Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-27)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَقَد صَدَق اللَّهُ رسُولَه الرُّؤيا بالحقِّ } يتعلق بمحذوف مفعول مطلق ، أى صدقا مقترنا بالحق الذى هو ضد الباطل ، وهو الغرض الصحيح ، والحكمة البالغة ، وهو ظهور الشاك فى الدين ، والراسخ فيه ، ولذلك أخر الرؤيا الى العام القابل بعد الحديبية ، أو حال من الرؤيا أى مقترنه بالصدق ، لا أضغاث أحلام ، أو من لفظ الجلالة ، أو رسول الله أو متعلق بصدق وقوله : { لتَدخلنَّ المَسْجْد الحرام } جواب قسم محذوف ، أى والله لتدخلن والوقف على بالحق ، أو بوقف على الرؤيا ، ويجعل بالحق قسما جوابه لتدخلن ، فيكون الحق اسما لله تعالى أو ليدنه ، ودينه مخلوق وهو التكليف به ، والله يجوز له القسم بخلقه ، ولا يجوز لنا القسم بغير الله إلا أفعاله ، فيجوز لنا القسم بها وهى غير الله تعالى ، بخلاف صفاته فانها هو . وصدق يتعدى لواحد يقال : صدق زيد فى قوله وفى فعله ، ولاثنين تقول : صدق الناس زيدا قولهم وفعلهم ، كما فى الآية ، وكذا كذب ، والذى بالحرف فيهما هو الثانى والصدق والكذب يكونان فى القول والفعل ، وما فى الآية من الفعل ، وقيل الثانى منصوب على نزع الجار ، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخروج الى الحديبية أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين وهو الصحيح ، وعن مجاهد أنه رآها فى الحديبية ، والجمهور على الأول ففرحوا ، وظنوا أن ذلك فى عامهم أو سفرتهم سفرة الحديبية ، وقالوا : إن رؤيا الرسول حق ، ولما تأخر قال عبد الله بن أبى ، وعبد الله بن نفيل ، ورفاعة بن الحارث معرضين بكذبه حاشاه صلى الله عليه وسلم : والله ما حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فنزلت الآية ، وقال عمر رضى الله عنه مصدقا طالبا لتفسير الرؤيا ، وليس فى كلامه صلى الله عليه وسلم اشتراط المشيئة ، وهى فى الآية كما قال الله عز وجل : { إنْ شَاء الله } الله عالم بوقوع ما يقع ، وبعدم وقوع ما لا يقع فالشرطية تعليم للخلق أن يستثنوا فيما لا يعلمون ، واشارة الى أن دخول المسجد الحرام لمشيئته لا لجلادتهم وتدبيرهم ، وقيل : الشرطية راجعه الى المخاطبين مثل ما قيل فى صيغة الترجى فى كلام الله تعالى أنها راجعة اليهم ، وبحث بأن تغليب الشاكين لا يناسب المقام ، بل الأمر المناسب تغليب غير الشاكين ، وان أريد بالشاكين المؤمنون صح بأن يعتقدوا أن دخول المسجد الحرام يكون ان شاءه الله تعالى ، وقيل : لتدخلن المسجد الحرام كلكم ان شاء الله ، وليس هذا مغنيا فى الجواب ، لأنه تعالى جازم بأنهم يدخلونه جميعا ، ولا شك فى المشيئة ، وان قضى أن يدخله بعض دون بعض دخله بعض فقط ولا شك . ثم ظهر وجه آخر لا اشكال فيه ولا حذف ، هو أنه أجرى الأمر على الابهام ، كأنه قيل : ان شاء الله دخلتموه ، ولا مانع فانتظروا فما وقع ، فهو مشيئته الأزلية كأنه قيل الأمر راجع الى مشيئته ، وقد شاء دخوله ، أو ان شاء دخلتم كلكم ، وان شاء دخل جلكم ، وقد شاء ما وقع من ذلك بعد دخول الجل إذ مات بعض كما قيل : ان قوله " إنْ شاء الله " كناية عن أن بعضا يموت قبل الدخول ، وقيل ذلك من ملك الرؤيا ترجح عنده الدخول فأكده ، واستثنى المشيئة ، وكذا إن قيل ذلك الاستثناء منه صلى الله عليه وسلم فى اليقظة ، ورد بأنه لم يقل قال محمد : ان شاء الله ، وكيف يدخل كلام غير الله فى كلام الله تعالى بلا حكاية ، ويبعد ما اجيب به من أن جواب القسم بيان للرؤيا وقائلها فى المنام ملك ، وفى اليقظة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهى فى حكم المحكى ، وقول الرسول : ان شاء الله أقل بعدا من قول الملك : ان شاء الله ، ولا يثبت ما قيل أن بمعنى إذ ، كما قيل فى قوله تعالى : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران : 139 