Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 2-2)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ } بخلق أَبيكم آدم منه إِذ ما كنتم إِلا منه ، وهو من طين فكأَنهم من طين بلا توسط آدم ، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إِلا ويذر على النطفة من تراب قبره " ، وعلى هذا فهو من طين بلا توسط من آدم ، قلت : وعلى تقدير صحة الحديث لا نسلم أََن ذر التراب على النطفة خلق من التراب ، ويجوز أَن تكون الواسطة الغذاءَ المتولد من تراب أَو مما تولد منه ، أَو يقدر مضاف ، أَى خلق أَباكم من طين ، ومن خلق من طينى فهو طينى ، والخطاب للكفار على طريق الالتفات ، وخلق السماوات والأَرض والظلمة والنور دلائل قوية على قدرته تعالى على البعث ، وعقبها بخلقهم من طين لأَن دليل الأَنفس أقرب إِلى الناظر { ثُمَّ قَضَى } في الأَزل ، أَى قدر وحكم { أَجَلاً } للموت وثم لترتيب الذكر ، لأَن الخلق متأَخر عن القضاء الذى هو الإِرادة الأَزلية ، والعناية الإِلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص ، والقدر وجودهن خارجا ، وهو تعلق تلك الإِرادة بالأَشياءِ فى أَوقاتها ، أَو قضى بمعنى أَظهر فى اللوح المحفوظ وللملائكة فتكون ثم لترتيب الزمان ، وفى البخارى ومسلم وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم : " إِن أَحدكم يجمع خلقه فى بطن أُمه أَربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إِليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأَربع كلمات يكتب رزقه ، وأَجله وعمله ، وشقى أَو سعيد " ، { وَأَجَلٌ مُسَمَّى } مثبت معين لا يقبل التغيير ، ومعلوم ومذكور في اللوح المحفوظ { عِنْدَهُ } هو يوم القيامة وصفه بأَنه عنده إِشعاراً بأَنه لا مدخل ولا قدرة لغيره فيه ، ولا علم بخلاف الأَجل المذكور أَولا ، فقد يكون معلوماً عندنا على التعيين كما يوحى به للأنبياءِ ، ونعلم أَيضاً مدة حياة الإِنسان إِذا شاهدنا موته ، أَو أَخبرنا به ، وعلمنا عمره ، وذلك بعد الموت ، وإِنما انتفى قبل موته . قال الله عز وجل فى موضع موته : { وما تدرى نفس بأَى أَرض تموت } [ لقمان : 34 ] والأَجل آخر المدة ، وقد يطلق أَيضاً على المدة ، كما قال ابن عباس رضى الله عنهما : لكل أَحد أَجلان ، أَجل من ابتداءِ الخلق إِلى الموت ، وأَجل من الموت إِلى البعث فان كان تقيا وصولا لرحمه زيد له من أَجل البعث في أَجل العمر ، وإِن كان فاجرا قاطعا لها نقص من أَجل العمر فى أَجل البعث ، والآية قابلة لهذا المعنى ، إِنه قضى له بطول العمر لبره ، أَو بقصره لفجوره ، وقيل : الزيادة والنقص البركة فى العمر وعدمها ، أَو أَجل الأَول فى الآية أَجل الماضين ، والثانى أَجل الباقين ، وخص الثانى بالعندية لأَنه لا يعلمه غيره ، أَو الأَول أَجل الطبيعة الذى لو بقى الشخص على طبيعته ومزاجه المختص به ولم تعرض له فيه آفة لانتهت إِلى أَن تنحل رطوبته وتنطفئَ حرارته الغريزية فيموت ، وكل ذلك بخلق الله عز وجل ، والثاني أَجل الاخترام بنحو القتل والغرق ، أَو الأَول للنوم ، والثانى للموت ، وقيل : الأَول الأَجل وقت حياته فى الدنيا ، والثانى أَجل الآخرة الذى لا آخر له ، ونسب لمجاهد وسعيد بن جبير ، وانظر كيف يطلق الأَجل على المدة التى لا نهاية لها . الجواب أَن المراد بالأَجل مدة لها نهاية وزمان لا ينتهى ، { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } تشكون أَيها المشركون فى البعث ، وثم لاستبعاد أَن يكون امتراؤهم حقا جائزاً بعد أَن ثبت عندهم أَنه خالقهم وخالق أُصولهم ومحييهم إِلى آجالهم ، فكيف لا يقدر على ردهم بعد الموت ؟ فإِنه أَهون من خلقهم فى بادئ الرأى وسواء فى الحقيقة .