Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 155-155)
Tafsir: Rūḥ al-maʿānī: fī tafsīr al-Qurʿān al-ʿaẓīm wa-s-sabʿ al-maṯānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } في الكلام مقدر والجار والمجرور متعلق بمقدر أيضاً ، والباء للسببية و ( ما ) مزيد لتوكيدها ، والإشارة إلى أنها سببية قوية ، وقد يفيد ذلك الحصر بمعونة المقام كما يفيده التقديم على العامل إن التزم هنا ، وجوز أن تكون ما نكرة تامة ، ويكون نقضهم بدلاً منهما أي فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم ، وإن شئت أخرت العامل . واختار أبو حيان عليه الرحمة تقدير لعناهم مؤخراً لوروده مصرحاً به كذلك في قوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ } [ المائدة : 13 ] وجوز غير واحد تعلق الجار بحرمنا الآتي على أن قوله تعالى : { فَبِظُلْمٍ } [ النساء : 160 ] بدل من قوله سبحانه : { فَبِمَا نَقْضِهِم } ، وإليه ذهب الزجاج ، وتعقبه في « البحر » بأن فيه بعداً لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه ، ولأن المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم عن التحريم ، فلا يمكن أن يكون جزء سبب أو سبباً إلا بتأويل بعيد ، وبيان ذلك أن قولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ } [ النساء : 157 ] متأخر في الزمان عن تحريم الطيبات عليهم ، واستحسنه السفاقسي ، ثم قال : وقد يتكلف لحله بأن دوام التحريم في كل زمن كابتدائه ، وفيه بحث ، وجعل العلامة الثاني الفاء في { فَبِظُلْمٍ } على هذا التقدير تكراراً للفاء في { فَبِمَا نَقْضِهِم } عطفاً على { أَخَذْنَا مِنْهُمْ } [ النساء : 154 ] ، أو جزاء شرط مقدر ، واستبعده أيضاً من وجهين : لفظي ومعنوي ، وبين الأول بطول الفصل وبكونه من إبدال الجار والمجرور مع حرف العطف ، أو الجزاء مع القطع بأن المعمول هو الجار والمجرور فقط ، والثاني : بدلالته على أن تحريم بعض الطيبات مسبب عن مثل هذه الجرائم العظيمة ومترتب عليه ، ثم قال : ولو جعلت الفاء للعطف على { فَبِمَا نَقْضِهِم } كما في قولك : بزيد وبحسنه ، أو فبحسنه أو ثم حسنه افتتنت لم يحتج إلى جعله بدلاً ، وجوز أبو البقاء وغيره التعلق بمحذوف دل عليه قوله تعالى : { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } ورد بأن ذلك لا يصلح مفسراً ولا قرينة للمحذوف ، أما الأول : فلتعلقه بكلام آخر لأنه رد وإنكار لقولهم { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } ، وأما الثاني : فلأنه استطراد يتم الكلام دونه ؛ وكونه قرينة لما هو عمدة في الكلام يوجب أن لا يتم دونه . والحاصل أنه لا بد للقرينة من التعلق المعنوي بسابقتها حتى تصلح لذلك ، ومنه يعلم أنه لا مورد للنظر بأن الطبعين / متوافقان في العروض ، أحدهما بالكفر ، والآخر بالنقض ، وقيل : هو متعلق بلا يؤمنون ، والفاء زائدة ، وقيل : بما دل عليه ولا يخفى ردّ ذلك . { وَكُفْرِهِم بَـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } أي حججه الدالة على صدق أنبيائه عليهم الصلاة والسلام والقرآن ، أو ما في كتابهم لتحريفه وإنكاره وعدم العمل به . { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } كزكريا ويحيى عليهما السلام { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع غلاف بمعنى الظرف ، وأصله غلف بضمتين فخفف ، أي أوعية للعلم فنحن مستغنون بما فيها عن غيره ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعطاء ، وقال الكلبـي : يعنون إن قلوبنا بحيث لا يصل إليها شيء إلا وعته ولو كان في حديثك شيء لوعته أيضاً ، ويجوز أن يكون جمع أغلف أي هي مغشاة بأغشية خَلْقية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فيكون كقوله تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } [ فصلت : 5 ] . { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } كلام معترض بين المعطوفين جىء به على وجه الاستطراد مسارعة إلى ردّ زعمهم الفاسد ، أي ليس الأمر كما زعمتم من أنها أوعية العلم فإنها مطبوع عليها محجوبة من العلم لم يصل إليها شيء منه كالبيت المقفل المختوم عليه ، والباء للسببية ، وجوز أن تكون للآلة ، ويجوز أن يكون المعنى ليس عدم وصول الحق إلى قلوبكم لكونها في أكنة وحجب خلقية كما زعمتم بل لأن الله تعالى ختم عليها بسبب كفركم الكسبـي ، وهذا الطبع بمعنى الخذلان والمنع من التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر بالمواعظ عند الكثير وطبع حقيقي عند البعض ، وأيد بما أخرجه البزار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال : " الطابع معلق بقائمة العرش فإذا انتهكت الحرمة وعمل بالمعاصي واجترىء على الله تعالى بعث الله تعالى الطابع فطبع على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئاً " وأخرجه البيهقي أيضاً في « الشعب » إلا أنه ضعفه . { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } نصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي إلا إيماناً قليلاً فهو كالتصديق بنبوّة موسى عليه السلام وهو غير مفيد لأن الكفر بالبعض كفر بالكل كما مر ، أو صفة لزمان محذوف أي زماناً قليلاً ، أو نصب على الاستثناء من ضمير ( لا يؤمنون ) أي إلا قليلاً منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه ، ورده السمين بأن الضمير عائد على المطبوع على قلوبهم ، ومن طبع على قلبه بالكفر لا يقع منه إيمان ، وأجيب بأن المراد بما مر الإسناد إلى الكل ما هو للبعض باعتبار الأكثر . وقال عصام الملة : كما يجب استثناء القليل من عدم الإيمان المتفرع على الطبع على قلوبهم يجب استثناء قليل من القلوب من قلوبهم ، فكأن المراد بل طبع الله تعالى على أكثرها فليفهم .