Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 2-2)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } وما عطف عليه صفات مخصصة لهم ، وإما الآتون بفروعه أيضاً كما ينبـىء عنه إضافة الصلاة إليهم فهي صفات موضحة أو مادحة لهم ، وفي بعض الآثار ما يؤيد كونها مخصصة وجعل الزمخشري الإضافة للإشارة إلى أنهم هم المنتفعون بالصلاة دون المصلى له عز وجل . والخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح ، ولذا قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن جرير وغيره : خاشعون خائفون ساكنون . وعن مجاهد أنه هنا غض البصر وخفض الجناح ، وقال مسلم بن يسار وقتادة : تنكيس الرأس ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه ترك الالتفات . وقال الضحاك : وضع اليمين على الشمال . وعن أبـي الدرداء إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام ، ويتبع ذلك ترك الالتفات وهو من الشيطان فقد روى البخاري وأبو داود والنسائي " عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : « هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " وأخرج ابن أبـي شيبة عن أبـي هريرة أنه قال في مرضه : أقعدوني أقعدوني فإن عندي وديعة أودعنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يلتفت أحدكم في صلاته فإن كان لا بد فاعلاً ففي غير ما افترض الله تعالى عليه " وترك العبث بثيابه أو شيء من جسده ، وإنكار منافاته للخشوع مكابرة ، وقد أخرج الحكيم الترمذي في « نوادر الأصول » لكن بسند ضعيف عن أبـي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال : " لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه " ، وترك رفع البصر إلى السماء وإن كان المصلي أعمى وقد جاء النهي عنه ، فقد أخرج مسلم وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن سمرة قال : « قال النبـي صلى الله عليه وسلم : " لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم " وكان قبل نزول الآية غير منهي عنه ، فقد أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في « سننه » عن محمد بن سيرين عن أبـي هريرة " أن النبـي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } فطأطأ رأسه ، وترك الاختصار " وهو وضع اليد على الخاصرة وقد ذكروا أنه مكروه . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم : " الاختصار في الصلاة راحة أهل النار " أي إن ذلك فعل اليهود في صلاتهم استراحة وهم أهل النار لا أن لهم فيها راحة ، كيف وقد قال تعالى : { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } [ الزخرف : 75 ] ومن أفعالهم أيضاً فيها التميل وقد جاء النهي عنه . أخرج الحكيم الترمذي من طريق القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبـي بكر عن أم رومان والدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : رآني أبو بكر رضي الله تعالى عنه أتميل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف / عن صلاتي ثم قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود فإن سكون الأطراف في الصلاة من تمام الصلاة " وقال في « الكشاف » : من الخشوع أن يستعمل الآداب وذكر من ذلك توقي كف الثوب والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك وتقليب الحصى . وفي « البحر » نقلاً عن « التحرير » أنه اختلف في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها ؟ على قولين والصحيح الأول ومحله القلب اهـ ، والصحيح عندنا خلافه ، نعم الحق أنه شرط القبول لا الإجزاء . وفي « المنهاج » و « شرحه » لابن حجر : ( ( ويسن الخشوع في كل صلاته بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة وبجوارحه بأن لا يعبث بأحدها ، وظاهر أن هذا مراد النووي من الخشوع لأنه سيذكر الأول بقوله : ويسن دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب إلا أن يجعل ذلك سبباً له ولذا خصه بحالة الدخول . وفي الآية المراد كل منهما كما هو ظاهر أيضاً ، وكان سنة لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، ولأن لنا وجهاً اختاره جمع أنه شرط للصحة لكن في البعض فيكره الاسترسال مع حديث النفس والعبث كتسوية ردائه أو عمامته لغير ضرورة من تحصيل سنة أو دفع مضرة ، وقيل يحرم اهـ ) ) ، وللإمام في هذا المقام كلام طويل من أراده فليرجع إليه . وتقديم الظرف قيل لرعاية الفواصل ، وقيل ليقرب ذكر الصلاة من ذكر الإيمان فإنهما أخوان وقد جاء إطلاق الإيمان عليها في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [ البقرة : 143 ] وقيل للحصر على معنى الذين هم في جميع صلاتهم دون بعضها خاشعون ، وفي تقديم وصفهم بالخشوع في الصلاة على سائر ما يذكر بعد ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع ، وجاء أن الخشوع أول ما يرفع من الناس ، ففي خبر رواه الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال : يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً . وأخرج ابن أبـي شيبة وأحمد في « الزهد » ، والحاكم وصححه عن حذيفة قال : " أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة " الخبر .