Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 103-103)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } فى الدنيا ولا فى الآخرة ، ولا يختص الإِدراك بالكنه ، بل من أَدرك طرف شئ فقد أَدركه ولو لم يدركه كله ، ورؤيته تعالى توجب التحيز والجهات والزمان والحلول واللون والغلط أَو الدقة والطول والعرض والحاجة وذلك يوجب الحدوث ، ونفى الإِدراك مدح وما هو مدح يستمر فى الدنيا والآخرة ، ولا يدرك بالقلب أَيضاً لأَنه إِذا صوره القلب لزم تحيزه ، وما ذكر بعده ، وإِنما تدرك أَفعاله الدالة على أَوصافه الموجبة لوجوده بلا أَول ولوحدانيته وهو مخالف للحوادث وجوباً وما وجبت مخالفته للحوادث لا تدركه الحوادث لأَن إِدراكها إِياه يناقض المخالفة ، والفرض المخالفة ، وأَل للاستغراق باقية على العموم الشمولى بعد النفى فشملت أَبصار المؤمنين وأَبصار الكفار كما هو الوارد فى القرآن بلا تكلف تأويل فى قوله تعالى { إِن الله لا يحب كل مختال فخور } [ لقمان : 18 ] نحو هذا ، وأَما قوله تعالى { إِلى ربها ناظرة } [ القيامة : 23 ] فمعناه إِلى دلائل ربها أَو إِلى رحمة ربها ، والنظر بمعنى الانتظار قد جاءَ تعدية بإِلى أَو إِلى معناه النعمة ، أَى ناظرة إِلى ربها أَى ناظرة نعمة ربها ، وأَما قوله صلى الله عليه وسلم : " سترون ربكم " فمعناه ازداد اليقين فى الجنة بدلائل لم يتقدم مثلها ، وهذا هو المراد أَيضاً فى رواية ترون ربكم بعين رأسكم ، أَى تشاهدون بأَبصاركم دلائل لم تتقدم فى الدنيا وذلك أن رؤيته منافية لقوله تعالى { ليس كمثله شئ } [ الشورى : 11 ] ولسائر صفاته وعموم الأَزمنة يدل على عموم الأَمكنة ، والبصر يطلق على العين وعلى القوة التى فيها وعلى قوة القلب ، والمراد هنا العين أَو القوة التى فيها ، وقيل ذلك والأَوهام والأَفهام ، فعلل على توحيد الله أَنه لا تتوهمه ، وقال كل ما أَدركته فهو غيره ، وحمل بعضهم الآية على قوة القلب ، وقال الصديق رضى الله عنه : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته ، وقد قال إِمام الأََشعرية أَبو الحسن الأَشعرى : المنفى فى الآية الرؤية المطلقة المحيطة وغير المحيطة ، وكما تؤدى الإِحاطة به إِلى نقص يؤدى إِدراكه بلا إِحاطة إِلى نقص ، والإِسناد فى لا تدركه الأَبصار مجاز عقلى ، أَى لا يدركه أو لو الأبصار ، والفعلية للتجدد والاستمرار التجددى ، والاسمية للدوام فى قوله تعالى كما قالوا وهو يدرك الأَبصار ، وهذا عجيب فإِنه لا فرق بين تقدم الفعل وتأَخره ، فقولك يدرك الأَبصار وقولك هو يدرك الأَبصار ، فقام زيد وزيد قام سواء { وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } يراها أَى يعلمها ، والبصر الأَسود الذى وسط أَسود العين ، وبه يكون الإِبصار ، أَو القوة المودعة فى ذلك الأَسود ، أَو فى العصبتين المجوفتين المؤديتين إِليه ، وقد يطلق على العين لأَنها محل ذلك ، والعصبتان ممتدتان من خارج { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } اللطف الدقة الموجبة لخفاء الإِدراك ، مستعار من مقابل الكثيف الذى لا تدركه الحاسة ولا ينطبع فيها ، وهذا هو المراد هنا ، وقد يطلق اللطيف على الخفى المدرك ، وهو عائد إِلى قوله عز وجل { لا تدركه الأَبصار } وذلك أَنه خلق الأَبصار على أَن لا تدركه وعلى عدم إِمكان إِدراكها إِياه ، والخبرة العلم بما دق وخفى وهى عائدة إِلى قوله عز وجل وهو يدرك الأَبصار ، والحاصل أَنه لا تدركه الأَبصار لأَنه من شأنه الخفاء عنها ويدركها لكمال علمه ، وكذا يفسر ما فى سورة الملك ، وأَما الذى فى سورة الشورى فيعنى الذى يربى الخلق بصنوف الإِنعام التى لا تدركها الأَوهام ، ولا يليق تفسير الآية هنا به ، فلا يليق بالمقام ما قيل من أَن المعنى لطيف بأَوليائه خبير بهم .