Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 82-83)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الَّذِينَ آمَنُوا } بالله ورسوله وكل ما يجب الإِيمان به عليهم { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ } ولم يخلطوا { بِظُلْمٍ } لأَنفسهم بكبيرة فيما بينهم وبين الله ، أَو فيما بينهم وبين الخلق ، والتنوين للتعظيم ، فإِن الكبيرة ذنب عظيم كاسمها { أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ } فى الآخرة من عذَابها { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } إِلى ما ينفعهم دنيا وأُخرى ، وأَما من آمن ومات على كبيرة غير تائب فلا أَمن لهم وهم ضالون ، وهذا رد على المرجئة الخلص الذين لا يجزمون بالهلاك على من مات وهو مصر وعلى الأَشعرية الذين أَجازوا دخول المصر الجنة ، وقالوا بأَنه يقع لبعض والبعض الاخر يدخل النار ، ويخرج منها عندهم فكانوا فى طرف من المرجئة ، وأَما حديث البخارى ومسلم بسندهما عن ابن مسعود أَنه لما نزلت الآية شق ذلك على المسلمين قالوا : أَينا لم يظلم نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس ذلك ، إِنما هو الشرك ، أَلم تسمعوا قول لقمان لابنه يا بنى لا تشرك بالله إِن الشرك لظلم عظيم " وفى رواية : " ليس هو كما تظنون إِنما هو كما قال لقمان لابنه " ، فإِن صح فإِنما هو بيان لهذه الآية أَن المراد بالظلم فيها الإشراك ، ويناسبه أَن الآية فى الفريقين فتبقى سائر آى الوعيد وأَحاديثه الدالة على هلاك من مات على كبيرة من الكبائر السبع أَو سائر الكبائر ، ومنها الإِصرار على الصغائر وقد ذكر الله جل وعلا في آخر السورة أَنه من آمن ولم يكسب فى إِيمانه خيراً لا ينفعه إِيمانه ، ولنا أَيضاً دليل عقلى لا يقاومه حديث الآحاد ، وهو أَن الإِيمان لا يجامع الكفر ، وأَما ما أَجابت به الأَشعرية من أَن المراد بالإِيمان التصديق بوجود الصانع وهو يجامع تعديد الآلهة ، أَو المراد بالإِيمان باللسان دون القلب ، وأَن المراد بالظلم الإِشراك بتعديد الآلهة ، أَو بالقلب دون اللسان فيرده إن ظلماً نكرة فى سياق النفى ، فهى إِما استغراق لكل كبيرة ، وإِما ظاهرة فى الاستغراق ، وأَيضاً لم يذكر فى القرآن آمن وأُريد به مجرد التصديق ، ولو مع التعديد ، أَو التصديق باللسان فقط إِلا وهو مقرون بما يدل على ذلك ولا دليل هنا ، وأَما آيات المشيئة مثل { يغفر لمن يشاء } [ آل عمران : 129 ، المائدة : 18 ، الفتح : 14 ] ، { ويغفر ما دون ذلك } [ النساء : 48 ، 116 ] ، فمعناه المغفرة لمن يشاء توفيقه للتوبة ، وإِلا لزم أَن يغفر للنصارى مع بقائهم على الشرك ، فى قوله { وإِن تغفر لهم فإِنك أَنت العزيز الحكيم } [ المائدة : 118 ] والآية من كلام الله عزو جل على الصحيح ، أَو من كلام إِبراهيم كما روى عن على مستأنفة ، أَو يقدر خبر لمبتدأ محذوف ، أَى الفريق الأَحق بالأَمن الذين آمنوا … إِلخ … وعلى هذا يكون أُولئك مستأنف ولا حاجة إِلى تقدير قال إِبراهيم : الذين آمنوا . . إِلخ … ولا يصح ما قيل أَنها من كلام قومه ، أَجابوا بما هو حجة عليهم { وَتِلْكَ } القصة التى ذكرناها عن إِبراهيم من قوله تعالى { فلما جن عليه الليل } [ الأنعام : 76 ] إِلى { مهتدون } أَو تلك القولة التى قالها إِبراهيم ، سمى ما ذكر عنه كله قولة ، لأَنه متوارد على معنى واحد وهو التوحيد ، أَو تلك الأَقوال وأَفردها بتأويل الجملة ، وآخر ذلك مهتدون على ما مر من تمام كلام إِبراهيم أَين هو مع أَن ما كان من الله هو حجة لإِبراهيم ولو لم يذكر عن إِبراهيم بلفظة ، وضعف جعل الإِشارة إِلى قوله { أَتحاجونى } [ الأنعام : 80 ] إِلى { مهتدون } لأَنه لا دليل على تخصيصه ، ولأَن الاحتجاج بقوله { رأَى كوكباً قال هذا ربى } [ الأنعام : 76 ] إِلخ أَظهر { حُجَّتُنَا } خبر ، أَو بدل أَو بيان ، وعلى الأَول يكون { آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمَهِ } خبراً ثانياً أَو حالا من حجة لأَن المبتدأَ إِشارة ، وعلى الثانى والثالث يكون خبراً وعلى قومه حال من ضمير النصب أَو متعلق بحجة بمعنى الشئ المحجوج به ، وإِن جعلناه مصدرا لزم الفصل بينه وبين معموله بالخبر أَو الحال ، ولا مانع من تعليقه بآتينا لأَن المعنى أَلقيناها على قومه لإِبراهيم { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } فى العلم والحكمة ، كما فاق إِبراهيم عليه السلام فى صباه شيوخ عصره واهتدى إِلى ما لم يهتد إِليه الأَنشاء والأَكابر { إِنَّ رَبَّكَ } هذا رجوع إِلى خطاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، كقوله { قل إِن هدى الله } [ البقرة : 120 ] { حَكِيمٌ } فى قوله وفعله ، ومن ذلك رفعه درجات من يشاء وخفض من يشاء { عَلِيمٌ } بأَحوال خلقه ، ومنها استعداد من يستعد لرفع درجاته .