Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 26-26)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إذْ جَعَل الذين كَفروا } اذكر اذ جعل ، أو هى ظرف لعذبنا ، او بصدوكم أو بأحسن محذوفا أى أحسن الله تعالى اليكم أيها المؤمنون إذ جعل الذين كفروا الخ ومحط الاحسان قوله : { فأنزل الله سكينته } الخ ، والذين فاعل جعل ، وقوله : { في قُلوبِهِم } مفعول ثان وقوله { الحميَّة } مفعول أول ، أى صيروا فى قلوبهم الحميَّة ، أو جعل متعد لواحد بمعنى ألقى يتعلق به فى ، ولا بأس بتسمية كسب الحميَّة الفاء ، أو تصييراً ، ومن التخليط قول بعض : انه يجوز جعل فاعل جعل ضمير الله ، وفى قلوبهم بيان لمحل الجعل ، وأن مرجع المعنى إذ جعل الله فى قلوب الذين كفروا الحمية نظرا الى معنى جائز فى الجملة ، وغفل عما فيه من فساد الإعراب ، ومخالفة المعنى المراد ، أو تكلف تقدير فى داخلة على الذين ، والحمية المعاونة على الباطل لصحبة او قرابة أو منفعة ، ولو لم يكن غضب . { حميَّة } بدل أو بيان { الجاهليَّة } أى الملة الجاهلية ، وأجيز أن تكون الإضافة بيانية ، أى حمية هى الخصلة الجاهلية ، ومن الحمية الجاهلية قول قريش يوم الحديبية ، لا يدخل محمد علينا أبدا ، وامتناعهم من ترك آلهتهم ، وليس من الأعراب فى شىء قول بعض الحمية الناشئة من الجاهلية ، ويجوز الحمية الاسلامية ، بل تجب وهى الاعانة على دين الله عز وجل ، والجاهلية نسب الى الجاهلين أو الجهلاء بحذف علامة الجمع { فأنزل الله سَكينَته عَلى رسُوله وعَلى المُؤمنين } الوقار الذى ملك لله تعالى ، ومنها حلم المؤمنين عن أن يبطشوا بالمشركين يوم الحديبية ، إذ منعوهم عن البيت بعد أن هموا بالبطش ، والجملة عطفت على جعل ، أو صدوكم أى اذكر إذ جعل ، فأنزل أو صدوكم فأنزل ، وان علقنا إذ بعذبنا كان العطف على محذوف ، أى لم يتزيلوا فلم نعذب ، فأنزل الله ، وان علق بأحسن لله إليكم كان العطف على أحسن الله إليكم . لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الحليفة قلد الهَدى وأشعره وأحرم بالعمرة ، وبعث بين يديه عينا من خزاعة يخبره عن قريش ، ورجع اليه فى غدير الأشطاط قريبا من عساف ، فقال له : ان قريشا أجمعوا أن يقاتلوك بالأحابيش وجمع جمعوها ، وصادوك عن البيت ، فاستشار أن يغير على ذرارى من يعينهم ، فقال الصديق : يا رسول الله ما جئنا الا للعمرة ، ولا نقاتل حتى يمنعونا عن البيت ، فقال صلى الله عليه وسلم : " سيروا على اسم الله تعالى " وقال له بديل بن ورقاء الخزاعى وجماعة جاءوا معه إذ نزل أقصى الحديبية : تركنا كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا قريبا ليقاتلوك ويصدوك عن البيت ، فقال صلى الله عليه وسلم : " جئنا للعمرة لا للقتال وإنَّ قريشاً نهكتهم الحرب فليخلوا بيني وبين سائر العرب فإنْ أصابوني فذلك أرادوا وإنْ ظهرت عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإلاَّ قاتلتهم وبهم قوة ، فوالله لا أزال أقاتل على دين الله حتى يظهره الله أو أموت " . فبلغهم بديل ذلك ، فأتاه منهم عروة بن مسعود الثقفى فقال له ما قال لبديل ، فرجع اليهم فأخبرهم بما قال أو بما رأى من تعظيم الصحابة له صلى الله عليه وسلم وقال : عرض عليكم صوابا فاقبلوه ، فجاءه رجل من كنانة ، فلما أشرف قال صلى الله عليه وسلم : " هذا من قوم يعظمون البدن فابعثوها إليه " فبعثوها ملبين فقال : سبحان الله ما يصد مثل هؤلاء عن البيت ، فرجع وأخبرهم ، وأتاه مكرز بن حفص ، ولما أشرف قال صلى الله عليه وسلم : " هذا مكرز رجل فاجر " فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو من بنى عامر بن لؤى فقال صلى الله عليه وسلم : " قد سهل لكم " وكان قد بعثته قريش أن يصالح محمداً ، ولا يدخل علينا عامنا هذا ، لا يتحدث الناس أنه دخل علينا عنوة فتكلم فكان الصلح . فقال صلى الله عليه وسلم لعلى : " " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهل : لا أعرف هذا ، اكتب باسمك اللهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " اكتب باسمك اللهم " فكتبه ، فقال اكتب : " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو " فقال : لو علمناك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، اكتب اسمك واسم أبيك ، فقال صلى الله عليه وسلم : " والله إني لرسول الله وإنْ كذبتموني اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو صلحاً على وضع الحرب عشر سنين ، مَنْ أتى محمداً من غير إذن وليه رده إليهم ، ومن أتاهم ممن معي لم يردوه ، ومن شاء دخل عقد محمد ، ومن شاء دخل عقد قريش ، ولا يدخل محمد مكة عامه هذا ، ومن قابل يأتي ويقيم بها ثلاثاً مع أصحابه بالسيوف فقط في قربها " . وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " " امح رسول الله " فقال ما أنا بالذى أمحوه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أرني موضعه " " فأراه فمحاه فإنه صلى الله عليه وسلم مات ولم يعرف الكتب قط ، لا كما قال أبو الوليد الباجى وشيخه أبو ذر الهروى ، وأبو الفتح النيسابورى ، وجماعة من أهل أفريقية : ما مات حتى عرف الكتب ، وأما قول أحمد والنسائى فى روايتهما فى هذه القصة ، أنه أخذ الكتاب ، ولا يحسن الكتابة ، فكتب مكان رسول الله : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، فمعناه أنه أمر عليا أن يكتب ، وقدم الانزال على الرسول ، لأنه أفضل ، والامام المقتدى به حتى ان ذكرهم بعده كالتأكيد لانزال عليهم سابق ، وقد كره الصحابة كلم ذلك الصلح إلا قليلا كأبى بكر . قال عمر : يا رسول الله أنت نبى الله ، وأنت على الحق ، وهم على الباطل ، وقد أخبرتنا أنا نطوف بالبيت ، فقال صلى الله عليه وسلم : " فهل أخبرتك أنك تطوف به العام فإنك تطوف به بعد " وقال مثل ذلك بأبى بكر ، فأجابه بجواب النبى صلى الله عليه وسلم ، وبأنه نبى الله لا يعصى ولا يعصى الله ، وكان الناس قد خرجوا ، ولا يشكون فى الفتح لرؤيا رآها صلى عليه وسلم ، قال عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ، ولما فرغ من كتب الصلح نادى : قوموا فانحروا ، ثم حلقوا ثلاثا ، ولم يقم أحد ، فشكا لأم سلمة فقالـت : انحر واحلق يتبعوك ، ففعل فبعض حلق وبعض قصر ، وقال : " رحم الله المحلقين " مرتين وفى الثالثة زاد والمقصرين فقيل له فقال : " لأن المحلقين لم يشكوا " ومن هدية صلى الله عليه وسلم يومئذ ناقة كانت لأبى جهل فى أنفها برة يغيظ بها الكفار ، وذلك فى الحديبية ، وهى من الحل ، لكن الريح أدخلت الحرم شعورهم ، وقيل من الحرم ، وبه قال مالك ، وقال ابن القصار : بعضها من الحرم بينها وبين مكة مرحلة ، وبينها وبين المدينة تسع مراحل ، وجاءت نسوة مؤمنات ، ولم يردهن ، وتزوج معاوية واحدة ، وصفوان بن أمية واحدة ، وأمرهم أن لا يردوا من جاء من النساء مسلمة ، وجملة الهدى سبعون بدنة ، وقال بعض من نافق : والله ما طفنا ، وما رأينا البيت . { وألْزمهُم كلمة التَّقْوى } ألزم محمداً والمؤمنين كلمة التقوى ، أوجب عليهم الإيمان بها ، والنطق بها ، والعمل بمقتضاها ، والأمر بها ، وهى لا إله إلا الله ، رواه الترمذى والدارقطنى ، وعبد الله بن أحمد عن أبى بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن مردويه ، عن أبى هريرة وسلمة بن الأكوع عنه صلى الله عليه وسلم ، وعبد الرزاق والحاكم ، والبيهقى ، عن علي موقوفا مع زيادة : الله أكبر ، وعن ابن عمر مثله ، وروى الداقطنى ، وبن أبى حاتم عن المعمور بن مخرمة موقوفا : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . قال عثمان بن عفان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلب إلاَّ حرم على النار " قال عمر : أنا أحدثكم ما هى ، كلمة الاخلاص التى ألزمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهى كلمة التقوى التى