Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 73-74)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } قائماً بالحق والحكمة ، أَو الباء بمعنى اللام ، أَى لإِظهار الحق فإِن صنعه دليل وحدانيته ، فهو كقوله تعالى { ربنا ما خلقت هذا باطلا } [ آل عمران : 191 ] وقوله { وما خلقنا السماوات والأَرض وما بينهما لاعبين } [ الدخان : 38 ] وقالت المعتزلة أَن معنى قوله بالحق أَنه واقع على وفق مصالح العباد المكلفين ، مطابق لمنافعهم ، ومذهبنا ومذهب الأَشاعرة أَن فعل الله لا يختص بمصلحتهم { وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُون } واذكر يوم يقول للخروج من القبور كن فيكون ، أَو يقول لكل ما يكون فى اليوم الآخر كن فيكون ، أَو يوم يقول للنفخ فى الصور كن فيكون ، لا يوم يكون الصور ؛ لأَن الصور موجود من أَول الدنيا ، قيل : أَو يوم يقول لهذا اليوم كن فيكون هذا اليوم ، أَى اذكر يوماً سيكون بإِذن الله تعالى ، والكون تام وفيه اتحاد اليوم ووقت القول ، وهو لا يتجه إِلا أَن يراد باليوم المذكور فى الآية وقتاً متصلا بيوم البعث قبله ، أَو ثابتاً بالحق يوم ينفخ ، أَو خلق السماوات والأَرض ، وخلق يوم يقول عطف على السماوات أَو الأَرض أَو عطف على الهاء أَى واتقوا يوم يقول ، والمراد بقول كن توجه الإِرادة الأَزلية إِلى وجود شىء { قَوْلُهُ الحَقُّ } مبتدأ وخبر ، أَو مبتدأَ خبره يوم يقول ، والحق نعته ، أَو الحق فاعل يكون ، أَو مبتدأَ خبره يوم ينفخ { وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّور } ثبت له الملك يوم ينفخ فى الصور نفخة الموت ، وأَما قبله فلغيره أَملاك بحسب الظاهر ، لكن الملك له تعالى بالحقيقة ، ويوم القيامة لا مدعى للملك ويختص بالله عز وجل ، كقوله عز وجل { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر : 16 ] أَو يوم بدل عن يوم ، أَو يتعلق بتحشرون ، أَو بالملك أَو بيقول ، أَو بالحق الثانى ، أَو بقوله { عَالِمُ الغَيْبِ } ذى الغيب أَو الغائب أَى ما غاب من الخلق أَو عن بعضهم مما مضى أَو يأْتى أَو وجد من الدنيا والآخرة ، وملك النفخ واحد على المشهور ، وفيه كلام بسيط ، وفى البزار والحاكم عن أَبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَن ملكين موكلين بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان " { وَالشَّهَادَةِ } ذى الحضور ، أَو الحاضر أَى هو عالم الغيب والشهادة ، أَو فاعل ليقول أَو لينفخ محذوفاً مبنياً للفاعل دل عليه المذكور المبنى لمفعول كقوله : ليْبكَ يزيد ضارع لخصومة . بالبناء للمفعول ورفع يزيد ، كأَنه قيل من يبكيه ؟ فقال : يبكيه ضارع ، وقوله تعالى : { يسبح له فيها بالغدو والأَصال رجال } [ النور : 36 - 37 ] فى قراءة البناء للمفعول ، كأَنه قيل : من يسبح له ؟ بالبناء للفاعل . فقال : يسبح له رجال ، وقوله شركاؤهم فى قراءة بناء زين لمفعول ورفع قتل ، كأَنه قيل : من زينه ؟ فقال : زينه شركاؤهم ، ومعنى كون الله نافخاً آمر بالنفخ ، وهذا الوجه ضعيف لأَنه لم يرد التوقيف بأَنه تعالى نافخ حقيقه حاشاه ، أَو مجازاً ، خلافاً لمن أَجاز الاسم إِذا ورد الفعل كقوله ضحاها ، ودحاها ، ونفخنا فيه ، ونفخنا فيها ، أَو المراد نفخة الموت ، أَو نفخة البعث ، وقبلها نفخة الدهش ، وفي الصور نائب فاعل ينفخ ، والصور جمع صورة ، أَو اسم جمع ، يجمع الله جسد كل ميت ويرده فى صورته ، ويأْمر الملك بالنفخ ، ولا يعترض على هذا بقوله عز وجل ، { ثم نفخ فيه أخرى } [ الزمر : 68 ] بتذكير ضميره ؛ لأَن ما مفرده بالتاء يجوز تذكيره لكن الأَولى أَنه مفرد ، جسم مستطيل كقرن الحيوان يجمع الله سبحانه فيه الأَرواح لورود الحديث به أَنه جسم مستطيل فيه ثقب بعدد الأَرواح ، قال أَعرابى : ما الصور ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " قرن ينفخ فيه " ، وقال صلى الله عليه وسلم لأَصحابه : " كيف أَنتم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأَصغى سمعه ينتظر أَن يؤمر فينفخ . فكأَن ذلك ثقل عليهم ، فقالوا : كيف نفعل يا رسول الله ؟ وكيف نقول ؟ قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، وعلى الله توكلنا " ثم رأَيت ما قلته سابقاً قول الحسن ومقاتل وأَبى عبيدة { وَهُوَ الحَكِيمُ } صاحب الحكمة فى خلقه المصيب فى أَفعاله { الْخَبِيرُ } العالم بباطن الأَشياء كظاهرها ، فهذا جامع لما تقدم وهو كفذلكة الحساب لما قبلها ، ولما أَنكر على قريش عبادة مالا يضر ولا ينفع احتج عليهم بأَن إِبراهيم عليه السلام الذى هو أبوكم وتدعون أَنكم على ملته لا يعبد إِلا الله ولا يعرف سواه ، فقال : { وَإِذْ } مفعول لا ذكر محذوفاً معطوفاً على قل ، أَى قل لهم أَندعو ، اذكر إِذ { قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ } تارخ بالخاء المعجمة فى التوراة كما فى تاريخ البخارى الذى أَلفه فى المدينة إِلى ضوء القمر ، وبالمهملة عند بعض ، وقيل تيرح ، آزر اسم ، وتارخ بالمعجمة لقب ، أَو بالعكس ، والأَول أَولى لما روى أَنه كان يعبد صنماً اسمه آزر فسمى به ، كقوله تعالى : { يوم ندعو كل أناس بإِمامهم } [ الإِسراء : 71 ] ، وقدر بعض لأبيه عابد آزر ، وقيل : آزر صنم مفعول لمحذوف ، أَى أَتعبد آزر ، وقرره بقوله بعد ذلك { أتتخذ أَصناماً } إِلخ ، وأَبو إِبراهيم سمى ذلك الصنم آزر ، ويقال : إِبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروغ ابن أَرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن فينان بن أَدفخشد بن سام ابن نوح ، وقيل : اسمه تارخ ، ولما كان مع نمرود قيما على خزائن آلهته سماه آزر ، والقيم على الخزانة يقال له فى لغتهم آزر ، وهو كوثى بضم الكاف ، قرية فى سواد الكوفة ، وآزر عطف بيان أَو بدل ، أَو نصب على الذم ، ومنع الصرف للعلمية والعجمة ، ووزنه أَفعل أَو فاعل بفتح العين ، أَو هو من الأَزر أَو الوزر ، فمنع للعلمية ووزنه الفعل ، وهو أَفعل ، أَو أَصله المخطئ أَو المعوج أَو الهرم ، وجعل علما وليس نعتاً فمنع