Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 31-31)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ خَسِرَ } منازل فى الجنة وأَزواجاً والأَنفس بمنازل فى النار { الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ } بالبعث والجزاء على أَن لقاء الله استعارة تمثيلية عن البعث وما بعده ، وقدر بعض مضافاً أَى بلقاء جزاء الله { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ } القيامة لأَن الموت مبدؤها وباب لها ، قال صلى الله عليه وسلم : " من مات فقد قامت قيامته " وحتى غاية التكذيب ولو كانت ابتدائية كما مر بيانه ، ولا يخفى أَن التكذيب ينقطع بالموت فليسوا باقين فى التكذيب حتى يبعثوا ، أَو غاية للخسران ، أَى خسر المكذبون إِلى قيام الساعة بأَنواع البلاء ، وإِذا قامت وقعوا فيما ينسيهم هذا الخسران ، والساعة قطعة من الزمان وغلبت على الوقت المعلوم كالنجم للثريا ، وسمى ساعة لقلته بالنسبة إِلى الخلود ، أَو لسرعة الحساب فيه ، وفسره بعض بوقت الموت هنا { بَغْتَةً } حال ، أَى فى نفس البغتة مبالغة ، أَو ذات بغتة أَو باغتة ، أَو مبغوتين بها ، أَو جاءَت بمعنى بغتت كقمت وقوفاً ، أَو باغتة بغتة ، أَو نبغتهم بغتة ، ، والبغتة المفاجأَة من غير استعداد ولا جعله ببال ، ولو جعل ببال لم يعد بغتة ولو لم يستعد له ، وفى التعبير عن القيامة بالساعة تلويح إِلى سرعة الحساب ، وإِيذان بأَنها شهرت حتى لا ينصرف عنها لفظ الساعة علماً بالغلبة فكيف يغفل عن الاستعداد لها ، { قَالُوا } جواب إِذا ، ومن زعم أَن حتى جارة قال استئناف { يَا حَسْرَتَنَا } ندمنا وتلهفنا احضر فهذا وقتك ، والمراد شدة التحسر ، وتصريحهم بإهمال أَنفسهم عن الحق حتى نادوا للحسرة والحسرة لا تسمع وتقبل ، وقد قيل كأَنهم ذهلوا حتى نادوها ، ويقال : هذا التحسر وإِن كان عند الموت لكن الموت من مقدمات الآخرة ، فجعل من جنس الساعة وسمى باسمها ، أَو جعل مجيءَ الساعة بعد الموت كالواقع باتصال { عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } ما مصدرية ، أَى على تفريطنا فى الدنيا ، وإِن لم يجر لها ذكر لعلمها من المقام ، وتقدر فى أخرى ومجرورها ، أَى فى الإِيمان والعمل الصالح ، لجواز تعليق اسم الزمان ومجرور فى بعامل واحد ولو بلا تبعية ، والدنيا زمان فكما يجوز أَقمت زمانا فى مكان كذا أَو فى عمل كذا يجوز أَقمت فى زمان فى مكان أَو فى عمل ، ويجوز عود الضمير إِلى الأَعمال لعلمها من المقام فلا تقدر فى أخرى ، أَى فى الدنيا ، أَو تقدر وتعلق فى الأَعمال ، كما قيل بعودة إِلى ما على أَن ما اسم واقع على الأَعمال ، أَى على الأَعمال التى قصرنا فيها ، وقيل بعود الضمير إِلى الساعة ، أَى فرطنا فى مراعاة حق القيامة ، وقيل إِلى الجنة أَى فرطنا فى طلبها ، وقيل إِلى الصفة لدلالة الخسران عليها ، وهو أَقوال بعيدة ، ويقولون يا حسرتنا على ما فرطنا فيها حال حملهم الوزر كما بينه بواو الحال فى قوله { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } ذنوبهم { عَلَى ظُهُورِهِمْ } سمى الذنوب أَوزاراً لثقلها ثقلا معنويا وهو شدة العذاب عليها أَو حسياً كما هو معنوى أَيضاً ، كما روى أَن المؤمن إِذا خرج من قبره استقبله أَحسن شئ صورة وأَطيبه ريحاً ، فيقول : هل تعرفنى ؟ فيقول : لا ، فيقول : أَنا عملك الصالح فاركبنى فقد طال ما ركبتك فى الدنيا ، فذلك قوله تعالى { يوم نحشر المتقين إِلى الرحمن وفداً } [ مريم : 85 ] يعنى ركباناً ، وأَما الكافر فيستقبله أَقبح شئ صورة وأَنتنه ريحاً ، فيقول : هل تعرفنى ؟ فيقول : لا ، فيقول : أَنا عملك الخبيث ، طال ما ركبتنى فى الدنيا ، فإِنا اليوم أَركبك ، فذلك قوله تعالى : { وهم يحملون أَوزارهم على ظهروهم } ، وقيل يدخل معه قبره فى أَقبح وجه وأَسوئه ، وأَنتن ريح وأَدنس ثوب ، ويقول : من أَنت ؟ ما أَقبحك فيقول : أَنا عملك فى الدنيا ، وإِذا خرج وجده أَيضاً ، ويركبه حتى يدخله النار ، والصحيح أَن الأَعمال لا تجسم ، فيحمل الحديث والقرآن على التمثيل ، وخص الظهر لأَنه يطيق من الحمل ما لا يطيقه غيره من الجسد ، وهو الأَصل فى الحمل ، كما أَن الكسب فى الأَكثر بالأَيدى وهى الأَصل فيه { أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ } أَى ما يذنبون ، أَى يكسبونه من الذنوب ، أَو يحملونه ، والمخصوص بالندم محذوف ، أَى حملهم ذلك ، أَو ذنوبهم تلك ، وساءَ من باب نعم وبئس فحول من الفتح إِلى الضم واللزوم ، أَو مستعمل فى التعجب كذلك ، أَو باق على الفتح والتعدية ، أَى ساءهم ، وما موصول اسمى ، أَو نكرة موصوفة أَو مصدرية ، ولا حمل فى الآية ، بل تمثيل لاستحقاقهم العقاب ، لأَن الذنوب أَعراض لا أَجسام .