الأص أى أدار عليها نبى الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وذكر الطبرى عن عطاء : انها لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وعن عطاء بن أبى رباح ، ومجاهد : أنها لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شىء قدير ، وعن الزهرى : بسم الله الرحمن الرحيم ، وعن بعض بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله ، وعلى القولين يكون ألزمهم اختيارها لهم بدل باسمك اللهم ، ومحمد بن عبد الله ، وقيل : الثبات والوفاء بالعهد ، لأنه يتوصل بهما الى الغرض ، أطلقت الكلمة عليهما ، كما أطلقت على عيسى ، وأيضا هما سبب التقوى ، والعهد عهد صلح الحديبية ، أو عام . وقيل : قال الناس فى الأصلاب : انت ربنا ، وقيل : قول المؤمنين : سمعا وطاعة ، على أن الهاء لهم ، وان قلنا له وللنبى كما فى سائر الأقوال ، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول لِلَّهِ تعالى سمعا وطاعة ، وتلك الأقول بعضها أبعد من بعض ، والصحيح ما عليه الجمهور ، وهو المروى : أن كلمة التقوى لا إله إلا الله ، ولا بد فى قبولها من قول محمد رسول الله صل الله عليه وسلم ، وأضيفت للتقوى ، لأنه بها يتقى الشرك ، قال ابن عباس : هى رأس كل تقوى . { وكانُوا } رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ، كما عاد الهاء إليه واليهم من قوله : { ألزمهم } فى كلام عمر ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان بنبوءته نفسه ورسالته ، وقول عمر حجة ، فان رددنا واو كانوا الى المؤمنين كما قال بعض لزم تفكيك الضمائر بلا داع ، وان رد الهاء الى المؤمنين خالف كلام عمر ، لأنهم عطفوا عليه فى المؤمنين آخرا لكونه أقرب مرجحا للعود اليهم ، لأنهم عطفوا عليه فى كلام واحد متصلين ، وكأنه راعى الفصل بعلى مع ما يتبادر من أن المراد مدح الأمة { أحَقَّ بها } أى بكلمة للتقوى ، وأحق اسم تفضيل خارج عنه ، وكان بصورته تأكيداً ، وكأنه قيل : أحقاء ، ولا يصح ما قيل أن صيغة التفضيل لزيادة الحقبة فى نفسها ، بمعنى متصفين بمزيد استحقاق اتصاف بها ، لأن اسم التفضيل لم يوضع لمثل ذلك ، ويجوز أن يكون على التفضيل ، أى أحق بها من كفار مكة ، بمعنى أنهم أحقاء بقولها لوجوبها عليهم ، لكن المؤمنين أشد استحقاقا لأنهم المختارون لدينه وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم . وكذا قيل : أحق بها من اليهود والنصارى ، وهم أحقاء لأنهم أهل كتاب ، وكذا قيل : أحق بها من جيمع الأمم ، لأنهم خير أمة أخرجت للناس ، وكتابهم أفضل كتاب ، وكلما عظمت المنة ازداد استحقاق الشكر ، ولا يثبت ما رأيت فى كامل المبرد أن من قبلنا لا يطيقون النطق بها فى اليوم مرتين ، فاذا قالوها مدوا صوتهم حتى يفرغ ، وأقدر الله تعالى هذه الأمة على النطق بها مرارا ، وأجيز أن يقال : أحق بها من كلمة أخرى غيرها من كلمات العبادة ، كقولك : زيد أعلم بالفقه من الطب ، وهذا لا يتم ولا يخرج عليه القرآن . { وأهْلها } أى المتأهلين لها ، حتى كان غيرهم أجانب عنها ، فأهلها أبلغ من أحق ، فالمعنى أشد أحقية ، كأنه اسم تفضيل على اسم تفضيل ، وقال بعض : قال وأهلها لدفع توهم أحق ، مع أنهم ليسوا أهلا لها ، كما اذا ميزت اثنين لشغل وكلاهما غير صالح له ، وتقول اذا كان لا بد فهذا أحق والأحقية والأهلية ، وردتا على شىء واحد ، وقيل : أحق بها فىالدنيا نطقا وعملا وأهل ثوابها فى الآخرة ، وقيل : الواو لكفار مكة هم بها ، أو أحق بها من غيرهم ، لأنهم أهل حرم الله ، وقوم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقيل : الضمير فى كانوا للمؤمنين ، وفى بها وأهلها للسكينة ، وقيل لمكة ، والمدلول عليها بذكر المسجد الحرام والهدى ، وفى القولين رد الضمير الى غير قريب بلا داع . { وكان اللَّهُ بكلِّ شيءٍ عَليماً } فيسوق الشىء الى من هو به أحق والى من هو له أهل ، ويفعل ما تقتضيه الحكمة .