Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 2-4)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ } كاملو الإِيمان ، مبتدأ خبره قوله { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ } ذكر وعيده { وَجِلتْ } خافت { قُلُوبُهُمْ } ذلك الوعيد ، أَو إِذا ذكر الله بالوعد أَو بالوعيد أَو غير ذلك خافته قلوبهم خوف إِجلال ، فيفزعون إِلى ذكره ، وإِذا هموا بمعصية فقيل لهم : اتقوا الله خافوا وتركوها ، ووجل القلب لا ينافى الاطمئنان فى قوله تعالى : { أَلا بذكر الله تطمئن القلوب } [ الرعد : 28 ] فإِنها تطمئن بتحقيق التوحيد . وتحقيقه لا ينافى الخوف من الله تعالى ، والدعاءُ مجاب عند اقشعرار القلب خوفا كما قالت أم الدرداءِ رضى الله عنها { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ } ما نزل من القرآن { زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } تصديقا بالقلب وعملا بالقول والجوارح ، فإِن الإِيمان بتلك المعانى يزداد قوة و رسوخا بزيادة الأَدلة وتداعى بعض لبعض والفكر . وينقص بإِهمال الفكر والعمل على عكس التداعى ، فكلما نزلت آية تقووا ، والكافر بها يزداد كفرا بنزول أُخرى ، كما أَنه إِذا انكشف الغطاءُ صدق من كذب وازداد يقينا من صدق إِلا قليلا كما قيل عن الإِمام على : لو انكشف الغطاءُ لم أَزدد إِلا يقينا ، فهذا من الإِمام على ظاهر فى أَن الإِيمان يزداد وينقص ، والمعنى بزيادة الأَدلة والعمل بمقتضاه وضعفه بعدم التفكر والعمل بغير مقتضاه ، كما يتفاوت بطلوع الشمس ، وبحدوث العالم ، وذلك تحقيق لا خلاف لفظى ، كما زعم بعض أَن ترك العمل هو نقصه ، وقول البخارى : لقيت أَكثر من أَلف عالم من الأَمصار يقولون الإِيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص - ليس نصا فى أَن النقص بترك العمل ، وإِنما هو إِخبار بأَنه يزيد وينقص ، وتبادر من عبارته ليس بترك الأَعمال ، وحديث أَنه صلى الله عليه وسلم قال لوفد ثقيف : " الإِيمان مكمل فى القلوب زيادته ونقصه كفر " لا يصح لضعف سنده جدا ، ولو صح لكان المعنى الزيادة فيه من غيره بما ليس شرعا ، والنقص منه باختلاله كفر ، وحديث البخارى حجة على من يدعى أَن القول قد يكفى عن العمل ، أَما من تاب أَو أَسلم ومات قبل العمل فلا إِشكال فى قبوله { وَعَلَى رَبِّهِمْ } لا على غيره { يَتَوَكَّلُونَ } ذكر للموصول ثلاث صلات ، وجل القلوب عند ذكر الله عز وجل ، وزيادة الإِيمان إِذا تليت آياته ، والتوكل عليه . وذكر موصولا آخر بصلتين فى قوله { الَّذِينَ } نعت للمؤمنين { يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ } الواجبة والنافلة { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } فى الطاعة واجبا ونفلا . قرن الله تعالى الإِيمان وعمل الصالحات كما فى الآية قبل هذه ، وقوله : { آمنوا وعملوا الصالحات } [ العصر : 3 ] والزكاة والصلاة ، والصلاة والإِنفاق ، فى هذه الآية ، وقوله تعالى { وأَقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ النور : 56 ] وطاعة الرسول كما فى قوله عز وجل " وأَطيعوا الله وأَطيعوا الرسول " وطاعة الله والإِحسان إِلى الوالدين فى قوله تعالى { وقضى ربك أَلا تعبدوا إِلا إِياه وبالوالدين إِحسانا } [ الإِسراء : 23 ] وأَخبر عن هؤلاءِ الصفات بقوله : { أُولَئِك } الموصوفون بتلك الصفات { هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا } مصدر مؤكد لغيره ، كقولك : هو ولى الله حقا ، أَى حق ذلك حقا … أَو نعت مصدر أَى إِيمانا حقا ، { لَهُمْ دَرَجَاتٌ } كثيرة لا قليلة ، عظام ، حسيات ومعقولات ، من علو الشأْن ، قال صلى الله عليه وسلم : " فى الجنة مائة درجة لو أَن العالمين اجتمعوا فى إِحداهن لوسعتهم " رواه أَبو هريرة ، وعن أَنس " سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر الفرس المضمر سبعين سنة " { عِنْدَ رَبِّهِمْ } فى اللوح المحفوظ ، وفى علمه { وَمَغْفِرَةٌ } بسبب الصلاة { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } فى الجنة بسبب الإِنفاق وكرمه ، بعظمه وكثرة أَفراده ودوامه ، ويجوز أَن يكون الذين مبتدأ خبره أَولئك هم المؤمنون ، وجملة { لهم درجات } خبر ثان .