، فهو للهيئة الاجتماعية ، ومدخول اللام علة ، ومتعلقها معلول بحسب التعقل ، وعلة بحسب الوجود ، وتقديم فتحا على ليغفر آت على الأصل من تقديم المفعول المطلق على سائر المعمولات ، فقدم ما قدم على طريق الاهتمام بالمتقدم والتشويق ، الى المتأخر ، ومر ذنوب الأنبياء ترك ما هو أولى ، والاقتصار على جائز لهم دونه ، وقيل : المؤاخذة كناية عن عدم المؤاخذة ، وفيه أن عدمها مشعر بالعفو ، والعفو انما هو عن نحو ذنب أو عن ذنب . وقيل : ليغفر لك استعارة تمثيلية ، وقيل : ما تقدم فى الجاهلية وما تأخر فى الاسلام ، وفيه أنه لا جاهلية له ، ويجاب بأن المراد ما قبل الوحى ، ولو فى أدنى شىء ، وقد مر الكلام على ذنبه فى الإسلام ما هو ، وقيل ما تقدم من حديث تحريمه مارية ، وما تأخر من حديث امرأة زيد ، ولا يصح ذلك ، مع ان العكس أولى لتقدم حديث امرأة زيد ، ولما نزلت الآية صام وصلى حتى انتفخت قدماه ، وتعبد حتى صار كالشن البالى ، فقالت له عائشة رضى الله عنها : أتفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " وقال عطاء الخراسانى : ما تقدم من ذنوب أبويك آدم وحواء ببركتك ، وما تأخر من ذنوب أمتك بدعائك لهم ، وقال النووى : ما تقدم قبل النبوة ، أى مما يعد ذنبا فى حق الأنباء ، وقيل من الصغائر على أنها تصدر من الأنبياء وهو ضعيف ، وما تأخر مما لم يكن ، وذلك تأكيد كقولك : اقتل من العدو من لقيت ومن لم تلق ، وأعط من لقيت ومن لم تلق ، وعبارة بعض أن الفتح لم يجعل سببا للمغفرة ، بل لاجتماع المغفرة واتمام النعمة ، وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز ، ولما نزل أول السورة الى : " عزيزا " قالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله فما لنا ؟ فأنزل الله عز وجل : { ليدخل المؤمنين } [ الفتح : 5 ] الى : { فوزاً عظيماً } [ الفتح : 5 ] . { ويتم نعْمته عليْك } دينية ودنيوية ، ومنها وهو أعلاها : إعلاء الدين ونشره فى البلاد { ويَهْديك صراطاً مُسْتقيماً } بزيادة ما لم يكن قبل ، وتقوية ما كان قبل .