Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 116-117)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ والأَرْضِ يُحْيِى وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَّلىٍّ وَّلا نَصِيرٍ } فتبرءُوا من كل ما يخالفه فهو وليكم بالحفظ ونصيركم بدفع الضر وما لككم ورازقكم ومالك حياتكم وموتكم ، فانقطعوا ولا تتعلق قلوبكم إِلى سواه ، ويجوز أَن يراد بالسماوات جميع العلويات حتى العرش والكرسى وبالأَرض جميع الأَرضين وما تحتهن : { لَّقَدْ تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالمهَاجِرِين وَالأَنْصَارِ } أَقام توبته عليهم فى غزوة العسرة إِذ لا ذنب لهم فيها ، أَو قبلها منهم أَو وفقهم إِليها فى مطلق أَحوالهم لا فى خصوص هذه الغزوة ، ومن ذلك إِذنه فى التخلف ، فيعد ذنبا عليه صلى الله عليه وسلم : عفا الله عنك لم أَذنت لهم ، وأَسند إِليهم لأَنهم تبعوه فيه أَو حكم على المجموع وذكر تبركاً لقوله تعالى : فإِن لله خمسه ، وأَيضاً يعد ترك الأَولى ذنباً فى حق الأَخيار ، ولا يخلو الإِنسان من زلة ، ولما كثر الافتضاح فى السورة ظن المسلمون أَن لا يبقى أَحد إِلا نزل فيه قرآن إِلى نزلت هذه الآية فى صبرهم على الشدائد المكفرة لزلاتهم ، وسميت سورة التوبة لهذه الآية : توبوا إِلى الله جميعاً ، وفى الحديث " أَنه ليغان على قلبى فأَستغفر الله كل يوم مائة مرة " ، فبنحو هذا تكون التوبة على ظاهرها من قبولها أَو الآية إِنشاء لإِظهار فضلها ولفظها إِخبار . وقد زعم قوم أَن ذلك كلام للتبرك كما قيل فى : فإِن لله خمسه ، إِذ ضم توبتهم إِلى توبته صلى الله عليه وسلم تعظيماً لهم ، وقد يكون ذنبهم ميلهم إِلى الراحة من شدة الحر وشدة السفر والخوف من قتال الروم أَو الاهتمام بالانصراف ولكن تصمموا على الثبات . { الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } شدة وقحط حتى إِن الاثنين يقتسمان التمرة ويعتقب العشرة على بعير مع شدة الحر ، وهم سبعون أَلفا بين راكب وماش من المهاجرين والأَنصار وسائِر القبائل ، وذلك مع قلة الماءِ . ويخرج النفر وما معهم إِلا تمرات مسوسة وشعير متغير ويتعاقبون على لوك تمرة ويشربون عليه الماء حتى تبقى النواة وأَصابهم عطش فى منزل حتى ظنوا أَن رقابهم ستقطع ، وكان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه يشربه ويجعل باقيه فى كبده فقال الصديق رضى الله عنه : يا رسول الله إِن الله عز وجل قد عودك فى الدعاءِ خيراً فادع الله ، قال : " أَتحب ذلك ؟ " قال : نعم ، فرفع يديه ولم ترجعا حتى غامت السماء فأَمطرت وملأُوا أَوعيتهم ولم يجدوها جاوزت العسكر ، وفى هذه الغزوة دعا بتمر قليل وجعله فى وعاء وبرك فيه فأَخذ أَهل العسكر زادهم وبقى كما هو ، ونبع الماءُ من بين أَصابعه إِذ وضعها فى ماءِ إِناء حتى شربوا وسقوا دوابهم وحملوا ، وهذا مبسوط فى كتب المغازى كمواهب القسطلانى ودلائل الثعالبى وشرحى على نونية المديح والسهيلى والقاضى عياض { مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } ما مصدرية والمصدر من فعل من معنى كاد لأَنها جامدة ، وقيل من لفظها على أَنها لها مصدر واسمِ كاد ضمير الشأْن أَو قلوب وعليه ففى يزيغ ضمير قلوب ، وتوالى الأَفعال دليل فلا لبس ، أَو اسمه ضمير القوم المدلول عليه بالمهاجرين والأَنصار ، والمشهور فى خبر أَفعال المقاربة أَن يكون فعلياً مضارعيا رافعاً لضمير اسمها ، وهذا الزيغ اهتمام بعض بالانصراف حين وقعت الشدة ، لكن ندموا أَو خطور بالبال ، وحسبوا خطوره ذنبا للميل إِليه ، أَو المراد عظم الوسوسة أَو الشرف على الردة ممن هو حديث عهد بالإِسلام أَو ضعيف الإِيمان ، من ذلك أَن يوسوس لهم الشيطان أَنه لو كان نبياً لم يقع فى هذه الشدة . { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } أَعاد ذكر التوبة لبيان أَن التوبة عليهم من أَجل ما كابدوا من العسرة وليس تكريراً محضاً لأَنه عطف على كاد لا على تاب الأَول ، وإِن أُريد أَنه تاب بالثبات على المشقة ، أَو من كونهم كادوا يزيغون فلا تأْكيد ، وكذا قيل : ذكر التوبة أَولا قبل ذكر الذنب تطييباً لقلوبهم وتفضلا ، ثم ذكر الذنب وأَردفه التوبة مرة أُخرى تعظيماً لهم وتصريحاً بالتوبة عن ذنبهم وأَتبعه بقوله { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } تأْكيداً لذلك ، وشهر أَن الرأْفة أَخص من الرحمة فكيف قدمت ؟ فيجاب بأَن الرأْفة هنا العمل فى إِزالة الضر والرحمة الإِنعام ، أَو أُريد بالرأْفة ضد القسوة ونفيها ، وبالرحمة إِيقاع الإِنعام ، أَو الرأْفة عدم تحمل ما لا يطاق ، أُو أُريد بالرحمة تأْكيد معناها الموجود فى الرأْفة فكأَنها تتمة لها فكأَنها ليست شيئاً زائِداً عليها انتقل منها إِليه فحينئِذ يقال إِذاً يجوز لنا زيد فصحيح متكلم ، قلنا : نعم إِذا كان المقام لتأْكيد ، ولا يجزىء أَن يقال قدم للفاصلة .