Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 76-76)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا جَنَّ } أَظلم { عَلَيْهِ اللَّيْلُ } وستره بظلامه ، وهذه القصة فى بابل ، وقيل قرب حلب ، وقيل : جادلهم على سبيل الترقى لعلهم يذعنون ولا ينفرون ، فإِن كونه عليه السلام لا يحب الآفلين دون كونهم ضالين ، دون البراءَة منهم والإِشراك ، والفاءَات فى القصة للترتيب الذكرى ، أَو كما قال ابن هشام : إِن التعقيب فى كل شىء بحسبه ، والنجم فى ليلة والقمر فى ليلة والشمس تطلع فى يوم بعد ليلة ، ولا يتصور أَن يرى الكوكب بعد ما جن الليل ويغيب ويطلع القمر بعد غيوب النجم ويغيب القمر قبل فجر يومه ، أَو قبل طلوع شمسه إِلا إِن فسرنا غيوب القمر بذهاب نوره لنور الشمس فيتصور ذلك فى ليلة ويومها . وعن ابن عباس رؤية القمر آخر النهار ، وروى أَنه رأَى الكوكب الذى يعبدونه فى وسط السماء ، وهذا تفصيل لقوله نرى إِبراهيم ، فالمراد بالملكوت ما فصل بهذه الآية ، والعطف على نرى بدليل الفاء وهو الراجح ، أَو عطف على قوله : قال إِبراهيم ، عطف دليل على مدلوله ، قيل : هذا أحسن { رَأَى كَوْكَباً } جواب لما ، أَو حال من الهاء والجواب هو قوله { قَالَ هَذَا رَبِّى } وعلى الأَول يكون هذا جواب سؤال ، كأَنه قيل ما صنع حين رأَى كوكباً ، فقال : قال لقومه هذا الكوكب ربى فى زعمكم ، أَو قاله على الاستدلال ، أَو يقولون : هذا ربى ، وكذا فيما بعد ، وهو الزهرة بضم الزاى وفتح الهاء فى السماء الثالثة ، أَو المشترى فى السماء السادسة كان قومه يعبدون النجوم ومنها الشمس والقمر ، وكانوا ينظرون فى علم النجوم ويعبدونها ليتوصلوا بها إلى مقصودهم ، أَو يعبدون الأَصنام ليتوصلوا بها إِلى النجوم ، أَو بالنجوم إِلى الملائكة وبالملائكة إِلى مقصودهم ، وأَنكروا الله ، وجعلوا الأَفلاك والنجوم قدماءَ لا أَول لها ولا آخر ، فاتخذوا لكل نجم مخصوص صنما وجعلوا صنم الشمس من ذهب وصنم القمر من فضة . ومن الكفرة من يثبت الله ويقول أَنه فوض أَمر الأَرض إِلى الكواكب فعبدوها وقال إِنها تعبد الله ، وأَهل الهند والسند يثبتون الله إِلا أَنهم مجسمة ، والملائكة وصنما لكل ملك مخصوص يعبدونه ليتوصلوا إِلى الملك والملك يعبد الله ، والله فوض لكل ملك أمراً ، والمذهب أَن الأَنبياءَ عليهم السلام لا يعصون الله بصغيرة ولا كبيرة قبل البعثة ولا بعدها ، بعد البلوغ ولا قبله ، فإِنما قال : هذا ربى ، على سبيل الوضع أَعنى على فرض كلام الخصم ليرجع عليه بعد استفراغ ما عنده بالرد فيكون أَبلغ فى الاحتجاج وأَدعى إِلى الإِذعان ، كما قال هذا ربى محاكاة لما عندهم ، ورجع عليهم بقوله : لا أَطلب إِلا الله ، وقد مدحه الله بهذه المحاجة فى قوله : { وتلك حجتنا } [ الأنعام : 83 ] إِلخ . وكان محاجاً لقومه إِذ راهق ، أَو