Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 6-6)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا أيُّها الَّذين آمنُوا } شامل للنبى صلى الله عليه وسلم وكاملى الايمان ، والنداء لتأكيد التبيين { إن جاءكم فاسقٌ بنبأ } بخبر { فتبيَّنُوا } اطلبُوا البيان بالشهادة العادلة ولو بثقة واحد عدل ، وذلك نهى عن العجلة ، كما قرأ ابن مسعود فتثبتوا بتاء مثناة بعدها ثاء ، ولا تقلدوا من هو فاسق تحقيقا ، أو يخاف فسقه ، فاذا لم يكن عدلا ثقة خيف أن يكون فاسقا ، فيجتنب حتى يعلم أنه عدل ثقة ، فاذا نهينا عن اتباع الفاسق وجب علينا أن ننظر العدالة . قال الحارث بن أبى ضرار الخزاعى : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : فدعانى الى الاسلام فأسلمت ، والى الزكاة فأقررت بها ، وقلت : أدعو اليهما قومى ، فمن استجاب جمعت زكاته ، فأرسل الىَّ لوقت كذا من يأتيك بها ففعلت وانتظرت رسوله ، ولم يأت فقلت لرؤساء قومى : لم يأتنى الرسول ، ونبى الله صلى الله عليه وسلم لا يخلف الوعد ، وأخاف أن الله تعالى سخط علينا فسرنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاتنا ، وقد بعث صلى الله عيه وسلم الوليد بن عقبة ابن أبى معيط ، أخا عثمان لأمه ليقبضها عنا ، ولما بلغ بعض الطريق خاف فرجع ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الحارث منعنى الزكاة وأراد قتلى ، فأرسل إلينا من يقاتلنا ، فالتقينا معهم خارج المدينة ، فقلنا : الى من ؟ قالوا : اليك إذ منعت الزكاة ، وأردت قتل الرسول اليك ، فقلنا : لا والله ، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " منعتم الزكاة ، وأردتم قتل رسولي " قلنا ، لا والله ما رأيناه ، وقد خفت سخط الله تعالى اذ لم يأتنى رسولك فنزل : " يا أيها الذين آمنوا " الآية رواه الطبرانى ، وأحمد قبله . وقيل : أرسل اليهم خالدا بعد قول الوليد ، وأعطوه الزكاة ، ولم يجيئوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما نزلت الآية قال صلى الله عليه وسلم : " التثبت من الله تعالى والعجلة من الشيطان " روى عبد بن حميد ، عن الحسن : أن الوليد بن عقبة ، أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ان بنى فلان ، وكان بينه وبينهم شىء ، ارتدوا ، فبعث اليهم خالدا ينظر هل يصلون ، فان تركوها فاقتلهم وإلاَّ فلا تعجل ، فوافاهم عند الغروب ، وكمن وراءهم فرآهم أذنوا وصلوا المغرب ، ثم أذنوا للعشاء عند غيوب الشفق ، وصلوها ، ورجع اليهم فى جوف الليل فرآهم يتهجدون بشىء من القرآن تعلموه ، وطلع الفجر فأذنوا وصلوا ، فاذا بطوالع الخيل فقيل : هذا خالد فى خيله ، قالوا : يا خالد ما شأنك ؟ قال أنتم شأنى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكم ارتددتم فجثوا يبكون ويقولون : لا والله ، فرد الخيل حتى أتى اليه صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } الآية . إن قلنا : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكاملى الايمان فلأن القضاء وانفاذ الأحكام والافتاء يكون بهم ، فذلك تجزئة وقد يراد الكل لوجود الكاملين فيهم ، فذلك كل مثل المجموع ، وما هنا أمر لا حكم ، وان