Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 98-100)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ } يعد ويصير { مَا يُنْفِقُ } يصرفه فى سبيل الله من نفقة وعلف ودابة وآلة القتال ومن زكاة وصدقة { مَغْرَماً } مصدر ميمى أَى غرماً أَى خسراناً لا يرجو له ثواباً ، لأَنه لا يؤمن بالبعث ، ولو آمن لم يطمئِن قلبه بالثواب لضعف إِيمانه فما ينفق إِلا رياءً أَو خوفاً من النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أَن يفعلوا بهم ما يفعلون بالمشركين ويذموهم ، وهم بنو أسد وغطفان وذلك فى الآية مشعر بعدم الإِيمان ، فاكتفى عن ذكره وكأَنه قيل : ومن الأَعراب من لا يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق مغرما ، وقيل مغرماً من الغرم وهو نزول نائبة بالمال من غير جناية كما قيل لكل من المتداينين غريم { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ } المصيبات التى نحيط بالشخص ولا يجد خلاصاً عنها كموت عام وغلبة سلطان كقيصر ، وهرقل . يستريحون من الإِنفاق والأَسفار فى الغزو ومن الذل والخوف { عَلَيْهِمْ دَائِرَةَ السَّوْءِ } إِخبار من الله عز وجل بأَنه يصيبهم من السوءِ ما تمنوه على المؤمنين أَو نحوه ، وينجو المؤمنون منه ، أَو دعاءٌ بمعنى ادعوا عليهم بذلك أَو تَمنٍّ أَى ارغبوا فى حصول ذلك عليهم والله لا يدعو ، إِنما يدعو العاجز المحتاج الذى الأَمر بيد غيره والله بخلاف ذلك . والدائرة اسم فاعل تغلبت عليه الاسمية أَو مصدر بوزن فاعل أَى يتربص بكم دوران المصائِب عليكم ، والدائِرة تختص بالشر فإِضافتها للسوءِ مبالغة { وَاللهُ سَمِيعٌ } بما يقولون عند الإِنفاق سراً بينهم أَو فى انفراد مثل أَن يقولوا هذه غرامة أَوردها الله إِلينا من المؤمنين { عَلِيمٌ } بما أَضمروه ، أَو سميع لأَقوال الخلق عليم بما يضمرونه عموماً فيدخل فيهم هؤلاءِ أَولا ، قال ابن سيرين من قرأَ : ومن الأَعراب من يتخذ إِلخ فليقرأْ معها قوله تعالى : { وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ } كمزينة وجهينة وعبدالله ذى البجادين هو من مزينة ، قيل نزلت فى أَسلم وغفار وجهينة ، وقيل التى قبلها فى أَسد وغطفان وبنى تميم ، وهذه فى ذى البجادين ، وعن مجاهدهم بنو مقرن من مزينة ، وقال الكلبى : أَسلم وغفار وجهينة ، وفى البخارى ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَرأَيتم إِن كان جهينة ومزينة وأَسلم وغفار خيراً من بنى تميم وبنى أَسد وبنى عبدالله بن غطفان ، ومن بنى عامر بن صعصعة ؟ " فقال رجل : خابوا وخسروا : قال : " نعم ، هم خير من بنى تميم وبنى أَسد وبنى عبدالله بن غطفان ومن بنى عامر بن صعصعة " وفى رواية أَن الأَقرع بن حابس قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إِنما تابعك سراق الحجيج من أَسلم وغفار ومزينة ، وأَحسبه قال : وجهينة ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " أَرأَيت إِن كان أَسلم وغفار ومزينة ، وأَحسبه قال : وجهينة ، خيراً من بنى تميم وبنى عامر وأَسد وغطفان " ، قال : خابوا وخسروا . قال : " نعم " وفيهما عن أَبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها " . وفى رواية لمسلم : " أَما أَنا لم أَقلها لكن الله قالها " ، وفيها عن أَبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قريش والأَنصار وجهينة ومزينة وأَسلم وأَشجع وغفار موالى ليس لهم مولى دون الله ورسوله " { وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ } أَى سبب قربات عند الله { وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ } عطف على قربات أَى وسبب صلوات الرسول أَى دعائه لهم فإِنه كان صلى الله عليه وسلم يدعو للمنفق فى سبيل الله ، وللمنفق على المحتاجين أَو لبيت المال ولمؤدى الزكاة ، فالدعاءُ لهؤُلاءِ سنة بعده لكن بغير مادة صلاة لأَن الدعاءَ بها لغير نبى مختص بالنبى صلى الله عليه وسلم يتفضل بها على من شاءَ كما قال : اللهم صل على آل أَبى أَوفى . ويسلم على الأَحياء الحاضرين وعلى أَهل القبور إِذا زورو ، كما ورد : سلام