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " وإنا إنْ شاء الله بكم لاحقون " . { آمنين } من العد ، وحال من فاعل تدخل المحذوف للساكن مقارنة ، لأن الأمن والدخول فى وقت واحد { مُحلِّقين رءوسَكُم } حال مقدرة وكذا قوله : { ومقصِّرين } لأن التحليق والتقصير بعد الدخول لا معه ، وإن جعلناهما حالين من المستتر فى آمنين كانا متقارنين ، لأن الأمن مستمر الى التحليق والتقصير ، والتحليق الشديد ، لأن التشديد للمبالغة ، ووجهها أنه يحلق شعر رأسه كله ، يحلق بعض لبعض ولا يحلق لنفسه كي لا يجرح رأسه ، والتقصير حلق بعض لبعض بعض شعر رأسه ، والشد للمبالغة لأنه بحلق لا بقص ، أو الشد لموافقة الثلاثين ، وان جعلنا التقصير قصر الشعر كله فالمبالغة بتعميم شعر الرأس كله ، ولو بقليل والمرأة تحلق شيئا قليلا ، وان شاءت قصت أعالى شعر رأسها كله أو بعضه ، وقيل لا تحلق ولو قليلا ، وفى ذلك حذفان : الأصل محلقين شعور رءوسكم ، ومقصرين رءوسكم ، أى مقصرين شعورها ، وفى الحذف المبالغة بجعل الرءوس محلقة ومقصرة . والآية مخيرة بين التحليق والتقصير ، والمشهور كراهة حلق بعض الرأس ، ويحرم عليها حلقه كله ، وما ليس قليلا ، والتحليق للرجال أفضل ، ولذلك قدم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا : يا رسول الله والمقصرين ، قال : " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا : يا رسول الله والمقصرين ، قال : " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا : يا رسول الله والمقصرين ، قال : " والمقصرين " " رواه أحمد والبخارى ومسلم وابن ماجه ، عن أبى هريرة ، قال صلى الله عليه وسلم : " ليس حلق وإنما على النساء التقصير " رواه أبو داود ، والبيهقى ، عن ابن عباس ، وأمر صلى الله عليه وسلم الحالق له أن بيدأ بالجانب الأيمن ، ويبلغ الى العظمين أى العظمين اللذين من قدام عن الأذنين ، رواه ابن أبى شيبة عن أنس . { لا تَخافُون } حال مؤكدة من فاعل تدخل ، ومن المستتر فى آمنين ، والخوف من العدو ، وان كان الخوف من تباعة فى التحليق أو التقصير ، أو نقص ثواب فمؤسسة ، وان جعلناه حالا من المستتر فى محلقين ، ويقدر مثله للمقصرين أو بالعكس فمؤسسة أيضا إذ لا شعور التحليق أو التقصير بانتفاء الخوف ، أو الجملة مستأنفة كأنه قيل : إلا من حال الدخول فكيف ما بعده ، فقال لا تخافون بعده ، كما لا تخافون قبله { فعَلم ما لَم تَعلمُوا } الفاء للترتيب الذكرى ، وإن أولنا علم بمعنى ظهر علمه فالترتيب على أصله زمانى ، ولا يصح ما قيل من أن الترتيب باعتبار التعلق الفعلى بالمعلوم ، أى فعلم عقب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية لتقديم ما يشهد ، للصدق علما فعلياً ، لأنا نقول لا زائد فى ذلك على العلم الأزلى ، فان تلك الحكمة قد علمها فى الأزل ، بخلاف قوله تعالى : { ولما يعلم الله الذين جاهدوا } [ التوبة : 16 ] الخ ، فانه اذا انتفى صبرهم علم بانتفائه ، ولم يجهل كما علم فى الأزل انه سينتفى . { فجَعَل } بسبب هذا العلم كما دلت عليه الفاء { من دون ذَلكَ } المذكور من الدخول فى أمن من العدو وما بعده ، أى قبل تحقق صلح الحديبية ، وما قيل بيعة الرضوان ، وقيل فتح خيبر ، وفيه أن فتحها بعد الحديبية لا قبلها ، وأجيب بأن المراد بالجعل الوعد المنجز عن قريب ، يستدل به على صدق الرؤيا ، ويستر يجوز اليها ، وقيل الفتح القريب فتح مكة ، فيكون المعنى ما لم تعلموا من الحكمة فى تأخير فتح مكة الى العام القابل ، ومعنى دون ذلك غير ذلك ، ويرده أن الواقع فتح مكة فى العام الثامن لا فى العام القابل بعدد دخولهم آمنين إلا إن أراد بالعام القابل العام الثامن أو أراد بفتح مكة دخولها آمنين ، وذلك خلاف ظاهر عبارته ، ويرده أيضا الفاء ، لأن علمه متقدم على ارادة الرؤيا ، ويجاب بأنها للترتيب الذكرى ، وبأن علم بمعنى ظهر علمه لكم ، وهو علمه بالحكمة .