Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-1)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، الحَمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ } إِخبار بأن جميع الحمد لله عز وجل ، حتى حمد مخلوق لمخلوق على نعمة ؛ لأَنَّ الله عز وجل هو الخالق لها الموفق لإعطائها والملقى الإِحسان فى قلب المعطى ، فالله أَهل للحمد حمد أَو لم يحمد ، وإِذا قلنا الحمد لله إِخبار منا على جهة تعظيم الله بأَنه أَهل للحمد فقد حمدنا ، ولا سيما إِن قصدنا الإنشاء بالجملة الاسمية على القلة ، فقد حصل الحمد إِلا أَن الوجه الأَول أَحسن لعمومه من قصد الإِنشاء . فإِن قصده مطابق لقول من يقول : المراد أَحمد الله حمداً فنقل للجملة الاسمية ، فإِن قولك أَحمد يوهم أَداءَ حق الحمد ولو على قصد الاستمرار مع أَن حق الحمد لا يفى به أَحد ، فإِن كل الحمد نعمة توجب الحمد على التسلسل ، لأَن كل الحمد بتوفيق ، وهو نعمة كما قال داود ذلك فأَوحى الله إِليه : الآن شكرتنى إِذ عرفت عجزك عن شكرى ، ولما قال : إِياك نعبد وإِياك نستعين ، علمنا أَن المراد بالحمد أَول الفاتحة والأَنعام وغيرهما تعليم العباد اللفظ الذى يلفظون به فى إِيقاع الحمد ، ويجوز أَن تكون الجملة إِنشاءَ الخلق الحمد قولوا : الحمد لله ، وجمع السماوات لتخالفها بالذات كذهب وفضة وموج ، بخلاف الأَرضين فإِنهن وإِن كن سبعاً كالسماوات لكنهن كلهن تراب ، وورد فى بعض الأَخبار تخالفهن ، والله أَعلم بصحة ذلك وعدمه ، وأَما كونهن سبعاً فهو الحق كما قال : { ومن الأَرض مثلهن } [ الطلاق : 12 ] ، والتأويل خلاف الأَصل ، وقد روى الترمذى عن أَبى هريرة ، عنه صلى الله عليه وسلم أَن الأَرضين سبع ، بين الواحدة والواحدة خمسمائة عام ، وقدم السماوات لشرفهن بالوحى والملائكة وعبادتهم وعدم المعصية فيها إِلا ما وقع من إِبليس لتقدم خلقهن كما هو ظاهر من قوله تعالى : { والأَرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 30 ] ، ويقال : خلق الله عز وجل إِبليس تحت الأَرض السابعة فعبده أَلف سنة ، وفى السابعة أَلفين وفى السادسة ثلاثة آلاف والخامسة أَربعة آلاف ، وفى الرابعة خمسة آلاف ، وفى الثالثة ستة آلاف ، وفى الثانية سبعة آلاف ، وفى الأولى ثمانية آلاف ، ثم فى السماء الأُولى تسعة آلاف ، وفى الثانية عشرة آلاف ، وفى الثالثة أَحد عشر ألفاً ، وفى الرابعة اثنى عشر أَلفاً ، وفى الخامسة ثلاثة عشر ألفاً ، وفى السادسة أَربعة عشر أَلفاً ، وفى السابعة خمسة عشر ألفاً ، وذلك مائة وعشرون أَلفاً ، وقدام العرش ضعف ذلك مائتين وأَربعين أَلف سنة ، ولم يبق موضع فى الأَرض إِلا سجد فيه ، وقال : يا رب ، هل بقى موضع لم أسجد فيه ؟ ، قال : نعم ، هو فى الأرض فاهبط ، فهبط ، فقال : ما هو ؟ فقال : هو آدم فاسجد له ، فقال : هل بقى موضع سوى آدم ؟ فقال : لا ، قال : لم أَمرتنى بالسجود له ، وفضلته علىَّ ؟ قال : أَنا المختار أَفعل ما أَشاءُ ، لا أُسأَل عما أَفعل ، فارتعدت الملائكة وله ستمائة أَلف جناح مرصع بالجواهر ، ولباس من نور ، وزالت كلها لما أَبى ، وقيل : رأَى آدم صورة من طين بين مكة والطائف ، فاحتقره لطينته ، فزال ذلك كله عنه { وَجَعَلَ } أَى خلق ، فله مفعول واحد كخلق ، والفرق أَن فى الخلق معنى التقدير كقوله : { فتبارك الله أَحسن الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] . وقول الشاعر : @ وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى @@ فذلك إِيحاء من الله بقدر وتسوية ، والعطف على خلق السماوات والأَرض لا على الحمد لله ، وفى الجعل تحصيل شئ من شئ ، أَو تصييره إِياه ، أَو نقل منه إليه ، ولذلك سلط على قوله { الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } إِذ لم تقم الظلمة والنور بأَنفسهما كما زعمت المجوس الثنوية أَن النور والظلمة قائمان بأَنفسهما غير مخلوقين وأَن خالق كل خير النور وكل شر الظلمة ، ومن المجوس من قال : النور خلقه هرمز ، أَى الله ، والظلمة خلقها الشيطان ، ومن المجوس من قال : يزدان خلق النور وهو الله ، وهرمز خلق الشر ، وهرمز فى هذا القول الشيطان ، والآية رد عليهم ، والله خالق كل شئٍ إِلا أَنه خص الظلمات والنور لأنهما أَعظم المخلوقات للناظرين ، وأَل للاستغراق أَو الحقيقة ، حتى أَنه قيل : شملت نور العلم والإِيمان وظلمة الجهل والكفر ، كما شملت نور الشمس والقمر والنجوم والنار ، وكل ما له نور ، وظلمة الليل والكسوف والخسوف . وقيل : الأَجرام النيرة كالكواكب لا ضوءَ لها ولا ظلمة ، وجمع الظلمة لكثرة الأَجرام الحاصلة لها ، وكثرة أَسبابها ، وهو تحلل الجرم الكثيف بين النير والمحل المظلم وكل جرم له ظل وهو ظلمة ، بخلاف النور فإن سببه ليس إِلا النار والكواكب ، بل قيل : الكواكب وكل نير من النار ، أَلا ترى أَن الضوءَ القوى حار ، كما قيل الكواكب نورية نارية ، وأَن الشهب تنفصل عنها ، والنور يدركه البصر أَولا وبواسطته يدرك سائر المبصرات ، والظلمة عدم النور فيما يقبله ، وقيل : الكيفية الوجودية المضادة للنور استدلالا بقوله تعالى : { وجعل الظلمات والنور } ، كما أَن الأَعدام غير مخلوقة ، قلت : الحق أن الأَعدام التى بعد الأَزل المنبئة على وجود ضدها الثابتة بفقد ضدها وجودية مخلوقة كالظلمة بعد النور ، والأَعدام الصرفة غير وجودية فلم تخلق ، وأَما كثرة الظلمة بمعنى الضلال ، وقلة النور بمعنى الهدى ، فلأَن الهدى واحد ، ووجوه الضلال متعددة ، والظلمة عرض يضاد النور ووجودى بدليل الجعل فى الآية وقدمها لتقدم الأَعدام على الملكة ، أَعنى الوجود . والظلمة سابقة على النور ، { ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } عطف على الحمد لله ، لأَن المعنى أن الله حقيق بالحمد على صفاته وأَفعاله ونعمه ، وهو لم يوفوه حقه فى الحمد ، بل الذين كفروا عدلوا أَى سووا به غيره مما ليس له ذلك الوصف وما معه من الأَوثان وغيرها ، وثم لبعد ذلك عقلا وشرعا مبالغة فى ذمهم ، كما بالغ فيه بتقديمه تحقيقا للاستبعاد ، وبالإظهار فى موضع الإِضمار تحقيقا لاستبعاد أَن يكفر بمن هو رب منعم قادر ، أَو تعلق الباء بكفروا ويقدر مثله ليعدلون ، أَو يقدر يعدلون عنه أَى يميلون ، والكفر بمعنى الإِشراك ، وبمعنى كفر النعمة ، والآية دليل على التوحيد ، والتى بعدها إِلى قوله { تمترون } [ الأنعام : 2 ] دليل على البعد .