أريد المؤمنون مطلقا فكلية ووجهه أن عامتهم قد يشهدون ، وقد يسعون فى أن يفتى أو يقضى أو يحكم بشىء ويتولون ويبرءون ، فلزمهم التثبت والنكرة كفاسق ونبأ فى سياق الشرط ، تظهر العموم ولا تنصبه ، والمراد هنا العموم البدلى لا خصوص الوليد بن عقبة بن أبى معيط بناء على أنه لا يظن بالوليد الجزم بأنهم منعوا الزكاة ، وأرادوا قتله ، كما قيل بهذا الجزم منه ، وانما ظن وتوهم فأخطأ . وقيل : المراد الوليد وأنه جىء بأن والتنكير سترا عليه ، والفسق لغة : الخروج ، وشرعا : الخروج عن أمر الدين بكبيرة ، ويطلق على المشرك أيضا كما ورد فى القرآن ، والنبأ الخبر مطلقا ، أو إن كانت فيه فائدة عظيم ، وقال : { إن جاءكم } ولم يقال : اذا جاءكم لقلة الفسق والاخبار به فى حيزه صلى الله عليه وسلم ، حتى انه يشك هل يتصور أن يكون والنداء بالايمان بخرج عنهم الفاسق ، إذ ليس منهم ، اذ المراد الايمان الكامل أو العموم الا أن ايمانه كلا ايمان ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " أى موحد ، والمراد أنه شبيه بالمشرك ، أو المراد لا يزنى وهو موف ، وليس ذلك نصّاً لجواز أن يراد ان جاءكم فاسق منكم ، والذين جىء اليهم هم الباقون بعد هذا المجىء ، والآية دليل على أنه لا تقبل شهادة الفاسق لا على أنه يجوز أن يجعل شاهدا ، كيف نجعله شاهدا ، ولا نكتفى بشهادته ، بل بغيرها كشهادة غيره وكالاقرار ، وكذا اذا أشهدناه ثم علمنا بفسقه ، والمطلوب انتفاء الفسق ، فنبحث عن العدالة ، والأصل الفسق ، أو العدالة قولان : وجه الأول : أن العدالة طارئة ، ووجه الثانى أنه بتوحيده يتأصل فيها ، والطارىء الفسق ، ثالثهما ، الوقف عن الحكم فى ذلك حتى يرى ما يقوى أحدهما ، كادعا الاسلام فى قوله وفعله ، مع عدم العلم العلم بكبيرة منه . والصحابة عدول لا يبحث عن عدالتهم فى شهادة ولا رواية ، لما ورد فيهم من المدح ، ولا يخلون من كبائر الا أنهم يموتون تائبين ولا بد ، وعليه جمهور قومنا أو كغيرهم ، فيبحث عنها فيهم إلا من يقطع له بها ، كأبى بكر وعمر ، ومن ترجح له ، أو عدول الى أن وقعت فتنة عثمان ، أو الى أن وقعت فتنة على ، فمن قاتله منهم فسق ، أقوال . خامسها : أن من خاض منه فى الفتن ولم يظهر معه الحق ، أو علم الحق ، وتمسك بمجرد ما ورد فيهم من المدح ، ومن أمسك لقصوره عن إدراك الحق ، فهو على عدالته ، وأما الفاسق متأول كالمجبرة والقدرية والمعتزلة ، فهل تقبل شهادته وروايته ، ان تورع فى الفروع ؟ قولان ، وغير متأول فلا نقبل عنه ، ولا تقبل عمن أحل وضع الأحاديث ترغيبا أو ترهيبا كالكرامية لا تقبل عنه ، وقيل تقبل فى غير الحديث إن تورع فى غير ذلك ، وعليه الحنفية { أنْ تُصيبُوا } كراهة أن تصيبوا أو لئلا تصيبوا { قوماً } برآء مما نسب اليهم { بجهالةٍ } منكم لحالهم متعلق بتصيبوا ، والباء لوصل الفعل ، أو متعلق بمحذوف حال من الواو ، وقالوا للملابسة { فتُصبْحُوا } تصيروا { عَلى ما فَعلتُم } على ما فعلتموه ، أو على فعلكم ، وعلى التعليل ، أو السببية متعلق بقوله : { نادمين } مغتمين غماً لازما ، متمنين أنه لم يقع ما فعلتم ، لكثرة تذكره وغير ذلك ، ولا يلزم تجديد التوبة والندم كلما ذكر الذنب على الصحيح .