عليكم دار قوم مؤمنين . ولا يجوز قال فلان عليه السلام ونحو هذا الإِيهام النبوة ، ولا سيما أَن طائفة من الشيعة يقصدون الإِمام علياً بالنبوة ، بل يدعى على الغائِب بالرضى والمغفرة ولا خلاف فى السلام على الأَنبياءِ والملائكة ولو بطريق الغيبة ، وأَجازه الحنابلة على الغائب مطلقاً كالمخاطب ، ويجوز السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بلا إِشكال لوروده ، وقيل : يجوز لنا أَن نصلى على غير الأَنبياء ، وقيل مكروه ، وقيل يجوز بالعطف اللهم صلى على سيدنا محمد وأَبى بكر ، ولا خلاف فى جواز عطف الآل ، وقيل تجوز على الملائِكة ، وقيل لا تجوز على الأَنبياء بل تختص بالنبى صلى الله عليه وسلم . وعند نعت لقربات أَو متعلق بيتخذ أَو بقربة ومعناها التقرب وليس هنا ، مفرده قربة بإِسكان الراءِ ولو أَمكن فى الجملة لأَنه ذكر بعد الغم فى قوله { أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } بضم الراءِ ومن قرأَ بإِسكان رائِه أَمكن أَن يكون قربات جمعه اتبعت عينه فاءَه فى الضم ، وأَن يكون جمع قربة بالضم وهو الأَصل لكون الضم فيه أَصلا ، وأَكد الله تقربهم بأَلا الاستفتاحية وأَن والجملة الاسمية التى الخبر فيها غير وصف ولا فعلى ، وأَما زيد قام فلا فرق بينه وبين قام زيد فى عدم التأَكيد فلا تهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم صلى على آل أَبى أَوفى " ، أَخرجه أَصحاب السنن غير الترمذى ، وأَبو أَوفى هو عقبة الأَسلمى من أَصحاب بيعة الرضوان وهو آخر ، وفى رواية نسبت للبخارى ومسلم وأَبى داود عن عبد الله بن أَبى أَوفى قال : كان أَبى من أَصحاب الشجرة وكان النبى صلى الله عليه وسلم إِذا أَتاه قوم بصدقتهم ، قال : " اللهم صَلِّ على آل فلان " فأَتاه أَبى بصدقته ، فقال : " اللهم صلى على آل أَبى أَوفى " وفى الكلام حذف تقديره أَلا إِنها قربة لهم ، وصلاة الرسول ، يدل عليه وصلوات الرسول والضمير فى أَنها عائِد إِلى ما لأَنه تضمن معنى نفقات أَو كأَنه قيل : يتخذ النفقات التى ينفق . أَو إِلى النفقة المعلومة من ينفق ، وقيل الضمير للقربات وقيل للصلوات وذلك تصديق لرجائِهم وبينه بقوله { سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِى رَحْمَتِهِ } فى موضع رحمته التامة الدائِمة ، وقرر ذلك بقوله { إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لهم ، أَو المراد العموم فيدخلون أَولا وبالذات ، ومنهم عبدالله ذو البجادين بكسر الباءِ لقب به لأَنه قطعت أُمه بجادا أَى ثوبا فاتزر بنصف وارتدى بنصف ومات فى عصره صلى الله عليه وسلم ودفنه بنفسه ، وقال : اللهم إِنى أَمسيت راضيا عنه فارض عنه ، فقال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه ليتنى كنت صاحب الحفيرة ، ولما بين فضيلة طائِفة من المؤمنين وثوابهم بين فضائِل أَشراف المسلمين الذين فوقهم بقوله : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } السابقون مبتدأٌ خبره رضى الله عنهم ، وهو إِخبار لا دعاءٌ لأَن الله لا يدعو كما أَن رضوا عنه إِخبار لا دعاءٌ فلا تهم ، وليس تعليما للدعاءِ على معنى قولوا رضى الله عنهم على الدعاءِ ، لأَنه خلاف الأَصل بلا داع إِليه ولأَنه لا يليق برضوا عنه . أَو الخبر هو الأَولون ورضى إِلخ مستأْنف ، أَو خبر ثان أَو الخبر من المهاجرين ، ورضى إِلخ خبر ثان مستأْنف ، والمراد السابقون إِلى الجنة العالون درجة هم الأَولون فى الهجرة أو فى الإسلام ، لأَن فى الأَنصار مؤمنين بالنبى صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ، وهذا على أَن الأَولون خبر ، وإِما على أَن الخبر من المهاجرين وأَن السابقين بعض المهاجرين والأَنصار والبعض الآخر سابقون بالنسبة إِلى من بعدهم ، وبعض الأَنصار أَيضا سبق بعضا فى النصرة والباقون تابعون بإِحسان إِلى قيام الساعة ، أَو السابقون من صلوا إِلى الكعبة وبيت المقدس ، فإِما على أَنه صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة يجعل الكعبة بينه وبين المقدس فقد وحدوا قبل الهجرة ، وإِما أَنه أُريد من صلى إِلى القدس بعد الهجرة ثم