أَيضاً للعلمية ووزن الفعل وهو أَفعل { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً } توبيخ على عبادة الأَصنام وإِنكار للياقتها ، وكان من كنعان وهم معتقدون لإلهية النجوم فى السماء ، وإِلهية الأَصنام فى الأَرض يجعلون للنجوم صنما يعبدونه فيشفع لهم إِلى النجم فيقضى لهم ، وجميع أَجداد النبى صلى الله عليه وسلم ، منزهون عن عبادة الأَصنام ، ومن عبدها منهم عبدها بعد أَن خرج صلى الله عليه وسلم منه ، فلا حاجة إِلى دعوى أَن آزر جده ولو كان الجد أَبا ، ولا إِلى دعوى أَن آزر عمه والعم يسمى أبا كما فى الحديث ، وأَن أَباه مؤمن ، وجاءَ أَن العم أَب فى قوله تعالى { أَم كنتم شهداءَ إِذا حضر يعقوب الموت } [ البقرة : 133 ] إِلى أَن قال { وإِسماعيل } [ البقرة : 133 ] وهو عمه لا أَبوه ولا جده ومع ذلك أَدخله فى الآباء ، قال محمد بن كعب : الخال والد والعم والد ، وتلا هذه الآية ، قال صلى الله عليه وسلم فى العباس : " ردوا على أَبى " ، ذلك كله صحيح لا بأْس به لقيام الدليل ، وأَما آزر فأَى دليل على تفسيره بالعم حتى يخرج عن ظاهر الآية ، وأَما قوله : { ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين } [ إبراهيم : 41 ] ، فقد قال الله عز وجل فيه { وما كان استغفار إِبراهيم لأَبيه إِلا عن موعدة وعدها إِياه } [ التوبة : 114 ] الآية … وأَما قوله صلى الله عليه وسلم : " لم أَزل أُنقل من أَصلاب الطاهرين إِلى أَرحام الطاهرات " فالمراد فيه الطهارة من الزنى ، وإِن زنى بعض فبعد خروجه صلى الله عليه وسلم منه ، وجاءَ الحديث : " ولدت من نكاح فى جميع نسبى كنكاح الإِسلام " ، وأَما قوله { وتقلبك فى الساجدين } [ الشعراء : 219 ] فالمراد فيه طوافه على أَصحابه ليلا وهم يصلون ليرى حالهم ، أَو سجوده فى الصلاة بهم ، أَو معهم ، أَو نظره فيمن يصلى خلفه ، والصنم ما يتخذ من خشب أَو حجارة أَو حديد أَو نحاس أَو ذهب أَو فضة ، أَو غير ذلك على صورة الإِنسان { إِنِّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ } الذى اجتمعت معهم فى اتخاذ الأَصنام آلهة { فِى ضَلاَلٍ } عن الحق الإِلهى وعما يقتضيه العقل { مُبِينٍ } ظاهر الضلالة . قيل : الجملة مجرد إِرشاد لا توبيخ وتعيير لئلا يكون قد أَساءَ الأَدب مع أَبيه ، نعم هى تعليل للإِنكار والتوبيخ فى قوله : أَتتخذ ، حتى أَنه قيل : لو كان أَباه لو يغلظ ، فالتغليظ دليل أَنه ليس أَباه ، وفيه أَن العم يعامل بما يقرب من التغليظ لا بالتغليظ ، وفيه : أَنه لا بأْس بمثل هذا التوبيخ والتعيير فى اللفظ ، وليس هذا تغليظ موصولا إِلى الجفاء والنفرة ، وأَيضاً إِبراهيم حكيم ، ولعله ظهر له أَن الكلام الشديد يؤثر فيه والغيب لله عز وجل ، قال المعرى : @ اضرب وليدى وأُدلـله على رشدى ولا تقل هو طفل غيـر محتلـم فرب شق برأس جر منفعـة وقس على شق رأس السهم والقلم @@ فقد وبخ وعير بقوله : أَتتخذ أَصناماً آلهة ، والرؤية بصرية ، إِذ رأَى بعينه جوارحه تكسب ما هو معصية ، أَو هى علمية .