Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 156-157)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَاكْتُبْ } أَوجب أَو أَثبت أَو أَقسم ، واختار الكتب لأَنه أَدوم ، أَو وفقنا للحسنات التى يكتبها الحفظة { لَنَا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً } ما يحسن من طاعة ونعمة وعافية وسهولة الموت { وَفِى الآخِرَةِ } حسنة تسهيل القبر والحشر والحساب والموقف والجنة ، وكأَنه قال : اقبل وفادتنا ، واجعل جائزتنا المغفرة والرحمة { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } رجعنا إِليك بالتوبة ، تعليل جملى للدعاء ، فإِن الدعاءَ مما يوجب قبوله ، وأَصل الهود الرجوع برفق ، سميت به اليهود مدحاً ، ولما بدلوا كان ذماً لهم لازماً باعتبار المسمى لا باعتبار مدلول اللفظ ، والمراد هدنا إِليك من معصيتنا ، والعجب ممن يخطِّئ نافعاً وغيره فى ضم الهاء ، ورغم أَنه لا يقال هاد يهود ، بل هاد يهيد بمعنى مال يميل ، كما قرأَ زيد ابن الإِمام على بن أَبى طالب ، فإِن الضم قراءَة متواترة ، والقراء إِنما أَخذوا القراءَات عن الصحابة كنافع عن ابن عمر وعن التابعين ، ويجوز أَن يكون مبنياً لمفعول ، من هاده يهيده حرَّكه ، فهم حركوا أَنفسهم أَو حركهم الله أَو الوعظ على لغة من يقول فى باع بوع { قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ } تعذيبه لخذلانه أَو تكفير الذنوب به كما أمروا بقتل أَنفسهم وكإِعلاء الدرجات ، لا اعتراض على ، فإِن المخلوقات كلها ملك لله عز وجل ، ولا اعتراض على من تصرف فى خالص ملكه وملك المخلوق غير خالص ، فيعترض عليه بالأَمر الشرعى كالنهى عن الإِسراف وظلم العبد وإِخراج الزكاة { وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ } فى الدنيا بالإِحياء والصحة والعقل فيمن عقل والرزق للمؤمن والكافر والمكلف وغير المكلف ودفع البلاء وغير ذلك . قيل : هذا معنى رحمتى سبقت غضبى . ويروى غلبت غضبى ، وإِذا صار الناس إِلى الآخرة وجبت الرحمة للمؤمنين خاصة والكافر كالمستضئ بنور غيره ، فإِذا ذهب نور السراج بالسراج بقى فى الظلمة ، عبر بالمضارع فى العذاب وبالماضى فى الرحمة وسعتها ، قيل : لأَن الرحمة مقتضى الذات ، والعذاب مقتضى المعاصى ، والمشيئة معتبرة فى جانب الرحمة أَيضاً ، ولم يقل : { وسعت كل شئ } مما أَشاء ، أَو وسعت من أَشاءَ تعظيماً لأَمر الرحمة ، وقيل : للإِشعار بغاية الظهور ، لما نزل ذلك قال إِبليس والمشركون بلسان الحال : أَنا من كل شئ ، فنزل قوله تعالى : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الشرك والكبائر ، تعريض بأَن هؤلاء غير متقين ، والسين للتأكيد لا للاستقبال ، والمضارع للحال ، أَو بمعنى الماضى ، وما قبل هذا إِجمال ، وهذا الكتب تفصيل خصوص ، وقال بعض إِن المراد بالذين يتقون عموم المتقين من غير أَهل الكتاب ، ومن أَهل الكتاب ، ونسبه بعض للجمهور { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } المفروضة ، لم يذكر الصلاة اكتفاء بالتقوى ، إِذ تركها أَعظم ما يتقى بعد الإِشراك من حقوق الله عز وجل ، وزعم بعض أَن إِيتاءَ الزكاة هنا تزكية النفس بطاعة الله ورسوله ، قيل : ذكر الزكاة لمشقتها على بنى إِسرائيل لمزيد حبهم للدنيا { وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فقالت اليهود والنصارى بلسان الحال : نحن نؤمن بالتوراة والإِنجيل ونؤدى الزكاة ، فنزل رداً عليهم قوله تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ } فى شرعه كله إِذا أَدركوه ، أَو قومك الآن باعتقاد الإِيمان به ، فمن لم يؤمن به من قومك هلك ، والرسول أَخص من النبى ، وقدم مع ذلك ، والغالب تقديم الأَعم ، وأَما ما قيل : الرسالة من الله والنبوة