Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 71-71)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱمْرَأَتُهُ } سارة بنت هاران بن ناحور وهي بنت عمه { قَآئِمَةً } في الخدمة كما أخرجه ابن أبـي حاتم عن مجاهد وكانت نساؤهم لا تحتجب لا سيما العجائز منهم ، وكانت رضي الله تعالى عنها عجوزاً ، وقال وهب : كانت قائمة وراء الستر تسمع محاورتهم ، وأخذ منه بعضهم أن تستر النساء كان لازماً ، والظاهر أنه لم يكن كذلك لتأخر آية الحجاب ، ويجوز أن يقال : إن القيام وراء الستر كان اتفاقياً ، وعن ابن إسحاق أنها كانت قائمة تصلي ، وقال المبرد : كانت قائمة عن الولد وهو خلاف المشهور في الاستعمال ، وأخرج ابن المنذر عن المغيرات قال في مصحف ابن مسعود : ( وامرأته قائمة وهو جالس ) ، وفي « الكشاف » بدل وهو جالس ( وهو قاعد ) ، وعن ابن عطية بدل { وَٱمْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ } ( وهي قائمة ) ففيه الإضمار من غير تقدم ذكر ، وكأن ذلك إن صح للتعويل على انفهام المرجع من سياق الكلام . والجملة إما في موضع الحال من ضمير { قَالُواْ } [ 70 ] وإما مستأنفة للإخبار { فَضَحِكَتْ } من الضحك المعروف والمراد به حقيقته عند الكثير ، وكان ذلك عند بعضهم سروراً بزوال الخوف عن إبراهيم عليه السلام ، والنساء لا يملكن أنفسهم كالرجال إذا غلب عليهن الفرح ، وقيل : كان سروراً بهلاك أهل الفساد ، وقيل : بمجموع الأمرين ، وقال ابن الأنباري : إن ضحكها كان سروراً بصدق ظنها لأنها كانت تقول لإبراهيم : اضمم إليك لوطاً فإني أرى العذاب سينزل بقومه وكان لوط ابن أخيه وقيل : ابن خالته وقيل : كان أخا سارة وقد مر آنفاً أنها بنت عم إبراهيم عليه السلام ، وعن ابن عباس أنها ضحكت من شدة خوف إبراهيم وهو في أهله وغلمانه ، والذين جاؤوه ثلاثة وهي تعهده يغلب الأربعين ، وقيل : المائة ، وقال قتادة : كان ذلك من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم ، وقال السدي : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت : عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا وهم لا يأكلون طعامنا ، وقال وهب بن منبه : وروي أيضاً عن ابن عباس أنها ضحكت من البشارة بإسحاق ، وفي الكلام على ذلك تقديم وتأخير ، وقيل : ضحكت من المعجز الذي تقدم نقله عن جبريل عليه السلام ، / ولعل الأظهر ما ذكرناه أولاً عن البعض ، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالضحك التبسم ويستعمل في السرور المجرد نحو { مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ } ، [ عبس : 38 - 39 ] ومنه قولهم : روضة تضحك . وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وغيرهما عن ابن عباس أن ضحكت بمعنى حاضت ، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وعكرمة ، وقولهم : ضحكت الأرنب بهذا المعنى أيضاً ، وأنكر أبو عبيدة وأبو عبيد والفراء مجيء ضحك بمعنى حاض ، وأثبت ذلك جمهور اللغويين ، وأنشدوا له قوله : @ وضِحْكُ الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يؤم اللقا @@ وقوله : @ وعهدي بسلمى ضاحكا في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما @@ وقوله : @ إني لآتي العِرس عند طهورها وأهجرها يوماً إذا تك ضاحكا @@ والمثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ . نعم قال ابن المنير ( ( إنه يبعد الحمل على ذلك هنا قولها : { أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } [ هود : 72 ] الخ فإنه لو كان الحيض قبل البشارة لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض ، والحيض في العادة معيار على إمكان الحمل ) ) ودفع بأن الحيض في غير أوانه مؤكد للتعجب أيضاً ، ولأنه يجوز أن تظن أن دمها ليس بحيض بل استحاضة فلذا تعجبت . وقرأ محمد بن زياد الأعرابـي من قراء مكة { فضحكت } بفتح الحاء ، وزعم المهدوي أنه غير معروف وأن ضحك بالكسر هو المعروف ، ومصدره ضحكاً وضحكاً بسكون الحاء وفتح الضاد وكسرها ، وضحكاً وضحكاً بكسر الحاء مع فتح الضاد وكسرها ، والظاهر أن هذه مصادر ضحك بأي معنى كان ، ويفهم من « مجمع البيان » أن مصدر ضحك بمعنى حاضت إنما هو ضحكا بفتح الضاد وسكون الحاء ، ولم نر هذا التخصيص في غيره ، وعن بعضهم أن فتح الحاء في الماضي خصوص بضحك بمعنى حاض ، وعليه فالقراءة المذكورة تؤيد تفسير ضحكت على قراءة الجمهور بحاضت . { فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ } قيل : أي عقبنا سرورها بسرور أتم منه