Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 18-20)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذَلِكُمْ } أَى ما ذكر من البلاء الحسن والقتل والصبر ، والخطاب للمؤمنين ، وذلك فاعل أَو مفعول لمحذوف عطف عليه ما بعده ، أَى حق ذلك ، أَو قضى الله ذلك { وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ } أَى وتوهين الله كيد الكافرين ، أَو خبر لمحذوف ، والعطف على ذلك ، أَى الأَمر ذلك وتوهين كيد الكافرين ، أَو عطف على يبلى أَو يقدر اعلموا أَن : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا } الخطاب للكافرين ، أَى إِن تطلبوا الفتح ، أَى القضاء لكم بالنصر على المؤمنين { فَقَدْ جَاءَكُمْ الفَتْحُ } القضاء بالنصر عليكم للمؤمنين ، وذلك تهكم بهم فى مجئ الفتح إِذ نصر الأَعلى والأَهدى من الفريقين ، وقد زعمتم أَنكم أَعلى وأَهدى ، أَو المعنى جاءَكم الهلاك ، فالتهكم فى التعبير عنه بالفتح والمألوف استعماله فى الخير . لما أَراد أَبو جهل وغيره الخروج إِلى بدر تعلقوا بأَستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أَعلى الجندين وأَهدى الفئتين وأَكرم الحزبين عندك . اللهم أَينا كان أَقطع للرحم ، وأَتانا بما لا نعرف ، فأَحنه الغداة - بفتح الهمزة وكسر الحاء وإِسكان النون - أَى أَهلكه ، من أَحانه أَهلكه ، يريدون أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخطأَ وقطع رحمه عكس الواقع ، وحين التقى الجمعان قال أَبو جهل : اللهم ربنا ، ديننا القديم ودين محمد الحديث فأَى الدينين كان أَحب إِليك وأَرضى عنك فانصر أَهله اليوم ، قال عبد الرحمن بن عوف : إِنى لواقف فى الصف يوم بدر بين غلامين وقال لى كل واحد منهما : يا عمى هل تعرف أَبا جهل ؟ فقلت : ما حاجتكما ؟ قالا : أخبرنا أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لا نفارقه حتى يموت أَو نموت ، فلم أَنشب أَن نظرت إِليه يجول فى الناس ، فقلت : ها هو ذاك فابتدراه فقتلاه ، وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراءَ ، وقال كل منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أَنا قتلته ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أَريانى سيفيكما إِن لم تمسحاهما فأَرياه فقال : كلاكما قتله ، فأَعطاهما سلبه " ، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قال : من ينظر لنا ما صنع أَبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراءَ ، فأَخذ بلحيته وقال : أَنت أَبو جهل ؟ فقال : وهل فوق رجل قتلتموه ، أَو قال : قتله قومه ؟ وروى : لو غيرك قتلنى ؟ … وعن ابن مسعود رضى الله عنه ، وجدته وقد ضربت رجله ، فقلت : يا عدو الله يا أَبا جهل . قد أَخزاك الله ، وضربته بسيف ، ولم يغن حتى سقط سيفه من يده ، فضربته حتى برد ، أَى ضربته بسيفه إِذ سقط من يده . وفى ابن إِسحاق أَن هذين عمرو بن الجموح ضربه فطيَّر قدمه بنصف ساقه ثم مر به معاذ بن عفراء فضربه حتى أَثبته . فمر به ابن مسعود وبه رمق ووضع رجله على عاتقه فقال : هل أَخزاك الله يا عدو الله ، فقال : لا سوى رجل قتلتموه . أَخبرنى لمن الدبرة اليوم ، قلت : لله ورسوله . وروى أَنه لما وضع رجله على عاتقه قال : لقد ارتقيت مرتقى صعباً يارويعى ، واحتز رأْسه . وجاءَ به إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله هذا رأس أَبى جهل . فقال : الله الذى لا إِله إِله غيره ، قال : نعم … والذى لا إِله غيره ، وأَلقاه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله عز وجل … { وَإِنْ تَنْتَهُوا } عن الكفر والحرب والعداوة { فَهُو } أَى انتهاؤهم { خَيْرٌ لَكُمْ } نفع لكم فى الدارين لنجاتكم بالانتهاء عن القتل والأَسر والغنم ونار الآخرة ، ولفوزكم بالجنة ورضى الله ، أَو أَفضل مما تزعمون أَنه حسن من البقاءِ على الكفر وتمتعهم مع كفرهم ، أَو المراد إِن تنتهوا عن الحرب فهو نفع لكم ، أَو أَنفع لكم لسلامتكم من القتل ونحوه ، وهو أَنسب بقوله { وَإِنْ تَعُودُوا } فإِن العود إِلى الحرب فقط لأَنهم لم يكونوا قد أَسلموا ، فيقال لهم إِن تعودوا إِلى الكفر إِلا إِن أريد تعودوا إِلى كفر آخر ، أَو أريد بالعود البقاء على الكفر { نَعُدْ } لنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقتلكم وأَسركم وغنمكم { وَلَنْ تُغْنِىَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ } لن تدفع عنكم { شَيْئًا } ضراً ، ولن تغنى عنكم شيئا من الإِغناءِ { وَلَوْ كَثُرَتْ } وروى أَنه لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بدر أَتى جماعة من الصحابة بغلامين لقريش ، غلام أَسود لبنى الحجاج وأَبو يسار ، وغلام لبنى العاصى بن وائل ، فقال رسول الله : " أَين قريش " ؟ قالا : وراءَ الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كم هم " ؟ قالا كثير ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما عددهم " ؟ قالا : لا ندرى - قال صلى الله عليه وسلم : " كم ينحرون كل يوم " ؟ قالا : يوم عشرة ، ويوم تسعة ، قال صلى الله عليه وسلم : " القوم ما بين تسعمائة إِلى أَلف " قال صلى الله عليه وسلم : " من فيهم من أَشراف قريش " ؟ . قال : عتبة ابن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة وأبو البخترى بن هشام ، وحكيم بن حزام والحارث بن عامر ، وطعمة بن عدى والنضر بن الحارث ، وأَبو جهل ابن هشام وأُمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل ابن عمرو . فقال صلى الله عليه وسلم : " هذه مكة أَلقت إِليكم أَفلاذ كبدها " ولما أَقبلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم هذه قريش قد أَقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك . اللهم فنصرك الذى وعدتنى " فأَتاه جبريل ، فقال له : خذ قبضة من تراب وارمهم بها ، فلما التقى الجمعان تناول صلى الله عليه وسلم كفا من حصباءَ عليه تراب فرمى به و جه القوم ، وقال : " شاهت الوجوه " ، أَى قبحت . فلم يبق مشرك إِلا ودخل فى عينيه وفمه ومنخريه من ذلك التراب شئ ، فانهزموا وتبعهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم . وعن قتادة وابن زيد أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ ثلاث حصيات فرمى فى ميمنة القوم بحصاة وفى ميسرتهم بحصاة وبين أَظهرهم بحصاة ، وقال : شاهت الوجوه فما كان إِلا انهزامهم { وَأَنَّ اللهَ مَعَ المؤْمِنِينَ } بالنصر والتوفيق ، ويجوز أَن يقول أَنا مؤمن إِن شاءَ الله تعالى ، بمعنى خوف أَن يكون فيه شئ ناقض لإِيمانه ، وأَما على أَن يشك فى إِيمانه فلا إِلا على التبرك فيجوز ولو لم يستثن إِذا أَراد تحقيق ما عنده ، وأَنه غير شاك ، وأَما على معنى أَنه مؤمن حقا عند الله بحيث يثيبه بالجنة ، أَو بحيث الجزم بأَنه لا خلل فيه عند الله فلا إِلا بالاستثناء ، قال صلى الله عليه وسلم للحارث بن مالك : " كيف أَصبحت يا حارث " ؟ قال : أَصبحت مؤمنا حقا ، فقال صلى الله عليه وسلم : " انظر ما تقول فإِن لكل شئ حقيقة ، فما حقيقة إِيمانك " ؟ قال : إِنى عزفت نفسى عن الدنيا ، فأَسهرت ليلى ، وأَظمأت نهارى وكأَنى أَنظر إِلى أَهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأَنى أَنظر إِلى أَهل النار يتصارخون فيها . والعطف على إِن الله موهن ، أَو على مصدر يبلى ، أَو يقدر كان النصر للمؤمنين ؛ لأَن الله مع المؤمنين ، وقيل : الخطاب فى إِن تستفتحوا إِلخ للمؤمنين ، أَى إِن تطلبوا النصر فقد نصرتم فاحمدوا الله ، وإِن تنتهوا عن الكسل فى القتال وعن الرغبة فى الأَنفال التى لله ورسوله كما كان منكم ، وإِن تعودوا لذلك نعد لكم بالإِنكار ، أَو بتغليب العدو عليكم ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت فكيف وقد قلت . أَو ولو جددت لها كثرة بعد فإِن الله مع المؤمنين فيمن كسر إِن . ولا يقوى كما زعم بعض بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ } إِلخ … لأَن شأن القرآن ترتيب ذكر أَمر المؤمنين بعد ذكر أَمر الكافرين والعكس . { وَلاَ تَوَلَّوْا } لا تتولوا ، لا تعرضوا { عَنْهُ } أَى عن رسوله لأَنه أَقرب فى الذكر ، وذكر طاعة الله توطئة وتنبيه على أَن طاعته فى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أَو عن الله ؛ لأَن الدين وكل شئ عنه ، والرسول مبلغ ، وعلى الوجهين جعل التولى عن أَمر الله توليا عن الله ورسوله ، أَو يقدر مضاف ، أَى عن أَمره والإِعراض عن معاونته صلى الله عليه وسلم ، ومخالفته إِعراض عنه ، أَو الهاء للجهاد لأَن السياق له ، أَو للأَمر المدلول عليه بأَطيعوا ، وهو أَحد الأَوامر ، أَو عن الأَمر ضد النهى كذلك { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } ما يتلو عليكم عن الله من الأَحكام والمواعظ سماع فهم وتصديق .