الإِخبار منه للعباد ، وما قيل أَن النبى نبئَ من الله وما لا تستقل العقول بإِدراكه ، وأَنهما مفهومان مفترقان فلا يكفى جواباً { النَّبِىَّ الأُمِّىَّ } وإِنما آخر الصفة العامة وهى النبى لتخصيصها بالأُمى ، فالنبى بهذا أَخص من الرسول ، ولا سيما أَنه ذكر بلفظى النبى والأُمى فى التوراة ، وذلك بحسب الوضع الشرعى والاستعمال ، وأما بحسب الوضع واللغة فكل منهما عام وقد جاءَ رسولا نبياً ، والأُمى نسب إِلى الأُم كأَنه كما ولد من أمه { الَّذِى يَجِدُونَهُ } أَى باسمه وصفته ولحذفهما أَفرد قوله { مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ } لا يغيب عنهم لظهوره فى التوراة وتكرره فيها { فِى التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ } اسمه فيها " المنحمنا " بضم الميم الأُولى وكسر الثانية أَفصح من فتحها ، وهو بالسريانية فى التوراة ومعناه محمد الذى يحمده الخلق وفى الإِنجيل أَحمد ، وبسطت الباب فى شرح نونية المديح : " تيمم نجدا فى تلهفه الجانى " وهو أَكثر من ثلاثة مجلدات . وعن كعب هو فى أَهل الجنة عبد الكريم وفى أَهل النار عبد الجبار ، وفى أَهل العرش عبد المجيد ، وعند الملائكة عبد الحميد ، وعند الأَنبياء عبد الوهاب ، وعند الشياطين عبد القاهر ، وعند الحق عبد الرحيم ، وفى الجبال عبد الخالق ، وفى البر عبد القادر ، وفى البحر عبد المهيمن ، وعند الهوام عبد الغياث ، وعند الوحوش عبد الرازق ، وفى التوراة مود مود وفى الإِنجيل طاب طاب وأَحمد ، وفى الصحف عاقب ، وفى الزبور فاروق وعند الله طه ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وفى البخارى ومسلم والبيهقى والدارمى يدخل حديث بعضه فى بعض من التوراة والإِنجيل والزبور أَنه مبشر ناذر ، حرز للأُميين ، ليس فظاً ولا غليظاً ولا صخابا فى الأَسواق ، يعفو ، لن يميته الله حتى يهدى الله به أَهل الضلالة ، لا قصير ولا طويل ، متضع فى أَحواله ، اسمه أَحمد ومحمد ، يحلب الشاة ويركب الحمار والبعير ، غفرت له قبل أَن يعصينى ، أَعطيت أمته من النفل ما أَعطيت الأَنبياءَ ومن الفرض حتى يجيئوا يوم القيامة بنور كنور الأَنبياء ، وفى ( رد الشرود إِلى الحوض المورود ) تفاصيل ذلك ، { يَأْمُرُهُمْ بِالمعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرََهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ } لما نزل { الذين يتبعون الرسول } إِلى آخره ، أَيس اليهود والنصارى ، وإِنما قلت بلسان الحال لأَن ذلك نزل متصلا ، وإِن كان بالقول أَو التمنى ، فاجعل بدل قولى نزل سمعوا يصمعون بالأَول ويأيسون بالثانى فى سرد واحد ، روى أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتاز فى طريقه برجل من اليهود يمرض ابناً له ، أَى قائماً على ابنه المريض فمال إِليه فقال : يا يهودى ، هل تجدوننى عندكم فى التوراة ، فأَومى إِليه اليهودى أَن لا فقال ابن اليهودى : والله يا رسول الله إِنهم يجدونك مكتوباً فى التوراة ، ولقد طلعت وإِن فى بيته لسفرا من التوراة يقرأ فيه صفتك وصفة أَصحابك وذكرك ، فلما رآك ستره عنك . فأَنا أَشهد أَن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له ، وأَن محمدا عبده ورسوله ، فكان آخر ما تكلم به الغلام حتى مات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَقيموا على أَخيكم حتى تقضوا حقه " ، قال الراوى : فحلنا بينه وبين أَبيه حتى وارينا وانصرفنا . ويروى أَيضاً أَنه دخل صلى الله عليه وسلم كنيسة فوجد فيها صبياً مريضاً بين اليهود ، فقال لهم : " هل تجدوننى فى التوراة ؟ فأَنكروا ، فزحف الصبى إِلى سفر من التوراة فقرأَ صفته صلى الله عليه وسلم ، وآمن بالله ورسوله فمات وأَمر المسلمين بأَن يتولوا أَمره " وقيل : ها فى أكتبها للرحمة لكن على معنى جعله لهم يوم الجمعة والأَرض مسجداً وطهرا وقراءَة التوراة عن القلب ، فقالوا : لا ، بل اجعل لنا السبت والصلاة فى الكنائس والقراءَة نظراً فجعل الله ذلك لهذه الأُمة ، ومعنى الأمى كأَنه ولد حين الوحى إِليه ، لا يعرف الكتابة ولا يقرؤها ، أَو أَنه من الأُمة العربية ، والكتابة فيهم قليلة ، وكذا قراءَتها ، قال عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنا أَمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ، ولو كان يكتب أَو يقرأ لقالوا : يأخذ من الكتب ويكتب ما يسمع ، أَو أَنه من أم القرى مكة ، أَو نسب إِلى الأَم بفتح الهمزة بمعنى القصد ، وضمها من تغيير النسب . ويليه قراءَة يعقوب الأُمى بفتح الهمزة ، لكن لعل الفتح أَنسب إِلى الأُم بالضم والفتح من تغيير النسب لكن الأَصل خلاف التغير والصحيح الأَول لقوله تعالى فى غيره صلى الله عليه وسلم من العجم ومنهم أميون ، والطيبات كلحم الإِبل ، وشحم الغنم والبقر حرمت عليهم وأَباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحرم عليهم الخبائث التى استحلوها بجهالة أَو عمد كالميتة والدم ولحم الخنزير والرشوة والربا ، وقيل : الطيب ما يستلذه الطبع كالشحم ، والخبيث ما يستخبثه الطبع كالدم ، وذلك قاعدة من الله تعالى إِلا ما دل عليه دليل منفصل ، وقيل : الطيب الحلال والخبيث الحرام كالربا ، ورد بأَنه لا فائدة فى ذلك ، ويجاب بأَن المراد لا يزاد على ما فى الشرع ولا ينقص منه ، وأَن الحل والحرمة بالشرع لا بالعقل . والإِصر والأَغلال هى التكاليف الشاقة ، وهما شئ واحد سميت إِصراً لأَنه كالشئ الذى يحبس صاحبه عن الحركة ، يقال أَصره بمعنى حبسه ، وسميت أَغلالا بشبهها بما يربط اليد إِلى العنق مثلا كقتل النفس فى التوبة وقطع الأَعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة من الثوب بالمقراض ونحوه ، وقطع العضو العاصى ، وتعيين القصاص فى القتل عمداً أَو خطأْ ، وتحريم أَخذ الدية وترك العمل يوم السبت ، وتحريم الانتفاع بالغنيمة ، أَو الإِصر هو العهد أَن يعملوا بما فى التوراة هكذا ، والأَغلال تلك المشاق ، وفى بعض الآثار : لما أَجاب الله تعالى عليه السلام بما مر قال : أَتيتك يا رب بوفد بنى إِسرائيل فكانت وفادتنا لغيرنا . وعن ابن عباس : دعا موسى ربه سبحانه وتعالى دعاءَه لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وعنه سأَل موسى ربه سبحانه وتعالى مسأَلة فأَعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم . وتلا الآية { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ } من بنى إِسرائيل أَو غيرهم إِلى قيام الساعة ، وعن ابن عباس : من أَهل الكتاب { وَعزَّرُوهُ } عظموه { وَنَصَرُوهُ } على أَعدائه فى الدين ، وقيل التعزيز التعظيم مع النصر ، وعليه فمعنى قوله : ونصروه ، أَنهم نصروه لى { وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ } أَى القرآن ، شبهه بالنور الحسى لأَنه ظاهر مظهر للحقائق ، والمراد اتباعه بالأَعمال ، ومع متعلق بأَنزل أَى أَى أَثبت معه من الله ، أَو بمحذوف حال أَى أنزل مصاحباً لنبوته أَو باتبعوا ، أَى واتبعوا مع سننه صلى الله عليه وسلم ، أَو حال من الواو ، أَى اتبعوا القرآن مصاحبين له صلى الله عليه وسلم فى اتباعه فإنه صلى الله عليه وسلم تابع ، وهؤلاء الصفات ترغيب لاتباعه وبيان لعلو مرتبته ، وبيان لكيفية اتباعه صلى الله عليه وسلم ، واغتنام مغانم الرحمة الواسعة فى الدارين { أُولَئِكَ } لا غيرهم ممن كفر به من أَهل زمانك يا موسى أَو بعده إِلى قيام الساعة { هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الفائزون برحمة الدنيا والآخرة ، وهنا تم خطاب الله عز وجل لموسى عليه السلام .