Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 52-52)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } يعبدونه ويطلبونه كحديث الدعاء مخ العبادة ، وقيل : الدعاء الصلاة ، وقيل : الذكر ، وقيل : قراءَة القرآن { بِالْغَدَاةِ } فى الغداة { وَالْعَشِىّ } عبر بهما عن جميع الأَوقات بحسب طاقتهم ، وخص اللفظ بالوقتين لشرفهما ، ولأَنهما طرفان لكن فى النهار ، فما قيل عن ابن عباس من صلاة الفجر وصلاة العصر تمثيل ، فقد قيل عنه : الصلوات الخمس ، وأَصل الغداة الغدوة بفتح الدال ، والواو قلبت أَلفاً لتحركها بعد فتح { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } حال من واو يدعون ، وجملة يدعون علة للنهى عن الطرد لأَن الموصول كالمشتق فهو مؤذن بعليته ، وجملة يريدون تأكيد لهذه العلية ، لأَن الإِخلاص المعنى بقوله يريدون وجهه من أَقوى موجبات الإِكرام المضاد للطرد ، ووجه الله ، ومعنى إِرادته إِخلاص العمل له تعالى ، أَو وجهه جهته ، أَى الجهة التى يريد أَن تسلك وهى السبيل الذى أَمرهم به ، أَو كناية عن المحبة والرضى ، فإِن من أَحبك أَحب أَن يرى ذاتك ، أَو ذكر الوجه تعظيم ، روى أَنه جاءَ الأَقرَع بن حابس وعيينة وعباس ابن مرداس ، قيل : ومعهم بعض قريش فوجدوا النبى صلى الله عليه وسلم جالساً مع ناس من ضعفاء المسلمين كعمار ابن ياسر وصهيب وبلال وخباب وسلمان ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، وقالوا : يا رسول الله لو جلست فى صدر المجلس وأَبعدت عنك هؤلاء ورائحة جبابهم - وكانوا فى جبب من صوف لها رائحة كريهة لمداومة لبسها لعدم غيرها - لجلسنا إِليك ، وأَخذنا عنك ، كرهوهم لذلك ، وكرهوا بعضاً لذلك وكونه مولى كسلمان وبلال وبكر الغنوى ، كلهم موال ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " ما أَنا بطارد المؤمنين " ، قالوا : فإِنا نحب أَن تجعل لنا مجلساً تعرف به العرب فضلنا ، فإِن وفود العرب تأْتيك فنستحى أَن ترانا مع هؤلاء الأَعبد ، فإِذا نحن جئناك فأَقمهم عنا ، وإِذا فرغنا فاقعد معهم إِن شئت ، قال : " نعم " ، قالوا : فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً ، فأَتى بالصحيفة ودعا علياً ليكتب فنزل جبريل بقوله : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } إِلخ … فأَلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة ، قال عمار : ثم دعانا وهو يقول : سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ، فكنا نقعد معه ، فإِذا أَراد أَن يقوم قام وتركنا ، فأَنزل الله عز وجل ، واصبر نفسك … الآية ، فكان يقعد معنا ولا يقوم وندنو منه حتى كادت ركبتنا تمس ركبته فإِذا بلغ الساعة التي يريد أَن يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم لئلا نثقل عليه ، وروى أَنه نهاه الله أَن يطردهم ترضية لقريش ، وفيه أَن القصة فى المدينة ولا رأى لهم فيها إِلا من أَخلص الإِيمان منهم ، وفيه أَن الأَقرع وعيينة والعباس إِنما دعوا إِلى الإِسلام وكانوا مؤلفة فيها لا فى مكة ، وكذا سلمان فى المدينة ، وروى أَنهم لما قالوا : أَقم عنك هؤلاء الأَعبد إِذا جئنا ، قال عمر رضى الله عنه : لو فعلت حتى تنظر إِلى ماذا يصير أَمرهم ، فدعا بالصحيفة وعلى ليكتب فنزل ذلك ، وروى أَن عتبة وشيبة ابنى ربيعة ، وقرظة بن عمرو بن نوفل ومطعم بن عدى فى أَشراف الكفار من ابن عبد مناف أَتوا أَبا طالب ، وقالوا : لو طرد ابن أَخيك هؤلاء الأَعبد والحلفاءَ كان أَعظم له فى صدرونا وأَطوع له عندنا وأَدنى لاتباعنا إِياه وتصديقه ، فذكر ذلك أَبو طالب للنبى صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر رضى الله عنه : لو فعلت يا رسول الله حتى تنظر ما يكون منهم فأنزل الله تعالى : وأَنذر به . . إِلى بالشاكرين ، وأَنزل فى أئمة الكفر : وكذلك فتنا بعضهم ببعض . واعتذر عمر من قوله فنزل : وإِذا جاءَك الذين يؤمنون بآياتنا إِلخ … والحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلى ، وعمرو بن عبد عمرو ، ومرثد بن أَبى مرثد ونحوهم ، وزادوا فى الطعن على ذلك بأَن قالوا : لا إِيمان فى قلوبهم ، بل أَظهروا الإِيمان لتطعموهم وتكسوهم ، فنزل قوله تعالى { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ } حساب هؤلاء المؤمنين ، ما فى القرآن أَبداً حجازية ولو لم تعمل عمل ليس لتقدم الخبر كما هنا { مِنْ شَىْءٍ ، وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } اكتف بظاهر حالهم من الإِيمان ، وحساب باطنهم على الله ، لا تحاسب بهم ولا يحاسبون بك ، بل كلٌّ وعمله واعتقاده ، ولعل إِيمانهم ونفعهم فى الإِسلام خير من إِيمان هؤلاء ونفعهم لو آمنوا ونفعوا ، وما عليك من حساب رزقهم شىء ولا عليهم من حساب رزقك شىء ، وما على الأُمة إِلا الطاعة وما عليك إِلا التبليغ ، ورزق كل أَحد على الله ، وذلك كما قال قوم نوح : { وما نراك اتبعك إِلا الذين هم أَرذالنا بادى الرأى } [ هود : 27 ] ، ويجوز عود الهاءين الأَولين لنحو الأَقرع وعيينة ، والأَخير لنحو عمار وصهيب ، أَى لا تؤاخذ بكفرهم ولا تعاقب ولا يؤاخذون بشأنك ، ولا تزر وازرة وزر أُخرى ولا تثاب ثوابها ، فضلا عن أَن تطرد المؤمنين طمعاً فى إِيمانهم ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما : لا تؤاخذ بحسابهم حتى يهمك إِيمانهم ، ويدعوك الحرص عليه إِلى أَن تطرد المؤمنين ، وعلى كل حال تكون وما من حسابك زيادة فائدة ومقابلة لما قبله وكأَنهما جملة واحدة ، فتطرد منصوب فى جواب نفيهما معاً ، وأَما تكون فمنصوب فى جواب لا تطرد ، أَى لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه فتكون من الظالمين ، ومن الداخلة على شىء فى الموضعين صفة للتأكيد وشىء فاعل لعليك ولعليهم ، ولاعتمادها على النفى . ومن حسابك حال من شىء ، وكذا من حسابهم ، ويجوز جعل شىء مبتدأ ومن حساب حال منه على قول سيبويه بجواز الحال منه ، وهذا أَرجح فى قوله ومن من حسابك ، ليسلم من القلة فى تقديم الحال على عاملها المعنوى وهو النائب عن ثبت أَو ثابت الرافع المكتفى به عن خبر المبتدأ ، أَو خبر ما ، وقدم عليك وحسابك لأَنهما خطاب له صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قرب من رد العجز على الصدر نحو عادات السادات سادات العادات ، وذلك تعظيم له صلى الله عليه وسلم ، وإِلا فمقتضى الظاهر وما عليهم من حسابك من شىء ، وقيل : قدم عليك فى الأُولى قصداً إِلى إِيراد النفى على اختصاص حسابهم به صلى الله عليه وسلم إذ هو الداعى إِلى تصديقه صلى الله عليه وسلم لحسابهم .