على ألسنة رسلنا { وَمِن وَرَآء إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } بالنصب ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما على أنه منصوب بتقدير فعل يفسره ما يدل عليه الكلام أي ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب ، ورجع ذلك أبو علي ، واعترضه البعض بأنه حينئذ لا يكون ما ذكر داخلاً تحت البشارة ، ودفع بأن ذكر هذه الهبة قبل وجود الموهوب بشارة معنى ، وقيل : هو معطوف على محل { بِإِسْحَـٰقَ } لأنه في محل نصب ، واعترض أنه إنما يتأتى العطف على المحل إذا جاز ظهور المحل في فصيح الكلام كقوله : @ ولسنا بالجبال ولا الحديدا @@ وبشر لا تسقط باؤه من المبشر به في الفصيح . وزعم بعضهم أن العطف على { بِإِسْحَـٰقَ } على توهم نصبه لأنه في معنى وهبنا لها إسحاق فيكون كقوله : @ ( مشائيم ) ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها @@ إلا أنه توهم في هذا وجود الباء في المعطوف عليه على عكس ما في الآية الكريمة ، ويقال لمثل هذا : عطف التوهم ، ولا يخفى ما في هذه التسيمة هنا من البشاعة على أن هذا العطف شاذ لا ينبغي التخريج عليه مع وجود غيره ، وبهذا اعترض على الزمخشري من حمل كلامه حيث قال : ( ( وقرىء بالنصب كأنه قيل : وهبنا لها إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله : @ مـشـائـيـم ) ) @@ البيت عليه لما أنه الظاهر منه ، وقال في الكشف أراد أنه عطف معنوي ومثله شائع مستفيض في العطف والإضمار على شريطة التفسير وغيرهما ، وإنما شبهه بقوله : @ ولا نـاعـب @@ تنبيهاً على أن ذلك مع بعده لما كان واقعاً فهذا أجدر ، والغرض من التشبيه أن غير الموجود في اللفظ جعل بمنزلته وأعمل ، ولا يخفى أنه خلاف المتبادر من عبارته ، وقيل : إنه معطوف على لفظ { إِسْحَـٰقَ } وفتحته للجر لأنه غير مصروف للعلمية والعجمة ، وعلى هذا دخوله في البشارة ظاهر إلا أنه قيل عليه : إنه يلزمه الفصل بين نائب الجار ومجروره وهو أبعد منه بين الجار ومجروره ، وفي « البحر » ( ( أن من ذهب إلى أنه معطوف على ما ذكر فقوله ضعيف لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور ، فلا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو فإن جاء ففي شعر ، فإن كان المعطوف منصوباً أو مرفوعاً ففي جواز ذلك خلاف نحو قام زيد واليوم عمرو وضربت زيداً واليوم عمراً ) ) ، وقرأ الحرميان والنحويان وأبو بكر { يعقوب } بالرفع على الابتداء ، { وَمِن وَرَآء } الخبر كأنه قيل ومن وراء إسحاق يعقوب كائن أو موجود أو مولود قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي فبشرناها بإسحاق متصلاً به يعقوب . وأجاز أبو علي أن يرتفع بالجار والمجرور كما أجازه الأخفش ، وقيل : إنه جائز على مذهب الجمهور أيضاً لاعتماده على ذي الحال ، وتعقب بأنه وهم لأنه الجار والمجرور إذا كان حالاً لا يجوز اقترانه بالواو فليتدبر . وجوز النحاس أيضاً أن يكون فاعلاً بإضمار فعل تقديره ويحدث من وراء إسحاق يعقوب . قال ابن عطية : وعلى هذا لا يدخل في البشارة ، وقد مر ما يعلم منه الجواب ، و { وَرَآءِ } هنا بمعنى خلف وبذلك فسرها الراغب وغيره هنا ، وهو رواية عن ابن عباس ، وفي رواية أخرى عنه تفسيرها بولد الولد وهو أحد معانيها كما في « الصحاح » ، و « القاموس » ، وبذلك قال الشعبـي ، واختاره أبو عبيدة . واستشكل بأن يعقوب ولد إسحاق عليه السلام لصلبه لا ولد ولده ، ولدفع ذلك قال الزمخشري فيما نقل عنه : إن وجه هذا التفسير أن يراد بيعقوب أولاده كما يقال : هاشم ويراد أولاده فكأنه قيل : من ولد ولد إسحاق أولاد يعقوب ، ويتضمن ذلك البشارة بيعقوب من طريق الأولى ، وقيل : وجه ذلك أنه سمي ولد إسحاق وراء بالنسبة إليها أي وراؤها من إسحاق كأنهم بشروها بأن تعيش حتى ترى ولد ولدها ، أو بأن يولد لولدها ولد ، قيل : وهذا أقرب ، والمنقول عن الزمخشري أظهر ، والمعول عليه تفسيره بمعنى خلف إذ في كلا الوجهين تكلف لا يخفى ، والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كما في قوله تعالى : { نُبَشّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } [ مريم : 7 ] وهو الأظهر . وروي عن السدي . ويحتمل أنها بشرت بولد وولد ولد من غير تسمية ثم سميا بعد الولادة ، وتوجيه البشارة إليها مع أن الأصل في ذلك إبراهيم عليه السلام ، وقد وجهت إليه في آيتي الحجر والذاريات للإيذان بأن ما بشر به يكون منهما ولكونها عقيمة حريصة على الولد وكانت قد تمنته حينما ولد لهاجر إسماعيل عليه السلام .