Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 176-176)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَوْ شِئْنَا } رفعه { لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بالآيات والعمل بها إِلى منازل العلماء الأَبرار { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ } مال واطمأَن ، والمراد فأَعرض عنها ، فعبر عن الإِعراض بسببه ، وهو الميل إِلى الدنيا وإِنما كان سبباً لتعلق المشيئة { إِلَى الأَرْضِ } أَى إِلى الدنيا . عبر عنها بالأَرض ، لأَن الأَرض للسكنى والحركة والسكون والغرس والحرث والبناء والعيون ، والتجر وكسب الأَموال والمعادن والنكاح والتسرى ونحو ذلك من الملاذ ، و ذلك متاع الحياة الدنيا ، أَو الأَرض عبارة عن السفالة فى الدين ، وقيل : مال إِلى الخلود فى الأَرض طامعاً فيها لاسم الله الأَعظم الذى عرفه ، واختيار لفظ الأَرض مشاكلة للسماء الملاحظة بذكر قوله : لرفعناه بها . { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } فى المعاصى واختيار الدنيا على الدين ، وبيع الدين بالدنيا ، فلم نرفعه ، بل وضعناه { فَمَثَلُهُ } صفته الشبيهة بالمثل الذى هو كلام شبه مضربه بمورده فى الغرابة { كَمَثَلِ الْكَلْبِ } أَى صفة الكلب ، وفسرها بقوله { إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ } تشدد عليه بالطرد { يَلَهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ } لم تحمل عليه عطف على تحمل بأَو { يَلْهَثْ } عطف على يلهث ، أَى يلهث دائماً حمل عليه أَم لم يحمل عليه لضعف فؤاده ، فهو يلهث وإِن لم يعى ولم يعطش ، واللهث إِخراج اللسان فى تنفس ، شبه بأَخس الحيوان فى أَخس أَحواله ، تصوير للمقول بالمحسوس ، إِذ واظب على حب الدنيا ومالها وهو وسخ الناس ، وقد آتاه الله العلم والكفاف حتى أَلقى نفسه فى خسة فوق خسة الكلب اللاهث لهثاً متتابعاً فهو متابع للدنيا اتباعاً مستمراً ، وهو بلعام بين باعوراء ، وقيل : بلعام بن باعر . والمراد واحد إِلا أَنه اختلف فى اسمه واسم أَبيه من علماء بنى إِسرائيل . وقيل من كنعان ، وكان يرى العرش إِذا نظر إِليه ، قيل : كان فى مجلسه اثنا عشر أَلف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ، ثم إِنه أَول من أَلف كتاباً لأَنه ليس للعالم صانع . وعن مالك بن دينار رحمه الله أَنه بعث بلعام بن باعوراء إِلى ملك مدين ليدعوه إِلى الإِيمان فأَعطاه مالا وأَقطعه أَرضا ، وتبعه وترك دين موسى صلى الله عليه وسلم ، قيل : وكان قد أوتى النبوة واسم الله الأَعظم وإِجابة الدعوة ، ولا يصح أَنه أَوتى النبوة لأَن الأَنبياء لا يعصون صغيرة ، فكيف يشركون . إِلا إِن أُريد بالنبوة علم النبوة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " من حفظ القرآن فقد طوى النبوة بين جنبيه " ، وروى أَن موسى عليه السلام أَتى أَرض الجبارين ، وهى من أَرض الشام ليقاتلهم ، وهم بنو كنعان ، فأَتوا بلعام وقالوا : إِن موسى شديد ومعه جند عظيم جاءَ ليخرجنا من أَرضنا ويسكن فيها بنى إِسرائيل فادع الله ليردهم عنا . فقال : ويلكم ، كيف أَدعو على نبى الله والمؤمنين ومعهم الملائكة وأَنا أَعلم من الله ما لا تعلمون ؟ وإِن فعلت ذهبت دنياى وآخرتى ، وأَلحوا عليه فقال : أَؤُامر ربى . وكان لا يدعو حتى يؤامر الله عز وجل ، فقيل له فى المنام : لا تفعل ، فقال لهم : نهانى ، فأهدوا له . وأَلحوا ، فآمر الله فقال : لم ينهنى . فقالوا : لو كره لنهاك كأَول مرة ، ولم يزالوا يتضرعون له حتى فتنوه ، فركب أَتانه متوجها إِلى جبل يطلعه على عسكر بنى إِسرائيل يقال له حسبان ، فسارت قليلا وقعدت ، وضربها فقامت فركبها فسارت قليلا فقعدت ، فضربها فقامت ، وهكذا مراراً ، فأَنطقها الله : ويحك يا بلعام أَين تذهب ، أَما ترى الملائكة أَمامى تردنى عن وجهى . ويحك ، كيف تدعو على نبى الله والمؤمنين ، فخلاها الله حتى أَتى الجبل فجعل يدعو بسوء ويقلب الله لسانه على قومه ، وبخير يصرفه الله إِلى بنى إِسرائيل ، وقالوا له : ويحك ما تصنع ؟ فقال : لا أَملك شيئاً ، فوقع لسانه على صدره ، فقال : ذهب عنى الدنيا والآخرة ، ولم يبق إِلا الحيلة ، فزينوا النساءَ وأَعطوهن ما يبعن لهم ، ولا يمتنعن عمن أَرادهن فإِن زنى بواحدة كفيتموهم ، فمرت جميلة على عظيم من بنى إِسرائيل وكان رأس سبط شمعون بن يعقوب فأَخذها ومر بها إِلى موسى عليه السلام ، فقال : تزعم أَن هذه حرام على ، فقال : نعم حرام ، خلها فقال : لا أطيعك . فرجع بها إِلى قبته فواقعها ، فأَهلك بالطاعون سبعون أَلفاً منهم . وروى أَن بلعام دعا عليهم فكانوا فى التيه فقال موسى : يا رب بم وقعنا فى التيه ؟ فقال بدعاء بلعام باسمى الأَعظم ، فقال : يا رب ، كما سمعت دعاءَه فاسمع دعائى عليه بسلب اسمك الأَعظم عنه فسلب فخرج منه كحمامة بيضاءَ ، ويبحث بأَن سببه قولهم : { إِنا لن ندخلها أَبداً ما داموا فيها فاذهب أَنت وربك فقاتلا } [ المائدة : 24 ] … الآية … وقد يجمع بأَن دعاءَ بلعام هو سبب وقوع الرعب بهم من كنعان حتى قالوا ذلك . وأَما ما قيل : كيف يدعو موسى سلب الاسم الأَعظم وهو نبى يدعو إِلى الإِسلام فلا يصح لأَنه دعا بسلبه لأَنه يضر المسلمين به ، ولم يدع بأَن يكون مشركاً ، وقيل : دعاه ملك البلقاء أَن يدعو على موسى فلا يدخل بلده ، أَو لا يدخل بلدى ، فدعا فوقعوا فى التيه . ويرده أَن التيه راحة لموسى ، ونقمة على قومه ، إِذ عصوا ، ويقال : كيف لم يدع على الملك فينجو من شره ؟ وما الدعاء على موسى وقومه ؟ ويقال أَن الجبار المذكور نصب له خشبة يصلبه عليها إِذا لم يدع ، وروى أَن الآية فى رجل من بنى إِسرائيل أَعطاه الله ثلاث دعوات مستجابات ، فقالت له زوجه البسوس : أَعطنى واحدة فأَعطاها ، فقال : ما تريدين ؟ فقالت : أَن أَكون أَجمل امرأة فى بنى إِسرائيل فدعا فكانت فرغبت عنه ، فدعا فكانت كلبة تنبح ، فقال له أَولاده منها : إِنا نعير بها فادع الله عز وجل أَن يعيدها كحالها الأَول ففعل فذهبت دعواته فيها . وقيل : فى أُمية بن أَبى الصلت ، قرأَ الكتب وعلم أَن الله يرسل رسولا فى زمانه فرجا أَن يكونه ، ولما بعث الله عز وجل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كفر به حسداً . روى أَنه صلى الله عليه وسلم قرأَ عليه يس ، وخرج يجر رجليه ، فقالت له قريش : ما تقول ؟ فقال : إِنه على الحق فقالوا : أَتؤمن به ؟ قال : أَنظر . ويروى أَنه أَراد الإِسلام وجاءَ إِليه ، فسمع بوقعة أَحد ، فقال : لو كان نبياً لم يقتل قومه ، وذلك جهل منه لأَنه قتلهم بإِذن الله عز وجل ، وقيل : فى أَبى عامر بن النعمان الراهب ، ترهب ولبس المسوح فى الجاهلية ، فقدم المدينة ، فقال للنبى صلى الله عليه وسلم : ما هذا الذى جئتنا به ؟ فقال : بدين إِبراهيم عليه السلام ، فقال : فإِنا عليه . فقال صلى الله عليه وسلم : لا ، بل زدت عليه ، فقال أَبو عامر : أَمات الله الكاذب طريداً وحيداً . فخرج إِلى الشام فأَرسل إِلى المنافقين : استعدوا بالسلاح والقوة ، وابنوا لى مسجداً وإِنى آتى بجند من قيصر أَخرج به محمداً وأَصحابه من المدينة فمات بالشام طريداً وحيداً . { ذَلِكَ } المثل فى الحرص على الدنيا { مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } صنع كفار مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرص على الدنيا ما يشبه فعل بلعام مع موسى فلا يرد أَن هذا تمثيل لحال بلعَام فكيف قال بعده { ساءَ مثلا القوم } [ الأَعراف : 177 ] إِلخ … ولم يضرب إِلا لواحد ، وكانوا يقولون : إِن جاءَنا نبى آمنا به … أَو القوم اليهود آتاهم الله فى التوراة العلم بالنبى صلى الله عليه وسلم وصفاته حتى أَنهم يبشرون الناس به ويستفتحون به على مشركى العرب إِذا آذوهم ، ولما جاءَ كفروا به وانسلخوا عن حكم التوراة ، وقيل : المراد ما يعم هؤلاء كلهم { فَاقْصُصِ القَصَصَ } المذكور ، وهو مفرد مصدر بمعنى مفعول أَى اقصصه على اليهود المعاصرين لك فإِنها نحو قصتهم معك حين انسلخوا عما وجدوا فى التوراة من صفاتك ، وبقصك إِياه عليهم ترغمهم بذكر صنعهم الخبيث معك ، ويعلمون بقصك أَنه جاءَ من الله بالوحى { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } المعنى : اقصص القصص راجياً لتدبرهم فيؤمنوا ، أَو رجاءَ له .