Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 4-5)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُو الذي أنزل السَّكينَة في قُلوب المُؤمنين } الطمأنينة والثبات بعد الخوف بالفتح المذكور ، فلا تضطرب النفس حتى تذعن لصلح الحديبية ، ولا يفروا فى الحرب ، ولا تعرض عن حق ، وعن ابن عباس : كل سكينة فى القرآن طمأنينة إلا التى فى سورة البقرة ، وفى التعبير بالانزال ايماء الى علو شأن الطمأنية ، وذلك انزال من علو للشىء أولأسبابه ، ويجوز أن يكون الانزال بمعنى الاسكان ، كما تقول : أنزلت الضيف فى دارى ، وقيل : السكينة ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه ، ما قال على : ان السكينة لتنطق على لسان عمر ، وعن ابن عباس : السكينة الرحمة ، وقيل : السكينة العقل ، لأنه يسكن عن الميل الى الشهوات ، وعن الرعب ، وقيل : العظمه لله ورسوله ، وقيل : السكون الى الشرع كما قال : @ فيم الاقامة بالزوراء لا سكنى فيها ولا ناقتى فيها ولا جملى @@ { ليْزدادوا إيماناً مَعَ إيمانهم } بأن يقوى فى قلوبهم ، وهو واحد فى نفسه كالعقل التام ، يقوى وينقص ، فالايمان يزداد وينقص ، وهو فى نفسه واحد ، ولو كان ازدياد بكثرة الأدلة والنظر ، كشجرة تنمو بالماء ، ونور مصباح ينمو بالزيت ، وكذا النقص ، وكذا فهم ابن عمر فقال : يا رسول الله الايمان يزيد وينقص ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار " وعن عمر وجابر ، عنه صلى الله عليه وسلم : " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به " وأما اعتبار الايمان قولا وعملا فيزداد بزيادة العمل ، وينقص بنقص العمل ، أو تركه وزيادته بزيادة ما يؤمن به ، وزيادة نزول ما يعمل به ، وكلَّما نزل شىء زاد ايمانا به ، وكلما كان بالوحى عمل به ، وكذا حدوث علم بعمل ، فلا ينبغى الخلاف فى ذلك ، وانما هو فى التصديق ينمو وينقص ، والا لزم أن يكون ايمان الملائكة والأنبياء الأولياء ، وايمان الفاسق سواء ، وليس كذلك ، بل الانسان الواحد يقوى تصديقه فى مسألة تارة وينقص فيها أخرى ، وقال جماعة : الايمان بمعنى التصديق لا يزيد ولا ينقص ، وبه قال أبو حنيفة ، وامام الحرمين ، لأنه لو نقص لم يكن تصديقا ، قلنا : لا يزيد بل ينقص مع بقاء أصله كشجرة تذبل ، ونور ينقص بنقص الزيت ، توقن أن لك كما زعموا ألفا من جهة كذا ، وتنسى الجهة ويبقى اليقين ، وتوقن أن الله تعالى قديم اذ لو حدث لكان بمحدث ، وتذهل أو تنسى اللوية فينقص . { ولله جنود السَّماوات والأرض } فهو قادر أن ينصرك بما شاء ، ولو مع قلة عددكم ، ومن جنوده : الطاعة والصيحة ، أو المراد أن الملائكة ، وجنود الأرض الحيوانات ، وجنود السماوات الصاعقة والصيحة والحجارة ، وجنود الأرض الخسف والزلزلة والغرق ، أو المراد أن فى ملكه الجنود خلقها وابتلى بعضاً ببعض فقتل بعض بعضا تارة ، فيكون النصر بأيديكم ، فلكم الأجر ، وعلى عدوكم العقاب ، واصطلحوا تارة أخرى ، كما اصطلحوا يوم الحديبية بحسب الحمة . { وكان الله عَليماً } بجميع الأجسام والأعراض { حَكيماً } فيها بالايجاد والاعدام والزيادة والنقص وسائر التصرفات ، أو عليما بما فى قلوبكم ، وبجميع الجنود ، حكيما فى تدبيرها ، وفى نصركم لتشكروه فيثيبكم كما قال : { ليُدخِل المؤمنينَ والمؤمنات } ذكرهن لئلا يتوهم دخولهن لذكر الجهاد ، وهن لا يجاهدن ، وكذا كل ما ذكرن فى القرآن مع الرجال كما ذكرن دفعا لتوهم ، وحيث يذرن فلعدم توهم كذا ، قيل قلت : لعله لا يطرد فاستقصه { جنات تجْرى مِن تَحْتها الأنهار خالدين فيها } خالدين حال مقدرة ، واللام فى قوله عز وجل : { ليدخل } متعلق بمحذوف ، أى دبر ما دبَّر ليدخل وأراد بالادخال سببه وملزومه ، وهو شكر النعم ، وقيل متعلق بفتحنا ، أو بأنزل على أن هذا تعليل لأحدهما ، ولتعليله كأنه قيل فتحنا ، وعللنا الفتح بالمغفرة ليدخل ، أو أنزلنا السكينة ، وعللنا الإنزال لازدياد الايمان ، ليدخل فلا يرد تعليق حرفى جر لمعنى واحد ، فى عامل واحد ، بلا تبعية ، أو الثانى تعليل للعلة ، أى ليغفر لك واللمؤمنين ، ليدخل لأنه لا يدخلهم الجنة بلا مغفرة ، وقيل : متعلق بيزدادوا ، وقيل : بينصرك أو فيهما على التنازع ، أو على مجرد الحذف لدليل . ويبحث بأن الادخال يكون بلا نصر ، وبلا ازدياد نفس التصديق ، أو بمحذوف ، أى فعل ذلك ليدخل ، أو بدل اشتمال من قوله : ليزدادوا لأن بين الازدياد والادخال ملابسة بغير الجزئية والكلية ، وقد مر لك انه قد يكون بدل الاشتمال بلا رابط الا أن الازدياد ليس شرطا للادخال كما مر ، الا أن فسر الازدياد بتعدد الايمان بتعدد النزول ، أو بتعدد الأعمال ويقوى تعليقه بفعل محذوف ما روى أنه نزل عليه بعد رجوعه من الحديبية : { بسم الله الرحمن الرحيم * إنَّا فَتحنا لك فتحاً } الى : { عظيماً } فقال : " لقد نزلت علىَّ آية هى أحب الى مما على الأرض فقرأها " فقالوا هنيئاً مريئاً قد بين الله لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا فنزل : { ليدخل } الى : { فوزاً عظيماً } لكن لا مانع من تعليقها بما مر بأوجهه . { ويُكفِّر عنْهُم سيئاتهم } لا يؤاخذهم بها ، لا يظهرها بالعقاب ، كأنها لم تكن ، وقدم الادخال على التكفير فى الذكر ، مع أنه متأخر فى الوجود مسارعة الى المطلوب الأعلى ، قيل : أو قدم لأن التكفير فى الجنة أى يسترها فيها لا تخطر ببالهم ، ولا يذكرها أحد لئلا ينغصوا وهو غير متبادر { وكان ذلك } الادخال والتكفير { عِنْد الله } متعلق بكان ، أو حال من قوله { فَوزاً } أى فلاحا وربحا ممتازا به عن الغير { عَظيماً } لا يحيط به إلا الله عز وجل .