قاله على وجه الاستدلال لنفسه حال الصغر ، كأَنه يخاصم إِنساناً ، والفاء تدل على الأَول وأَنه قاله بعد أَن كان من الموقنين ، ويدل له أَيضاً قوله تعالى { وتلك حجتنا ءَاتيناها } [ الأنعام : 83 ] إِلخ … ولم يقل آتيناها إِبراهيم على نفسه وقد يقال : الأَنبياء موقنون من صغرهم ، قبل المراهقة ، وأَن ما احتج به علىنفسه حجة على قومه فى نفس الأَمر ، وقيل بتقدير همزة الاستفهام ، أَى أَهذا ربى على طريق الإِنكار والتحقير ، كما قدره ابن عباس فى قوله تعالى : { فلا اقتحم العقبة } [ البلد : 11 ] وفى قوله تعالى { وتلك نعمة تمنها على } [ الشعراء : 22 ] وقيل : قال إِبراهيم ذلك استهزاء ، وقيل كان يناظرهم فطلع النجم فقال : هذا ربى ، أَى هذا الرب الذى تعبدون ، وهذا لا يكفى لأَنه يحتاج إِلى ما مر أَيضاً من التأويل بتقدير الاستفهام أَو بغيره ، ووزن كوكب فوعل فالزائدة الواو ، والأُصول الكافان والباء ، وقيل فعفل بزيادة الكاف الثانية تكرير الأُولى ، وفيه أَن الأَصل فى الزيادة الواو لا الكاف ، ولم يقل الله جل وعلا رأَى كوكباً بازغاً لأَنه رأَى الزهرة فى جهة الغرب ليلا ، أَو رأَى المشترى فى أَى موضع من السماء ليلا ، وخص أَحدهما لقوة ضوئه ولتقدير فى زعمكم ، أَو تقولون نظائر ، كقوله تعالى : { مال هذا الرسول } [ الفرقان : 7 ] { إن رسولكم } [ الشعراء : 27 ] { وانظر إِلى إِلهك الذى } [ طه : 97 ] إِلخ … { إِنك أَنت العزيز الكريم } [ الدخان : 42 ] وكقوله { ربنا تقبل منا } [ البقرة : 127 ] ، أَى يقولان { فَلَمَّا } أَى غاب { قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } لا أحب إِثبات ربوبية الآفلين مطلقاً فى الانتفاع لنقصهم ، فضلا عن أَن أَتخذهم أَرباباً ، أَو لا أحب عبادة الآفلين ، أَو لا أحب ربوبية الآفلين ، أَو كنى بانتفاء الحب عن انتفاء الربوبية والعبادة . الكوكب آفل وكل آفل حادث محتاج إِلى محدث ، وكل ما احتاج إِلى محدث ليس بإِله ، لأَن الإِله هو الموجود الذى تنقطع به سلسلة الاحتياج ، { وأَن إِلى ربك المنتهى } [ النجم : 42 ] ، والكوكب متحرك وكل متحرك جسم ، وكل جسم مركب وكل مركب حادث ، والكوكب جسم وكل جسم محل للحوادث ، وأَيضاً كل جسم محتاج إِلى حيز فهو ممكن لا واجب ، إِذ الواجب بالذات يستحيل حلوله فى المكان بحدوث المكان ، والكوكب يحتاج فى انبساط ضوئه إِلى عدم ساتر ، والمحتاج ممكن والممكن حادث ، وكقولك : المنير آفل ولا شىء من الإِله بآفل ، أَو ربى ليس بآفل فهذا النير ليس بإله أَو ليس بربى ، وقولنا هذا النير آفل قضية شخصية وهى فى حكم الكلية وذلك من الشكل الثانى . ولاإله يستحق العبودية ولا شىءَ من الآفل يستحقها فهذا ليس إِلها ، وليس يراقب الكوكب الليل حتى يغيب لم يفته ملاحظته حتى غاب ، وكذا القمر والشمس رآهما طالعين وغائبين .