Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-10)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وإنْ طائفتان } أى وان اقتتلت طائفتان { من المؤمنين } نص فى جواز تسمية الموحد الفاسق مؤمنا ، ولا يختص بالموفى { اقْتَتَلوا } تقاتلوا ، فهو من الافتعال الذى بمعنى التفاعل ، ولم يقل اقتتلتا كما قرأ به ابن أبى عبلة مراعاة للفظ طائفتين ، ولا اقتتلاكما قرأ به زيد بن على مراعاة لمعنى الفريقين ، وكما قال بينهما ، بل قال اقتتلوا مراعاة لما فى كل طائفة من تعدد الأفراد { فأصلْحُوا } بالوعظ والنصح ، وازالة شبهة ان كانت { بينهما } خطاب للباقين الذين لم يقتتلوا ، وضمير التثنية مراعاة للفظ طائفتان ، مراعاة للفظ بعد مراعاة المعنى ، والكثير العكس ، ونكتة ذلك هنا أنهم حين الاقتتال يختلط بعض الطائفة ، بالأخرى ، وفى حال الصلح تمتاز كل طائفة على حدة . { فإنْ بَغَت إحداهما عَلى الأخْرى } بعد المطالبة بالصلح ، والفاء لمجرد الترتيب إذ لم يتقدم ما يتفرغ وتسبب به { فقاتلوا التي تَبْغي حتَّى تَفيء } ترجع { إلى أمْر الله } واحد الأمور ، والمراد حكم الله ، أو هو ضد النهى ، أى الى ما أمر الله به ، ويجوز أن يكون المراد بالفاء الأولى الترتيب الذكرى ، فيرجع الكلام الى غير الصلح . أى ان رأيتم بغيا فأعينوا المبغى عليه ، إلا أنه ينبغى المطالبة أولا بالكف عن البغى { فإن فاءت } رجعت الباغية الى أمر الله . { فأصْلحُوا بيْنَهما } بالأمر برد ما أخذ من الأموال ، وبديات القتلى والجرحى والفساد فى البدن ، وعبر بالاصلاح لأنه ربما لا يتوصل الى ايصال كل ذى حق الى كل حقه إلا به ، أو الاصلاح هنا ازالة الفساد ، ويجوز الصلح ، ولو تميز كل حق وصاحبه اذا خيف دوام الفتنة بالاستقصاء ، ولا تتركوهم بلا اصلاح لئلا يرجعوا الى القتال { بالعَدْل } قيد للاصلاح ، لأن المقام مظنة الحيف { وأقْسطُوا } اعدلوا فهو تأكيد للعدل ، أى أقسطوا فى كل شىء ، فيدخل هذا الإصلاح ، وهذا تاكيد ، وأكد مطلق الاقساط بقوله تعالى : { إنَّ الله يحُبُّ المقْسِطينَ } يجازيهم على اقساطهم أحسن الجزاء ، وكيفية الإصلاح أن يقول لاحدهما : أعطوا الأخرى كذا ، واتركوا لها ما عليها ، أو اتركوا لها كذا باختياركم ، أو اذنوا لى أن أقدر ما تعطون أو يعطون ، ومن ذلك أن تترك كل واحد مالها على الأخرى ، وعليه جمهور قومنا ، فان أبوا لم يجبرهم . وقال قومنا : يجبرهم على أن تعطى الفئة الباغية قليلة العدد ، بحيث لا منعة لها ما أفسدت ، وان كانت كثيرة العددات شوكة ضمنت عند محمد بن الحسين ، لا عند غيره ، وذلك اذا فاءت ، وأما قبل التجمع والتجند ، وعند التفرق ، ووضع الحرب أوزارها فما جنته ضمنته ، وقيل : ان مراد الآية اماتة الضغن الحقد دون ضمان الجنايات وهو ضعيف ، لأنه لا يطابقه ذكر العدل والاقساط ، وانما يناسب ذكرهما تدارك الفرطات ، وأما بدونه فكأنه لا عمل للمصلح ، والخطاب فى الاصلاح العموم ، والمراد بالذات أولو الأمر أو أعظمهم ، وفى ذكر المجموع