Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 154-154)

Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ } وهو ما روي عن قتادة جبل كانوا في أصله فرفعه الله تعالى فجعله فوقهم كأنه ظلة ، وكان كمعسكرهم قدر فرسخ في فرسخ وليس هو على ما هو في « البحر » الجبل المعروف بطور سيناء ، والظرف متعلق برفعنا وجوز أن يكون حالاً من الطور أي رفعنا الطور كائناً فوقهم { بِمِيثَـٰقِهِمْ } أي بسبب ميثاقهم ليعطوه على ما روي أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع عليهم فقبلوها ، أو ليخافوا فلا ينقضوا الميثاق على ما روي أنهم هموا بنقضه فرفع عليهم الجبل فخافوا وأقلعوا عن النقض ، قيل : وهو الأنسب بقوله تعالى بعد : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } ، وزعم الجبائي أن المراد بنقض ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة فنقضوه بعبادة العجل ، وفيه أن التوراة إنما نزلت بعد عبادتهم العجل كما مر آنفاً فلا يتأتى هذا ، وقال أبو مسلم : إنما رفع الله تعالى الجبل فوقهم إظلالاً لهم من الشمس جزاءاً لعهدهم وكرامة لهم ، ولا يخفى أن هذا خرق لإجماع المفسرين ، وليس له مستند أصلاً . { وَقُلْنَا لَهُمُ } على لسان يوشع عليه السلام بعد مضي زمان التيه { ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ } قال قتادة فيما رواه ابن المنذر وغيره عنه : كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس ، وقيل : هو إيلياء ، وقيل : أريحاء ، وقيل : هو اسم قرية أو : قلنا لهم على لسان موسى عليه السلام والطور مظل عليهم ادخلوا الباب المذكور إذا خرجتم من التيه ، أو باب القبة التي كانوا يصلون إليها لأنهم لم يخرجوا من التيه في حياته عليه السلام والظاهر عدم القيد { سُجَّدًا } متطامنين خاضعين ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ركعاً ، وقيل : ساجدين على جباهكم شكراً لله تعالى . { وَقُلْنَا لَهُمُ } على لسان داود عليه السلام { لاَ تَعْدُواْ } أي لا تتجاوزوا ما أبيح لكم ، أو لا تظلموا باصطياد الحيتان { فِى ٱلسَّبْتِ } ويحتمل كما قال القاضي [ البيضاوي ] بيض الله تعالى غرة أحواله أن يراد على لسان موسى عليه السلام حين ظلل الجبل عليهم فإنه شرع السبت لكن كان الاعتداء فيه ، والمسخ في زمن داود عليه السلام ، وقرأ ورش عن نافع { لاَ تَعْدُواْ } بفتح العين وتشديد الدال ، وروي عن قالون تارة سكون العين سكوناً محضاً ، وتارة إخفاء فتحة العين ، فأما الأول فأصلها تعتدوا لقوله تعالى : { ٱعْتَدَواْ مِنكُمْ فِى ٱلسَّبْتِ } [ البقرة : 65 ] فإنه يدل على أنه من الاعتداء وهو افتعال من العدوان . فأريد إدغام تائه في الدال فنقلت حركتها إلى العين وقلبت دالاً وأدغمت ، وأما السكون المحض فشيء لا يراه النحويون لأنه جمع بين ساكنين على غير حدّهما ، وأما الإخفاء والاختلاس فهو أخف من ذلك لما أنه قريب من الإتيان بحركة مّا ، وقرأ الأعمش تعتدوا / على الأصل ، وأصل تعدوا في القراءة المشهورة تعدووا بواوين الأولى واو الكلمة والثانية ضمير الفاعل فاستثقلت الضمة على لام الكلمة فحذفت فالتقى ساكنان فحذف الأول وهو الواو الأولى وبقي ضمير الفاعل . { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } أي عهداً وثيقاً مؤكداً بأن يأتمروا بأوامر الله تعالى وينتهوا عن مناهيه ، قيل : هو قولهم : سمعنا وأطعنا وكونه { مّيثَـٰقاً } ظاهر ، وكونه { غَلِيظاً } يؤخذ من التعبير بالماضي ، أو من عطف الإطاعة على السمع بناءاً على تفسيره بها ، وفي أخذ ذلك مما ذكر خفاء لا يخفى ، وحكي أنهم بعد أن قبلوا ما كلفوا به من الدين أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عنه فالله تعالى يعذبهم بأي أنواع العذاب أراد ، فإن صح هذا كانت وكادة الميثاق في غاية الظهور ، وزعم بعضهم أن هذا الميثاق هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم } [ آل عمران : 81 ] الآية ، وكونه { غَلِيظاً } باعتبار أخذه من كل نبـي نبـي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأخذ كل واحد واحد له من أمته فهو ميثاق مؤكد متكرر ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر الذي يقتضيه السياق .