نسخ بالكعبة ستة عشر شهرا فيكونون أَولين بالنسبة لمن بعد ، أَو السابقون أَهل بدر سبقوا فى الفضل أَو من شهدوا بيعة الرضوان ، والذين اتبعوهم بإِحسان على العموم ، وبيعة الرضوان كانت بالحديبية . وقيل الصحابة ، وعن محمد بن كعب القرظى هم جميع الصحابة ، غفر الله لمحسنهم ومسيئِهم وأَول من أَسلم خديجة ، وبعدها على وهو ابن ثمانى سنين أَو عشر . وعن إِسلام الصغير إِذعانه أَو كان التكليف بالتمييز ، ثم نسخ بالبلوغ ، أَو هو بالغ حينئذ والصحيح الأَول ، وقال ابن عباس بعدها الصديق ، وعن عروة بعدها زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بأَن أَول من أَسلم من النساءِ خديجة ومن الرجال الصديق ومن الأَطفال على ومن الموالى زيد ، وأَسلم على يد الصديق عثمان والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أَبى وقاص وطلحة بن عبيد الله ، وفى الأَنصار مراتب ثلاث : أَهل بيعة العقبة الأُولى وكانوا سبعة ، سعد بن زرارة وعوف بن مالك ورافع بن مالك بن العجلان وخطبة بن عامر وجابر ابن عبدالله بن رباب ، وأَهل العقبة الثانية وكانوا اثنى عشر ، وأَهل العقبة الثالثة ، وكانوا سبعين رجلا وامرأَتين ومنهم البراءُ بن معرور وعبدالله بن عمرو بن حرام أَبو جابر وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وعبدالله بن رواحة ، وأَما الذين أَسلموا حين جاءَهم منه صلى الله عليه وسلم أَبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف فجاء مع أَهل العقبة الثانية يقرئُهم القرآن ويفقههم فى الدين ، ورضى الله قبول طاعتهم ، ورضاهم عنه عبادتهم أَو فرحهم بما نالوا من خير الدارين ، ومعنى تحتها ومن تحتها واحد ، فإِن الماء الآتى إِلى جنتهم يجرى تحتها ويجرى من تحتها إِلى ما بعدها ، ويجوز أَن يكون الأَكثر ينبع من تحتها ويجرى لما بعدها ، والأَقل يجرى تحتها آتيا مما قبلها ولذلك كان مرة واحدة فى القرآن والعلم عند الله عز وجل ، ولكل واحد من أَهل الجنة النوعان معا ، وخص بتسميتهم الأَوس والخروج ومن معهم أَنصار مع اَن المهاجرين أَيضا نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَنهم لما هاجروا نصروهم ، فيسمى كل بما عامل به أَخاه ، هاجروا إِلى أَهل المدينة ونصرهم أَهل المدينة ، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم قسم فىءَ حنين فى أَهل مكة من قريش وغيرهم فغضب الأَنصار فقال لهم كما مر : " إِنما أَعطيتهم لأُؤَلفهم يا معشر الأَنصار ، أَلم يمن الله عليكم بالإِسلام وسماكم أَنصار الله وأَنصار رسوله ، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأَنصار ، ولو سلك الناس واديا غير واديكم لسلكت واديكم ، يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله " ، فقالوا : رضينا يا رسول الله ، قال : " أَجيبوا كلامى هذا " فقالوا : أَخرجنا الله بك من الظلمة إِلى النور ، وأَنقذتنا من شفا حفرة من النار وهديتنا من ضلال ، رضينا بالله ربا وبالإِسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، فقال : " لو قلتم : طردت فآويناك ، وكذبت فصدقناك ، وخذلت فنصرناك لصدقتم " فقالوا : لله ورسوله المنة علينا . والآية كلها فى الصحابة . ولا يصح ما قيل إِن الذين اتبعوهم بإِحسان ، هم التابعون الذين هم غير صحابة فى زمانه وبعده ، لأَن غير الصحابى لا يساوى الصحابى ولا يزيد عليه ، وجاءَ فى الأَثر عنه صلى الله عليه وسلم تفضيل من تمسك بدينه فى آخر الزمان على الصحابة ، لأَنه لا يجد على الخير أَعوانا ، وأَما حديث " لا تسيئُوا أَصحابى ، فلو أَن أَحدكم أَنفق مثل أُحد ذهبا ما بلغ مد أَحدهم ولا نصيفه " ، فلا دليل فيه لأَنه فى منافقين مع الصحابة أَو فى صحابة مع الصحابة الكبار . وأَما قوله : أُمتى كالمطر لا يدرى أَوله خير أَو آخره فمحمول على الأَولين بعد الصحابة ، وقيل مبالغة ، وفى البخارى ومسلم عن عمران ابن حصين عنه صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " قال عمران : لا أَدرى أَذكر بعد قرنه قرنين أَم ثلاثة ، والقرن من عشر إِلى عشرين أَو من مائة إِلى مائة وعشرين .