تلويح بأنه لم يصلح بينهم أولو الأمر أو كبيرهم ، فليصلح العامة أو أحدهم ، وقد قيل : الخطاب لأولى الأمر الذين يتأتى لهم الاصلاح ، ومقاتلة الباغى ، مثل أن تمتنعا من الصلح واستمرتا على القتال ، فأتاهما معا أولو الأمر وكبيرهم لعدم الاذعان الى الصلح المأمور به ، والمذهب حمل ذلك على أن تقاتل الباغية فقط ، وبه قال جماعة من قومنا ، حتى ان اعانة المبغى عليها كجهاد المشركين . وصرح بعض الحنابلة بأنه أفضل من جهاد المشركين ، لأن على بن أبى طالب ترك جهاد المشركين ، واشتغل بقتال معاوية ، وليس كذلك بل اشتغل بقتاله لما ظهر بغية وبغى من معه من بنى أمية ، فلو تركه لأدى الأمر الى فساد أقوى مما وقع ، ولولا أنه يؤدى الى ذلك لم يكن أفضل من جهاد المشركين ، وقد قدم على اشتغاله بقتال الخوارج عنه ، وقال : ليتنى لم أقاتلهم ، لأنهم أسد النهار ، ورهبان الليل ، شفيت نفسى ، وقطعت يدى ، وعاتبه ابنه الحسن ، وروى أنه تاب ولم يعتن الناس بتوبته ، لأنه لم يشهرها ، ولم تتيقن عنه ، ولما قالت الصفرية ، والنجدية والأزارقة بتحليل الدماء والأموال بالذنب ، خرج عنهم الأباضية الوهبية ، ومن أول الأمر امتنع عن قتال الخوارج عنه ، وما زال به الأشعث بن قيس عامله الله عز وجل بما أجرم حتى قاتلهم . قال ابن عمر : ندمت جدّاً إذ لم أقاتل مع على معاوية ومن معه ، لأنهم فئة باغية ، كما أمرنى الله تعالى بقوله : { وإنْ طائفتان } الخ رواه البيهقى ، والحاكم ، وذلك أن الامام هو على ، ولا يجوز لمعاوية منازعته فى الامامة ، ولا لعلى تركها ، قال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود : " " يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ " قال : الله ورسوله أعلم ، قال : " لا يجهز على جريحهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا يطلب هاربهم ، ولا يقسم فيؤهم " " ولم يذكر انتفاء المأوى ، واستخرج بعض أصحابنا اشتراطه قطعا لرجوعهم . ويروى أنه سئل علىّ عن أهل الجمل وصفين ، أمشركون ؟ قال : لا ، عن الشرك فروا ، فقيل : أمنافقون ؟ قال : لا ، ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا ، فقيل : وما هم ؟ قال : اخواننا بغوا علينا ، ونادى منادى على يوم الجمل : ألا لا يتبع مدبر ، ولا يقتل أسير ، ولا يجهز على جريح ، فيؤخذ من ذلك أنه لا يقتل الأسير الموحد ، وأتى على بأسير يوم صفين فقال : لا أقتلك صبرا انى أخاف الله رب العالمين ، ولا يحكم على ما فى بعض الكتب على احدى الطائفتين بما أتلفت من مال أو نفس ، وعبارة بعض قومنا من كانوا قليلين أو لم يكن لهم تأويل أو لم ينصبوا إماماً فلا يتعرض لهم ان لم ينصبوا قتالا ، ولم يتعرضوا للمسلمين ، وان فعلوا فهم كقطاع الطريق . وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه الى سعد بن عبادة ليزوره ، والذى فى الصحيحين ليعوده ، أى من مرض قبل بدر ، فمر على عبد الله بن أبى بن سلول فقال لعنه الله : اليك عنى ، والله لقد آذانى ريح حمارك ، فقال له رجل من الخزرج ممن جاء معه ، هو عبد الله بن رواحة ، والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجال من قومه من الأوس ، وغضب للخزرجى رحمه الله رجال من قومه من الخزرج ، وتقاتلوا بالجرائد والنعال والأيدى ، فنزلت الآية ، وقيل : ان القصة وقعت لذهابه الى عبد الله بن أبى ، إذ قيل له : لو أتيته لتصلح بين الأوس ، والخزرج لقتال متقدم بينهم ، فالطائفتان الأوس والخزرج ، وقيل : أتاه إذ قيل له أتيته لتدعوه الى الاسلام ، وفى الصحيحين رواية عن أسامة : أنه انطلق الى سعد ليعوده ، فمر على أبى فى مجلس فيه المسلمون والمشركون عبدة الأصنام ، واليهود والمنافقون ، وأنه قرأ عليهم القرآن ، فقال أبى : لا أحسن مما قلت ، لكن لا تؤذونا فى مجلسنا ، ارجع الى رحلك وقص على من جاءك . وفى الصحيحين أيضا رواية عن أنس قيل له صلى الله عليه وسلم : انطلق الى أبى إذ قيل له ، أى ائته ، أى لتدعوه الى الاسلام ، وذكر ابن جرير ، عن السدى أن الآية فى عمران الأنصارى وزوجه أم زيد ، إذ منعها أن تزور أهلها ، وقفل عليها فى علية ، فبعثت اليهم ، فجاءوا وهو غائب فأخرها ليمضوا بها ، فقاتلهم بنو عمه بالجرائد ، وبما ذكر ، وقال قتادة الآية نزلت فى رجلين قال أحدهما لكثرة قومه : والله لآخذن حقى عنوة ، ودعام الآخر اليه صلى الله عليه وسلم ، وتضاربا هما وقوماهما ، وأكد الاصلاح العام أيضام بقوله : { إنَّما المؤمنُون إخوةٌ } عظام أشقاء ، استعارة تصريحية لجامع لتعاون ، كما يتعاون الاخوة يتعاون أهل الاسلام فى الاسلام ، ولجامع الانتساب الى أصل واحد ، وهو الايمان الموجب للحياة الأبدية ، ولجامع المشاركة ، فانهم اشتركوا فى الايمان الذى هو منشأ البقاء الأبدى ، والتوليد الذى هو منشأ الحياة ، وذلك على مختار السعد فى : زيد أسد ، أو المشهور أنه تشبيه بليغ إذ ذكر المشبه والمشبه به معاً ، فلفظ اخوان فى الصداقة ، ولفظ الاخوة فى النسب ، والعكس قليل ، ومن الكثير الآية على التشبيه باخوة النسب ، لأنها أقوى وأشد اتصالاً وتعاضدا ، وأكثر فى الوجود ، فالاخوة النسبية أكثر من اخوة الصداقة ، ولأن اخوان الصداقة مجاز عن اخوة النسب ، وزاد تأكيدا بقوله تعالى : { فأصْلحُوا بَيْن أخَويكُم } إذ وضع الظاهر موضع المضمر تحضيضا لهم على الاصلاح بذكر الاخوة ، والأصل فأصلحوا بينهم ، والاضافة لجنس فعمت الطائفتين ، كما قرأ ابن سيرين ، بين اخوتكم بالتاء ، وكما قرأ زيد بن ثابت ، وابن مسعود : بين اخوانكم بالنون ، وحكمة صورة التثنية الاشارة الى وجوب الصلح بين شخصين ، فكيف جماعتان ، والى أن الطائفتين ولو كثر أفراد كل واحدة فى الاتصال ، وقد قيل : المراد بالأخوين الأوس والخزرج ، لاجتماعهما فى الجد الأعلى ، وكان كل واحدة أخ ، وفى البخارى ومسلم ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " . { واتَّقُوا الله } فى اعتقادكم وأقوالكم وأفعالكم ، ومنها الاصلاح فلا تتهاونوا به { لعَلَّكم تُرحَمون } لترحموا ، أو قائلين لعلنا نرحم .